ضمن سلسة أوراق يصدرها فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري، بشراكة مع جريدة هسبريس الإلكترونية، وفي هذه الورقة الرابعة يتطرق الدكتور جواد النوحي، أستاذ القانون العام، بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى إشكالية إنجاز الصفقات العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية. ويعتبر النوحي أن هذه الوضعية شكلت تحديا غير مسبوق، ما يدفع إلى طرح أسئلة متعددة حولها، موردا أن من بين الأسئلة الجوهرية ذات الطبيعة القانونية سؤال مدى إمكانية التقيد بالمقتضيات والضوابط المتعلقة بإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية واستكمال المساطر الجارية حولها، وأيضا تنفيذ طرفي عقد الصفقة العمومية للالتزامات الموقعة بينهما. وفي ما يلي ورقة الدكتور النوحي: فرضت جائحة كورونا التي ترخي في الوقت الحاضر بظلالها على معظم بلدان المعمور، ومن بينها المغرب، على السلطات العمومية تغيير أجندتها وأسلوب تدبيرها. ولمجابهة هذه الوضعية سارعت الدولة المغربية إلى اتخاذ تدابير مستعجلة للحد من آثارها والحيلولة دون انتشار الفيروس. لقد وضعت مؤسسات الدولة بتوجيه من جلالة الملك نصب أعينها ضمان السلامة الصحية للمواطنين، وإن كان ذلك سيتم على حساب الاقتصاد واستمرارية الحياة بشكل عاد. وتباشر هذه الإجراءات بما يتلاءم ومقتضيات الفصل 21 من الدستور الذي ينص على أنه: "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع". ومن أبرز ما اتخذته الحكومة من قرارات فرض حالة الطوارئ الصحية لفترة محددة، التي أصدرت بخصوصها المرسومين التاليين: مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومرسوم رقم 2.20.293 صادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19). وقد صدر المرسومان معا في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020). ومازالت هناك إلى حد الساعة صعوبة في التكهن بتاريخ إنهاء حالة الطوارئ هاته. إن هذه الوضعية شكلت تحديا غير مسبوق، ما يدفع إلى طرح أسئلة متعددة حولها. ومن بين الأسئلة الجوهرية ذات الطبيعة القانونية سؤال مدى إمكانية التقيد بالمقتضيات والضوابط المتعلقة بإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية واستكمال المساطر الجارية حولها، وأيضا تنفيذ طرفي عقد الصفقة العمومية للالتزامات الموقعة بينهما. ما يعطي أهمية لهذا السؤال جانبان أساسيان: يتجسد الجانب الأول في الصعوبة العملية لإمكانية استمرار العمل العادي للمرافق العمومية، وأيضا من طرف أصحاب الصفقات، بحيث قد تبرز صعوبات عدة في تطبيق المقتضيات الخاصة بإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية. كما أن أصحاب المشاريع قد يجابهون بصعوبة في تنفيذ الأعمال موضوع الصفقة الجارية. ويهم الجانب الثاني تحدي التزام الإدارات بتنفيذ الميزانيات المخصصة لها في السنة المالية الحالية، خاصة ميزانية الاستثمار، التي تنجز بالأساس عن طريق آلية الصفقات العمومية. ذلك أن المؤشرات الحالية قد تؤدي إلى تراجع في موارد الدولة، ما قد يفضي إلى تراجع في حجم النفقات العمومية. كما أن المعطيات الأولية تبرز إمكانية لجوء الحكومة إلى أحد الاحتمالين: الاحتمال الأول تعديل قانون المالية الجاري عن طريق وضع قانون مالي تعديلي استنادا إلى المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية التي تنص على أنه: "لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة إلا بقوانين المالية المعدلة".. أما الاحتمال الثاني فهو اللجوء إلى وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار، فاستنادا إلى المادة 62 من القانون التنظيمي لقانون المالية فإنه: "يجوز للحكومة