"المغرب اتخذ إجراءات مهمة لمحاصرة فيروس كورونا؛ ولكن في النقطة المتعلقة بالتعامل مع المغاربة العالقين في الخارج، نحس بأن الحكومة تخلّت عنا، ونشعر باليُتم"، بهذه العبارة عبّرت فاطمة بنعدي عن شعورها إزاء طريقة تعامل الحكومة مع المغاربة العالقين في عدد من الدول، والذين ترفض، إلى حدود الآن، إعادتهم إلى المغرب. تبرر الحكومة رفضها إعادة المغاربة العالقين في الخارج، الذين يقدّر عددهم بأزيد من ثمانية عشر ألف شخص، بكونها لا تستطيع أن توفر لهم المراقبة الطبية، تفاديا لاحتمال نقلهم لعدوى فيروس "كورونا"؛ لكن المغاربة المعنيّين يرون أن هذا المبرر غير منطقي، ويؤكدون أن بمقدور الحكومة أن تعيدهم تدريجيا، وتضعهم في الحجر الصحي داخل المؤسسات الفندقية، إلى حين التأكد من عدم إصابتهم. تقول فاطمة بنعدي، وهي إطار متصرف، إن "الحكومة كتقول بأنها تخاف أن نحمل معنا العدوى إلى المغرب، ولكن حْنا راه مواطنين مغاربة، ويلا كان هذا هو المبرر الحقيقي يديرونا في الحجر الصحي، الفنادق خاوية، واش صعيب على المغرب يوزع ثمانية عشر ألف مغربي على المدن التي يتحدرون منها، ويديروهم فالحجر الصحي أسبوعين أو حتى ثلاثة". وترى فاطمة بنعدي، التي توجد حاليا في فرنسا، أن مبررات الحكومة غير مقنعة بتاتا؛ لأن جميع بلدان العالم أعادت مواطنيها إلى بلدانهم، بمن في ذلك حتى البلدان التي ينتشر فيها فيروس كورونا؛ بل إن بلدانا قريبة من المغرب، مثل تونس وموريتانيا والجزائر والسودان، أعادت مواطنيها العالقين في الخارج"، متسائلة: "واش المغرب أقلّ قدرة من تونس وموريتانيا والسودان". ووجه المغاربة العالقون في الخارج، الأسبوع الماضي، رسالة إلى رئيس الحكومة، موقعة من طرف مئات الأشخاص المعنيين بمطلب الإعادة إلى المغرب، نددوا فيها بغياب أي طرح لدى الحكومة لإعادتهم إلى المملكة؛ وهو ما تأكد خلال اجتماع لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب يوم 15 أبريل الجاري، حيث لم تعبر الحكومة عن أي استعداد لتلبية مطلبهم. عدم تفاعل الحكومة مع مطلب إعادة المغاربة العالقين في الخارج إلى المغرب دفع ببعضهم إلى الانخراط في أشكال احتجاجية على تعاطي الحكومة مع ملفهم، كما هو حال منصف السعيد، وهو محام عالق بمدينة سبتة، حيث دخل في إضراب مفتوح عن الطعام منذ ثلاثة أيام. يقول السعيد، في تصريح لهسبريس من سبتة: "دخلت في إضراب عن الطعام بسبب إهمال السلطات المغربية للمغاربة العالقين بسبتة ومليلية، وعدم محاولة التواصل معهم ودعمهم، ولو بطرق غير مباشرة، زيادة على ضبابية موقف الحكومة من مسألة إعادتنا بعد أزيد من شهر من المعاناة، ونحن الآن على أبواب شهر رمضان". ويَعتبر السعيد أن دخوله في ما سمّاها "معركة الأمعاء الخاوية"، على الرغم من مخاطرها على صحته، "هي تضحية في سبيل الكلّ، ولإسماع صوتنا بعد أن طرقنا كل الأبواب دون أي تفاعل بصفة نهائية". ويعيش المغاربة العالقون في الخارج، فضلا عن الصعوبات المادية، ضغوطا نفسية كبيرة؛ ذلك أن منهم أشخاصا مسنّين، ومرضى مصابين بأمراض مزمنة يحتاجون إلى متابعة