هل ستساهم جائحة "كورونا" في تقوية وتماسك عُروة الرابط الاجتماعي أم ستفكّكها؟ حول هذا السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بإلحاح في الظرفية الراهنة دار نقاش في أوّل ندوة فكرية رقمية بالمغرب حول مخلفات "كوفيد-19"، نظمتها شعبة علم الاجتماع ماستر سوسيولوجيا العالم القروي والتنمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس، ليلة أمس الأربعاء، وشارك فيها ثلة من أساتذة علم الاجتماع المغاربة. العطري: "كورونا" أعادنا إلى ذواتنا أجمع المتدخلون خلال الندوة التي بثت على موقع "فيسبوك" على أن الإجابة عن السؤال السابق بيقينية وإطلاقية، ونحن مازلنا في خضمّ المعركة ضد جائحة "كورونا"، غير ممكنة، لأنّها تقتضي الكثير من الدراسات والتمحيص، كما قال عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. وأوضح العطري أن الرابط الاجتماعي Le lien social نتاج تاريخي لعناصرَ متداخلةٍ، يخضع، في لحظات الأزمات، كالأزمة التي يمر منها العالم اليوم، جرّاء تفشي فيروس "كوفيد-19"، لاختبارِ مدى تماسكه ومتانته، أو هشاشته وضعفه أيضا. واعتبر العطري أن ما نعيشه اليوم "اختبار ليقينيات سابقة واعتقادات راسخة ومقولات بمفاهيم معينة"، مبرزا أن سؤالَ هل سيقوّي فيروس "كورونا" الرابط الاجتماعي أم سيُضعفه؟ سابق لأوانه، وأن كل الكتابات التي تناولت الموضوع إلى حد الآن مسكونة بالسؤال ولا تقدم أجوبة. ويرى الباحث المغربي في علم الاجتماع أن جائحة "كورونا"، وغيرها من الجائحات واللحظات الحرجة التي تقع في حياة الشعوب، هي لحظات اختبارية وتأسيسية تَبني قيما وتؤسس لقيم أخرى، إذ "تُخرج من الناس ما هو أجمل فيهم، وأحقر ما فيهم في الآن نفسه". وفيما ارتفع منسوب التضامن بين المغاربة خلال الآونة الأخيرة، بسبب جائحة "كورونا"، "وظهر المعدن الطيب للناس وبرزت بنيات التضامن"، يقول العطري، طفت في المقابل على السطح أمور سلبية، مثل احتكار بعض التجار للسلع والزيادة في الأسعار. وأبرز المتحدث أن أهم ما قدمته جائحة "كورونا" للناس "أنها أعادتهم إلى ذواتهم، أي إلى خلية الأسرة التي تعرضت في كثير من الأحيان لكثير من الاختزال والتبخيس، وتحولت إلى مؤسسة بيولوجية"، معتبرا أنه "آن الأوان لتستعيد الأسرة وظيفتها الأساسية". فزة: "كورونا" سيُبعدنا عن الكماليات جمال فزة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر من جهته أنه يصعب تقديم جواب حول ما إن كانت جائحة "كورونا" ستسهم في تقوية أم تفكيك الرابط الاجتماعي، نظرا لحساسية الظرفية الراهنة، التي لا تسمح بالتعبير عن الرأي بحرية في مجموعة من المواضيع ذات الصلة، تفاديا لإثارة الذعر بين الناس، انطلاقا من المسؤولية التي ينبغي أن يتحلى بها الجميع. وشرح فزة مفهوم الرابط الاجتماعي على أنه قوة تشدُّ عناصر المجتمع بعضها إلى بعض وتخلق الحالة الجماعية، مبرزا أن هذا المفهوم ليس قارا وثابتا، بل هو مفهوم ديناميكي، ولذلك ارتأى أن يتعامل معه من الناحية التاريخية، باعتباره نظاما تاريخيا للعلاقات الاجتماعية يشهد تحولات حسب صيروة التاريخ والأحداث وتطور العلاقات الاجتماعية. وأوضح المتحدث أن الحديث عن تفكك عُرى الرابط الاجتماعي معناه نهاية الصلاحية التاريخية لنظام علاقات اجتماعية، والحاجة إلى نظام علاقات جديد، لافتا إلى أن جائحة "كورونا" ستضع الإنسانية أمام نقاش حول المبادئ التي يقوم عليها الرابط الاجتماعي، إذ من المحتمل أن يتغير مضمون هذا الرابط في العمق بعد خروج الإنسانية من الأزمة التي أفرزتها هذه الجائحة. وافترض أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس أن الأفراد في مختلف المجتمعات سيشعرون أكثر، بعد تجاوز أزمة جائحة "كورونا"، بالحاجة إلى تقدير أساسيات الحياة، في مقابل كماليات الحياة، وسيُعيدون ترتيب الأولويات، باستحضار القيم والثقافة والأعراف والدين. وختم الأستاذ ذاته: "ما كُتب وقيل إلى حد الآن حول هذه الجائحة يعبّر عن شعور بالقلق إزاء الحضارة الإنسانية بشكل عام..هناك إحساس بأن المخاطر المحدقة بالمجتمع حقيقية، وبأن الكثير من المفاهيم التي كنا نعتبرها محاطة بضمانات سيعشر الإنسان مستقبلا بالقلق إزاءها". الصنهاجي: روح التضامن أصبحت بارزة من جهته قال إدريس الصنهاجي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن الحديث عن تأثير جائحة "كورونا" على الرابط الاجتماعي، إن سلبا أو إيجابا، سابق لأوانه، "لأننا أمام حدث في طور الحدوث، وفي هذه الحالة فما ينتجه الباحثون لا يتعدى كونه انطباعات، لأنه لم يمض زمن كاف لبناء المفاهيم بالشكل الذي يمكننا من قراءة وفهم وتفسير ما يحدث". وأشار الصنهاجي إلى أن روح التضامن أصبحت بارزة في المجتمع المغربي خلال اللحظات التي نمر منها اليوم، ولكنه نبّه إلى أن هذا التضامن قد لا يكون تلقائيا، ذلك أنه يحدث في لحظة ضعف قصوى، "حيث الموت قريب من كل واحد منا"، موضحا أن التضامن حاليا لا يحدث في وضعية عادية، بل في وضعية أضحى الوجود فيها مهددا. واستطرد المتحدث ذاته بأن التضامن ليس له تصور محدد لدى جميع فئات المجتمع، لأن المجتمع ليس وحدة عضوية منسجمة، وبالتالي -يضيف- فكل فئة تنتج شكلا تضامنيا يكون مرتبطا بإمكانياتها المعرفية وتمثلاتها للظاهرة وطبيعة العلاقات المجتمعية. وخلُص الصنهاجي إلى أن الاستقراء العام للمشهد السائد حاليا في المغرب يبين أن هناك تضامنا بين مختلف مكونات المجتمع، وتابع: "هذه الوضعية تجعلنا أكثر صدقا وأكثر تضامنا، ولكن هذا الأمر نسبي لأن المجتمع متعدد وليس كتلة واحدة".