أثناء السنة المالية وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار إذا استلزمت ذلك الظروف الاقتصادية والمالية. ويتم إخبار اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان مسبقا بذلك". من ثم تبدو مركزية طرح الموضوع في المرحلة الحالية، إذ إن مجال الصفقات العمومية محكوم بإجراءات وآجال محددة، وستترتب عن عدم الالتزام بها آثار قانونية يمكن أن تفضي إلى توقيف مساطر، وسقوط حقوق، والمطالبة بالتعويض، وغرامات ذات طبيعة زجرية، وفسخ العديد من العقود. ومن بين الإشكاليات المتعلقة بمجال الصفقات العمومية التي قد تظهر خلال حالة الطوارئ الصحية الحالية نجد، على سبيل المثال لا الحصر، إمكانية عدم التزام الأشخاص المعنوية العامة بالبرامج التوقعية التي قد تكون نشرتها على ضوء مقتضيات المادة 14 من المرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 8 جمادى الأولى 1434 (20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية، مع الإشارة إلى إمكانية تعديلها أو تكملة تلك البرامج استنادا إلى الفقرة 3 من المادة نفسها؛ التأثير على كل من أجل المشاركة في الصفقات العمومية، وآجال الطعن في مساطرها، وآجال اللجوء إلى الهيئات المختصة للبت في الخلافات مع الإدارة المعنية، وانعقاد لجنة طلب العروض أو المباراة في جلسة عمومية، وآجال تنفيذ تلك الصفقات وتسليم الأعمال. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل الآجال والإجراءات المرتبطة بهذه القضايا وغيرها لن تتم إلا وفقا لما هو مقرر في المنظومة القانونية المؤطرة للصفقات العمومية، ولا يمكن تجاوزها إلا بتغيير الإطار القانوني الخاص بالآلية موضوع التغيير أو التعديل أو التتميم. أمام حجم الإشكاليات المثارة حاليا حول تدبير مثل هذه القضايا في الوضعية الراهنة فيكون من المفيد طرح بعض الأسئلة المرتبطة بها، وتقديم الحلول الممكن اتخاذها في ضوء النصوص المنظمة لها. وتتأسس فكرة مناقشة هذه الوضعية، رغم أن حالة الطوارئ الصحية ستكون مؤقتة، على ما سيترتب عن الصعوبات الحالية من ضياع لعديد من الحقوق، ومن طرح صعوبة في تنفيذ العديد من الأعمال، وأيضا الالتزام بإنهاء الصفقة في الأجل المحدد. ولن يتوقف التحليل على كل جوانب الموضوع التي تمت الإشارة إليها، وغيرها كثير، وإنما على جانب واحد هو المتعلق بإنجاز الصفقات العمومية المصادق عليها أو تلك التي شرع في إنجازها، وسيتم التركيز على صفقات الأشغال. وتتعين الإشارة بهذا الخصوص إلى أن الحكومة تنبهت إلى الأمر، فأصدر وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بتاريخ 31 مارس مذكرة موجهة إلى السيدات والسادة الرؤساء والرؤساء المديرين العامين ورؤساء الإدارة الجماعية والمديرين العامين ومديري المؤسسات والمقاولات العمومية، تتعلق بإجراءات مواكبة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية من أجل ضمان المرونة في التدبير خلال فترة الطوارئ الصحية المرتبطة بجانحة فيروس كورونا "كوفيد 19". ومن بين ما تضمنته المذكرة تدابير تخص وضعية الصفقات العمومية في مرحلة الطوارئ الصحية، وهمت مضامينها التنصيص على تمكين المدبرين من تدابير مخففة عند الالتزام بالنفقات، ووضع إجراءات استثنائية تتعلق بإبرام الصفقات العمومية، وأيضا ما يتعلق بالصفقات أو سندات الطلب قصد الإنجاز. وسيكون السؤال الرئيسي للورقة: أية إمكانية قانونية للطرفين المتعاقدين في صفقات الأشغال للتعامل مع هذه الوضعية المستجدة في حال تعذر على أصحاب الصفقات الاشتغال خلال هذه المرحلة أو وجود بعض التعثر في عملية التنفيذ نتيجة عدم التحاق العمال بالأوراش، لأسباب الحجر الصحي الجاري أو الصعوبة في الحصول على السلع والمعدات على سبيل المثال؟. وترتبط بهذا التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية، من قبيل هل يستفيد المقاولون من إمكانية وقف التزاماتهم خلال مرحلة الطوارئ الصحية، ثم متابعة التنفيذ بعد الإعلان عن نهايتها بدون أن تترتب عليهم أي تبعات؟ وهل من إجراءات يمكن أن يتبعوها للاستفادة من تأجيل تنفيذ العمل؟ وهل يكون لهم الحق في التعويض أم لا؟. تتوزع عناصر الإجابة عن الأسئلة المطروحة إلى نقطتين: تعرض النقطة الأولى للإمكانية القانونية التي يمكن تقديمها للتعامل مع هذا النوع من العوارض، وتخصص النقطة الثانية لمناقشة تلك الإمكانيات على ضوء مذكرة وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المشار إليها، المتعلقة بنقطة إنجاز الصفقات العمومية. لكن قبل بدء عناصر الإجابة لا بد من تعريف الصفقة العمومية والإطار القانوني المنظم لتنفيذ صفقات الأشغال لأنه موضوع الورقة. بالنظر إلى أن هذه الورقة توجه إلى جمهور قد لا يكون بالضرورة ملما بموضوع الصفقات العمومية، فإنه يتعين إبراز أن الصفقات العمومية تنصرف إلى الآلية التي يمكن من خلالها للأشخاص المعنوية العامة (الدولة، المؤسسات العمومية، الجماعات الترابية) تلبية احتياجاتها من الأشغال والتوريدات والخدمات. وتعرف الصفقات استناد إلى المادة 4 النقطة 13 من المرسوم رقم 2.12.349 المشار إليه، ويتعلق بالصفقات العمومية بأنها: "عقود بعوض تبرم بين صاحب مشروع من جهة، وشخص ذاتي أو اعتباري من جهة أخرى، يدعى مقاولا أو موردا أو خدماتيا، وتهدف إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات". ويخضع تنفيذ الصفقات العمومية التي تأتي بعد مسطرة الإبرام لدفاتر التحملات التي تتوزع على نحو ما أورده مرسوم 20 مارس 2013 إلى دفتر الشروط الإدارية العامة، ودفتر الشروط المشتركة، ثم دفتر الشروط الخاصة؛ وهي تشكل مصدرا من مصادر قانون الصفقات العمومية، وتؤطر أيضا تنفيذ الصفقات العمومية. وفي ما يهم صفقات الأشغال فإن الدفتر الأساسي المؤطر لتنفيذها هو مرسوم رقم 2.14.394 الصادر في 6 شعبان 1437 (13 ماي 2016) بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال، والذي يحدد وفقا للمادة 1 منه "البنود التي يتم وفقها تنفيذ صفقات الأشغال، ويبين التزامات وحقوق كل من صاحب المشروع والمقاول؛ ويطبق على جميع صفقات الأشغال التي تمت الإحالة عليها في دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بها". وبخصوص الإشكالية التي تطرحها الورقة حول تنفيذ الصفقات العمومية في مرحلة حالة الطوارئ الصحية السارية، يظهر أن الدفتر المشار إليه يتضمن أربع مواد يمكن أن تقدم أجوبة في حال تعذر على المقاولين تنفيذ أعمالهم والاستمرار في إنجاز الأشغال. يتحدد أول مقتضى في ما ورد في المادة 8 المنظمة لآجال التنفيذ، التي بعدما أكدت أن أجل تنفيذ الصفقات العمومية غير قابلة للتغيير، نصت في النقطة "ب" على إمكانية وجود آجال تنفيذ إضافية في العديد من الحالات، من بينها القوة القاهرة. وتهم المادة الثانية التي يمكن الاستعانة بها في الحالة المدروسة ما تضمنته المادة 47 التي قننت وضعية حالات القوة القاهرة التي يمكن أن تقع خلال مرحلة إنجاز الصفقات العمومية. وقد أشارت هذه المادة التي جاءت طويلة إلى حق المقاول في الحصول على تمديد معقول لأجل التنفيذ نتيجة وقوع حادث يدخل في إطار القوة القاهرة. وبناء عليه فإن إلزامية تنفيذ الصفقات تتوقف وفقا للمادة في حالة القوة القاهرة. وقد حددت المادة ثلاثة ضوابط خاصة بهذه الوضعية: يتمثل الضابط الأول في عدم صرف صاحب المشروع أي تعويض للمقاول عن الخسائر الجزئية أو الكلية التي قد تصيبه، مثل تلف السلع والمواد. ويهم الضابط الثاني صفة القوة القاهرة، التي حصرها في العنصر