طبية مستمرة، ومنهم من ترك أطفاله الصغار في المغرب، ومنهم من ترك عمله ويخشى أن يجد نفسه بلا عمل بعد العودة إلى المغرب. يقول منصف السعيد: "علقت بسبتة رفقة والدتي المسنة، التي تعاني منذ أسبوعين من انهيار عصبي، وتركت ابنتيّ الصغيرتين اللتين لا يتجاوز عمرهما سبع وثلاث سنوات، رفقة أمهما في المغرب لوحدهن، علما أن زوجتي صيدلانية وواجبها الوطني والمهني يقتضي استمرارها في عملها، دون أن يخفى ما لذلك من مخاطر التقاط عدوى فيروس كورونا، فمن سيرعى مَن، لو قدر الله...". لم يُتمم السعيد الجملة ليس خوفا من أن يحدث مكروه لزوجته وفلذتي كبده اللواتي تركهنّ في المغرب وحدهن فقط، بل أيضا لأنه بعيد عنهن في هذه الظرفية الصعبة، ويؤكّد أنه يدرك جيدا أن إضرابه عن الطعام قد لا يغير توجه الحكومة؛ "ولكن المهم هو أن الجميع يعلم أن المسؤولين على علم بوضعنا هنا، وهذه هي الغاية من الرسالة". وكان المغاربة العالقون في الخارج يأملون أن يسفر اجتماع لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب يوم الأربعاء الماضي عن إعلان الشروع في إعادتهم إلى المغرب؛ لكن أملهم خاب، حيث طالبتهم الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية التي حضرت الاجتماع ب"الصبر"، ولكنهم تعبوا من الصبر. تقول فاطمة بنعدي: "شكّل قرار إغلاق المغرب لحدوده صدمة لنا، ولكن قلنا لا بأس، نصبرو شوية، أسبوع، أو أسبوعين، ولكنّ الصمت المطبق للحكومة جعلنا نتساءل حول مصيرنا"، مضيفة: "نتخبط هنا في مشاكل مادية واجتماعية وصحية وحتى نفسية، إذ من الصعب أن يجد الإنسان نفسه محاصرا في بلاد بين عشية واضحة. لقد تفهمنا الوضع، لكن مع مرور الوقت كان هناك ضغط نفسي، لأننا تركنا أبناءنا وأسرنا في المغرب على أمل العودة بعد أيام قليلة، وهناك من ترك والديه الكبار في السن أو أطفاله الصغار". وتشير المتحدثة إلى أن هناك أشخاصا كبارا في السن يعانون الأمرّين، رغم وضعهم في الفنادق، لأن منهم من يحتاج إلى متابعة طبية، ومنهم من يفرض عليه وضعه الصحي أن يخضع للحمية، مثل مرضى السكري، وهو ما لا يمكن تحقيقه، مضيفة: "القنصليات حاولت أن توفر قد الإمكان الأدوية والمأكل والمبيت، ولكن إلى متى، علما أن هناك مغاربة لم يتم التكفل بهم، لأن القنصليات لا تتوفر على الإمكانيات المادية لإيواء الجميع". ويكابد المغاربة العالقون في الخارج معاناة لا توصف، تجسّدها عدد من الحالات الإنسانية المؤثرة، كحالة سيّدة من إحدى مدن الشمال، دخلت إلى مدينة سبتة فقط من أجل اقتناء دواء لطفلتها التي تعاني من مرض في القلب، وصادف دخولها الى سبتة اليوم الذي اتخذ فيه المغرب قرار إغلاق حدوده البرية مع إسبانيا، فبقيت عالقة في سبتة. تقول السيدة بصوت باك إنها تركت طفلتها المريضة بالقلب وحيدة لدى جيرانها، وهي محرومة الآن من الدواء، وهي أيضا أجرت عملية جراحية على لسانها قبل أيام فقط من دخولها إلى سبتة، وتحتاج إلى المتابعة الطبية عند طبيبها، كما أنها مريضة بالسكري، مضيفة "بغيت غير شي حل نرجعو عند وليداتنا، را حنا كنبكيو الدم ماشي غير الدموع".