تُقدّم حالة الطوارئ الصحية التي اعتمدتها السلطات العمومية لمنع تفشي وباء كورونا المستجد ببلادنا دروسا في سيادة القانون، وفي المساواة أمامه، كما أنها تكشف، يوما بعد يوم، أن هناك بعض الأشخاص الذين مازالوا يحنون إلى زمن الفوضى والتسيب والمحسوبية كظرف مُعف من المسؤولية الجنائية. ولعل أهم درس في سيادة القانون هو إخضاع شقيق وزير سابق لتدبير الحراسة النظرية، وفتح بحث قضائي في مواجهته، وتقديمه أمام النيابة العامة التي تتابعه حاليا في حالة اعتقال من أجل تهم جنحية عديدة، وهي عدم الامتثال وإهانة موظفين عموميين أثناء مزاولتهم مهامهم، والقذف وخرق حالة الطوارئ الصحية. حقيقة ما جرى مساء يوم 31 مارس المنصرم، وتحديدا عند الساعة التاسعة ليلا، كان شقيق الوزير السابق يتولى سياقة سيارته الجاغوار، مرفوقا بزوجته، وعند إخضاعه للمراقبة الأمنية بالقرب من ملعب "الكوك" بمنطقة الحي الحسني بالدار البيضاء، انتفض في وجه الشرطيين بعدما تعذر عليه الإدلاء بوثيقة تبرر خروجه الاستثنائي، قبل أن يعمد إلى زيادة سرعة السيارة والفرار موجها كلاما ساقطا يمس بالاعتبار الشخصي لموظفي الأمن، وينطوي على تهديد صريح في مواجهتهم، حسب ما هو مضمن في ملف القضية. عممت مصالح الأمن الوطني مذكرة بحث تتضمن أرقام السيارة، وبيانات الشخص الفار، قبل أن يتم توقيفه في اليوم الموالي على متن سيارة مغايرة، خارقا مرة أخرى حالة الطوارئ الصحية، وهو ما استدعى ضبطه وإخضاعه لتدبير الحراسة النظرية على خلفية البحث الذي أمرت به النيابة العامة. تدخلات تصطدم بكرامة الشرطيين منذ الوهلة الأولى لتوقيف شقيق الوزير السابق، وإيداعه مكان الوضع تحت الحراسة النظرية على خلفية البحث التمهيدي، انخرطت جهات عائلية وأوساط مقربة منها في محاولات عديدة لتسوية الملف وديا وبالتراضي، لكن هذه المحاولات المجهضة باءت بالفشل واصطدمت بأن "كرامة الشرطيين خط أحمر". ونقلت مصادر متطابقة أن عائلة المشتبه فيه سعت جاهدة إلى الحصول على تنازل من الشرطيين، لكن المدير العام للأمن الوطني كان واضحا وثابتا في موقفه، إذ شدد على وجوب تطبيق القانون بصرف النظر عن أي اعتبارات شخصية أو عائلية، كما أعطى تعليماته بضرورة تمكين موظفي الشرطة من مبدأ "حماية الدولة" الذي يقرره النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني بشأن الاعتداءات الجسدية واللفظية التي تطالهم أثناء مزاولتهم مهامهم. ورغم الرهان على التدخلات العائلية بمستوياتها المختلفة، إلا أن المديرية العامة للأمن الوطني شددت في جميع مراحل القضية على أن كرامة الشرطيين واعتبارهم الشخصي لا يمكن التفريط فيهما، وأن جبر الضرر اللاحق بهما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التطبيق الحازم للقانون، وهو ما حرصت النيابة العامة على ضمانه بعدما تابعت المعني بالأمر في حالة اعتقال، حيث مازال معتقلا بالسجن المحلي بالدار البيضاء في انتظار البت النهائي في الجرائم المنسوبة إليه. دروس للذكرى من المؤسف جدا أن هناك من المغاربة من مازال يعتقد واهما أنه فوق القانون، مدفوعا بنزقه أو بمعتقدات خاطئة حول نفوذه المفترض ومكانة سلالته العائلية المزعومة؛ ولعلّ هذا ما جعل شقيق الوزير السابق يخرق حالة الطوارئ مرتين، وفي ساعات متأخرة من الليل، وأكثر من ذلك عرّض الشرطيين للإهانة والسب والشتم وعدم الامتثال. والمؤسف حقا أن مثل هؤلاء المخالفين للقانون، بشكل ممنهج، يعتقدون أن التدخلات العائلية والتمسح بالوساطات ستعرقل أو تعطل تطبيق القانون. لكن المديرية العامة للأمن الوطني أبت إلا أن تعطي دروسا في سيادة القانون حتى ولو كان المخالف شقيق وزير سابق.