الطبيعي، الذي يتجاوز حدودا معينة، والتي اكتفت المادة بربطها برداءة أحوال الطقس التي وصلت إلى حد معين والظواهر الطبيعية الأخرى. وفي الضابط الثالث توقفت المادة عند المسطرة التي يتعين اتباعها من طرف المقاول لطرح توقيف العمل على صاحب المشروع نتيجة القوة القاهرة، إذ أوردت الفقرة 3 منها أنه: "يجب على المقاول الذي يتذرع بحالة قوة قاهرة أن يوجه بمجرد ظهور مثل هذه الحاجة ومن خلال أجل أقصاه سبعة (7) أيام إلى صاحب المشروع تبليغا بواسطة رسالة مضمونة الوصول تتضمن وصفا للعناصر المؤلفة للقوة القاهرة وتبعاتها المحتملة على إنجاز الأشغال". وبذلك يبدو أن إثارة أمر القوة القاهرة بناء على المادة 47 المشار إليها يأتي بمبادرة من صاحب الصفقة برسالة يوجهها إلى صاحب المشروع أو صاحب المشروع المنتدب حسب الحالة بواسطة رسالة مضمونة داخل أجل سبعة أيام؛ غير أن تطبيقها يتوقف على موافقة المدبرين، وفي حالة الرفض تبقى الإمكانية أمام المقاول للطعن أمام المحكمة الإدارية المختصة. وفي حالة بلوغ هذه المحطة فإن صاحب الصفقة ملزم بتنفيذ العمل بعد انتهاء ظروف القوة القاهرة. غير أنه إذا تجاوزت الوضعية ستين (60) يوما على نحو ما أوردته الفقرة الأخيرة من المادة فإنه يمكن فسخ الصفقة، سواء بإرادة صاحب المشروع أو من خلال طلب للمقاول. إن قراءة هذه المادة تبرز ملاحظة أساسية هي اتجاه المقتضى إلى تقنين واقعة القوة القاهرة وما يمكن أن يرتب عنها من آثار. والمسجل بهذا الخصوص هو عدم توسيع حالات القوة القاهرة، وهو ما قد يطرح إشكالا حول بعض الوضعيات غير المتوقعة، منها حالة الطوارئ الصحية الحالية، خاصة أن قانون الالتزامات والعقود لم يتضمن مثل هذه الحالة، وإنما اكتفى بتعريفها وتحديد على سبيل المثال بعض مظاهرها، إذ نص الفصل 269 من القانون على أن "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات، والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه تنفيذ الالتزام مستحيلا. ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه. وكذلك يعتبر من القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين". وما تتعين الإشارة إليه أيضا أن دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال طرح آثار القوة القاهرة في مجال الصفقات العمومية بشكل مخالف لما نهجه قانون الالتزامات والعقود في التعامل مع الالتزامات بين الأفراد، فإذا كان بالنسبة للصفقات العمومية يؤدي إلى تأجيل آجال التنفيذ، فإنه في قانون الالتزامات والعقود يتوقف فقط عند منح المطالبة بالتعويض عندما يتم التأخير في الالتزام، ولا يتعلق بتوقيف تنفيذ الالتزام ولا بتأجيله؛ ذلك أن الفصل 268 من قانون الالتزامات والتعاقد نص على أنه: "لا محل لأي تعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن". وتتحدد الإمكانية الثالثة المشار إليها في دفتر الشروط الإدارية في ما تضمنته الفقرة 2 من المادة 48، إذ ورد فيها أنه: "يمكن لصاحب المشروع أن يأمر بتأجيل مجموع الأشغال أو فقط جزء منها إما قبل الشروع في تنفيذ الأشغال أو بعده". وفقا لهذه المادة أعطيت الإمكانية لصاحب المشروع بأمر المقاول بتأجيل مجموع العمل أو الجزء منه إلى أجل يحدده، ويتم ذلك من خلال توجيه أمر بالخدمة يقضي بتأجيل الأشغال. ويدخل ذلك في سلطة الإدارة والامتيازات المخولة لها على حساب المتعاقدين، باعتبار عقد الصفقة العمومية من العقود الإدارية التي تتمتع من خلاله الإدارة بامتيازات السلطة العامة. وتتحدد آخر إمكانية لمواجهة الإشكالية المتعلقة بإنجاز الصفقة العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية المشار إليها في ما نظمته المادة 49 التي خولت لصاحب المشروع في إطار الامتيازات التفضيلية المخولة له إمكانية إصدار أمر بتوقيف الأشغال، وهو ما يترتب عنه بالضرورة فسخ الصفقة. ولا يكون أمام المقاول سوى المطالبة بالتعويض في حالة حصول ضرر له شريطة أن يقدم الطلب كتابة خلال أجل أربعين (40) يوما من تاريخ تبليغ الأمر بالخدمة القاضي بتوقيف الأشغال. إجمالا يمكن القول إن الإمكانيات القانونية التي يمكن اللجوء إليها في حال تعذر تنفيذ صفقة الأشغال على ضوء الوضعية الحالية، والتي يستفيد منها أصحاب الصفقات، هي إما التنصيص من طرف صاحب المشروع على آجال تنفيذ إضافية وتفسير ذلك بوجود قوة قاهرة؛ وإما حصول المقاولين على تمديد معقول لإنجاز الصفقة العمومية يعادل مرحلة حالة الطوارئ، باعتبار أننا أمام وضعية حالة القوة القاهرة مع عدم تجاوز أجل ستين (60) يوما؛ وإما لجوء صاحب المشروع إلى المطالبة بتأجيل جميع الأشغال أو جزء منها، وإما مطالبته المقاول بالتوقيف عن تنفيذ الصفقة وهو ما سيؤدي إلى فسخها. إذا كانت هذه هي الإمكانات القانونية المرتبطة بالوضعية الحالية لإنجاز الصفقات، فكيف دبرت الحكومة هذا الأمر على ضوء المذكرة المشار إليها؟. لقد ورد في مذكرة وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المشار إليها في النقطة المتعلقة بإنجاز الصفقات وسندات الطلب ما يلي: "في ما يتعلق بالصفقات أو سندات الطلب قيد الإنجاز، والتي من المحتمل أن تتأثر الآجال التعاقدية لإنجازها بسبب الظروف الحالية، يمكن للمؤسسات والمقاولات العمومية الاستناد إلى ظروف القوة القاهرة المنصوص عليها في دفتر الشروط الإدارية العامة المعمول به لمنح مهلة إضافية تعادل فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة من قبل السلطات العمومية، وذلك عند طلبها من طرف الموردين. ويسمح لأصحاب المشاريع اللجوء إلى ملحق للتنصيص على هذا التمديد مباشرة بعد رفع حالة الطوارئ الصحية". يسجل على هذا التوجه المعبر عنه في المذكرة دعوة المؤسسات والمقاولات العمومية إلى إمكانية أخذ بعين الاعتبار ظروف التنفيذ وإعطاء الملزمين مهلة إضافية تعادل فترة حالة الطوارئ الصحية، التي لن تعرف مدتها إلا بعد اتخاذ قرار إنهاء الوضعية؛ غير أن المذكرة حصرت ذلك فقط في نوع واحد من الصفقات هو صفقات التوريدات، باعتبار أن هذا النوع هو الذي يرتبط بوضعيات مستعجلة، ومن ثم فلم تجب عن الحالات المتعلقة بصفقات الأشغال أو صفقات الخدمات، التي لن تكون بمعزل عن الأمر. لكن الأهم في المذكرة هو اعتبار الوضعية الحالية بمثابة قوة قاهرة، وهو ما يجعل الأنواع الأخرى تحكم بالمقتضيات المتعلقة بالقوة القاهرة على نحو ما تتضمنه دفاتر الشروط الإدارية العامة التي تم إخراجها، والتي تهم مجالي صفقات الخدمات المتعلقة بأعمال الدراسات ومجال الأشغال. واستنادا إلى ذلك يمكن القول إن الصفقات وسندات الطلب موضوع الإنجاز في مجال الأشغال يمكن أن تطبق عليها إحدى المقتضيات المشار إليها في المواد الأربع المشار إليها، وإن المادة 47 هي الأقرب إلى التطبيق. كنقطة أخيرة إن الحل المقدم في هذه الورقة يهم الوضعية العادية التي تنظمها مقتضيات دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال، أي إنه في غياب توجيه للحكومة في ظل حالة الطوارئ الصحية فإن هذه المقتضيات هي التي تسري؛ إلا إذا رأت هذه المؤسسة اتخاذ تدابير مخالفة لهذه المقتضيات تتضمن إعمال إجراءات بخصوص تنفيذ صفقات الأشغال إبان فترة حالة الطوارئ، كما تم العمل به في المذكرة الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية المشار إليها، ويتأسس سندها على مضمون الفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المشار إليه، والتي تنص على ما يلي: "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم".