إهداء: إلى كل من علمنا وعالجنا إلى كل سياسي جميل فوق هذه الأرض جعل من ثنائية التعليم والصحة انشغاله الرئيسي تقديم: أكيد، أن البشرية ستغير جلدها وأفكارها بعد التغلب على هذه الجائحة التي صنعتها أياد الغدر السياسي والاقتصادي، الباحثة عن التحكم في أرواح الناس باعتبارهم مجرد أرقام استهلاكية "وجب" القبض على رقابهم، في أفق الاشتغال بهم لتحقيق المزيد من الربح ولاشيء آخر غير الربح. لن نثير العديد من الأسئلة، في كيفية صناعة هذا الفيروس واستغلاله كوسيلة تنافسية ضمن لعبة الكبار المتصارعين على قيادة هذا العالم. عالمنا اليوم، عالم معولم و"مقولب"، وفق أهواء سياسة الكبار التي هي اليوم تشاهد ما صنعته أياديها المهددة للإنسانية جمعاء، كإنسانية وجب عليها أن تستخلص الدرس لتعيد صياغة عالم جديد مبني على فلسفة التآزر والتضامن واقتسام خيرات هذه الأرض التي تكفي للجميع وحتى للأجيال المقبلة، طبعا إن تخلينا على هذه الحروب الفيروسية والتكنولوجية المهددة للبلاد والعباد والجماد. ما الدروس المستخلصة من زمن كورونا هذا؟: سيقدر لكل الناس، وبعد هذه الجائحة، أن يسمع بنية معجمية سياسية واقتصادية واجتماعية، مستمدة من فيروس كورونا وما بعده. ستطرح أسئلة تاريخية حول الجميع. وستبنى مجتمعات جديدة راغبة في حياة جديدة، بل، سيتم تغيير نظرة الجميع لهذا العالم، وسيتم استخلاص العديد من العبر، نلخصها في فكرة واحدة، وهي ضرورة إعادة الاعتبار إلى الإنسان وعدم التفريط فيه و"بيعه" للخواص الذين هم في نهاية المطاف تجار، همهم الربح ولاشيء غير الربح. الدولة الوطنية المدافعة عن الوطن والمواطن، ستنتعش فكرتها التي قضي عليها وفق مبررات العولمة والانبطاح التام لمؤسسات العالم المالية والنقدية والاقتصادية التي هي اليوم تتحمل جزءا كبيرا في جر العالم إلى هذه الحرب الفيروسية. تخليق عولمة هذا العالم، شرط من شروط خلخلة جيوب مؤسسات المال الكبرى المتحكمة في الرقاب والمحفزة على فكرة ضرورة الربح حتى ولو بموت الإنسان وفق خططها هي وليس وفق خطط إلهية. فهل من سبيل لنا نحن الصغار الذين أرهقوا بتتبع تفاصيل صراع الكبار المرعبة؟: التعليم أولا: لننطلق من سؤال واحد، ما الغاية من هذه الحياة؟. سؤال الغاية هنا، سيعيد طرح الأولويات على الجميع، لاسيما على أهل السياسة الذين يدبرون ويقررون حياتنا وخصوصا في عالمنا العربي الجريح بالعديد من الجروح السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتربوية، الخ. لن ننجر إلى أسئلة طرحت ما قبل زمن كورونا (لاحظوا بدأنا نؤرخ بما قبل وما بعد كورونا)، والمحددة في ضرورة تجديد النخب السياسية العربية و"جر" المثقف العربي إلى ممارسة السياسة وتشبيب التنظيمات السياسية وسن قوانين دقيقة مستمدة من مبدأ التناوب والحسم في ولايتين سياسيتين لكل "زعيم" سياسي في حزبه وعدم جعل الحزب السياسي وبقية هياكله تشيخ في قبضة أسماء كانت على رأس أحزابها منذ أن كان تلفزيون هذا العالم يشتغل فقط بالأبيض والأسود، ولا تتزحزح عن كراسيها إلا إذا غادرت هذه الحياة نحو رفيقها الأعلى. ما قلناه على الحياة السياسية الحزبية هو عينه يقال عن الحياة النقابية وبقية المكونات التي تدبر سؤال السياسة وتقرير مصير الغاية من هذه الحياة. من منافع زمن كورونا، أن الجميع اليوم مطالب بإعادة الروح إلى المدرسة العمومية واعتبارها الملجأ الآمن للمجتمع بكافة شرائحه. ركوبنا اليوم سفينة الحياة أو الموت، هروبا من فيروس كورونا، ركوب جماعي. فهذا الفيروس لا يختار فئة دون أخرى، لا يميز بين الغني والفقير ولا بين هذا وذاك...هو فيروس مهدد للجميع. من هنا وجب علينا الإيمان بكون التعليم حق للجميع وهو المدخل الحقيقي لبناء الإنسان الذي سنحتاجه في وقت الشدة. يبدو اليوم أن الدول التي استثمرت في مدرستها العمومية وعلمت شعوبها، تتواصل معهم بشكل أفضل في زمن الجائحة. فهل من اللازم صرف المبالغ المالية الضخمة في مثل هيمنة كورونا علينا لتعليمنا أنه من الواجب غسل الأيادي بالماء والصابون؟. أين مدارسنا العربية ومواردها التربوية المتعددة والتي كان من اللازم أن تعلمنا العديد من مبادئ الحياة/الصحة؟. بعد الجائحة، سيتم اختبار نوايا أهل السياسة في هذا العالم العربي وما رغبتهم من هذه الحياة؟. هل يخططون فعلا من أجل الحياة ؟ أم يخططون فقط لتدبير اللحظوي. أجرأة هذه النية المجتمعية ستظهر من سؤال التعليم، ومن خلال سؤال واحد وبسيط، لصالح من هدم المدرسة العمومية وجعلها بؤرة غير محتضنة للتعلم النافع؟ ولصالح من أن تحتل المدرسة العمومية مكانة مرموقة في المجتمع؟. يبدو، أن اختيار العودة إلى جعل المدرسة العمومية سفينة يمتطيها الجميع، الغني والفقير، شبيه بالسفينة التي نركبها اليوم في زمن كورونا. فإما أن نعيش بشكل جماعي ونتضامن ونتآزر وننطلق من فكرة أن تنجو القافلة وبكل ما ومن فيها، أو، لاقدر الله، ستغرق السفينة بما ومن فيها. تعليم عمومي نوعي وجيد ومحقق لمبدأ العدالة الاجتماعية وغير مفرق بين الناس وبين الفئات، هو اليوم مطلب جوهري. تعليم متجدد وفق حاجيات المجتمع كمجتمع متجدد وقاطع مع الشعوذة والمستثمرين في الوهم، هو اليوم ضرورة لبناء جديد لأي وطن لاسيما تلك الأوطان التي هي اليوم يتصارع (بضم الياء)، حولها لجعلها في جيب المؤسسات المالية الكبرى، ونحن في عالمنا العربي جزء منها. لابد، إذن من جعل التعليم نقطة التقاء، تلتقي حولها كافة المكونات المكونة لمجتمع ما. وحده العلم والعقلانية والفكر التنويري والحداثة والإبداع وربط المدرسة بالجمال والقيم الوطنية والإنسانية، الخ، مسالك عليها أن تفضي بالمتعلم نحو بر الأمان وانتشاله من الجهل والتضبيع والتبضيع والوهم والتطرف وجعله يؤمن بنفسه ووطنه وقيمه وإنسانيته وكونيته و يمحص ويحلل الظواهر دون السقوط الأعمى في قبضة باعة الوهم والشعوذة. التفريط في المدرسة العمومية، تفريط في المجتمع برمته في زمن الشدة والرخاء. قد نكتوي جميعا بتفريطنا في مدرستنا العمومية، مما يفرض علينا أن نحتضنها ونحرسها بل ونضعها في قلوبنا وعيوننا. هي مآلنا جميعا، ومنها نتعلم ليس فقط حب الوطن، بل، وبلغة التصوف، عشقه الأبدي. التربية على الجمال والعلم والقيم والنقد والفكر المخلخل للجاهز والبحث عن المتحول وغير المؤمن بالأجوبة البسيطة والباحث عن المركب، الخ، مفاهيم، علينا استنباتها في مدرستنا العمومية، باعتبارها فضاء لبناء الإنسان وانتشاله من قبضة الرابح في جهله وتخلفه وهدم ذوقه. الصحة أولا أيضا: طبعا من يتمسك بمدرسته العمومية لا يمكن له إلا أن يتمسك بصحته العمومية أيضا. ما قلناه على مدرستنا العمومية، نقوله عن مستشفياتنا العمومية. أكيد، أن العلاقة بينهما ومنذ القدم، هي علاقة توأم. التفريط في صحتنا العمومية تفريط في الإنسان أيضا. فإذا كانت المدرسة ستكون لنا العقول، فقطاع الصحة العمومية سيحافظ لنا على الجسد. لا خير في عقل جسده معتل، ولا خير في جسد عقله مشلول. ثنائية العقل والجسد ثنائية حياتية. وأنت تلج المستشفى العمومي، بحثا عن العلاج، ستكتشف واقعك السياسي وبشكل ملموس. ما قيمتك داخل المستشفى؟ وما الإمكانيات المرصودة لهذا المستشفى؟ وما وضع الطبيب والممرض وبقية موارده؟ أسئلة عديدة تتناسل، هنا. لصالح من التمييز بين من يعالج داخل مستشفى عمومي وآخر بين مصحات دافئة وابتسامات مدرب عليها لكي تدفع ما لديك في جيبك، وإن كان فارغا فلتذهب إلى "جهنم". أن أتعلم في مدرسة عمومية جميلة ومن لدن معلم غير مهموم، وأعالج في مستشفى تتوفر فيه كافة الحاجيات الطبية والبشرية، الخ، هنا أشعر باكتمال المواطنة. هنا أشعر بضرورة العشق الأبدي للوطن ولقيمه. هنا سأصغي جيدا لأهل الساسة وأقدرهم وأحترمهم وأتعلم منهم. خارج هذين الشرطين، ونحن الآن في هذا الحجر الصحي، سنكتشف اعوجاجا غير مفيد للجميع في هذه الحياة، التي أوكسيجينها خلقه الله للجميع . تركيب: الاستثمار في التعليم والصحة، استثمار في المستقبل، وفي المساواة الحقيقية والتي تنص عليها كافة دساتير هذه الأرض، وغير هذا فالحياة ستبقى في قبضة من يملك، لكن سفينة فيروس كورونا، علمنا أنه قادر على ضرب من يملك ومن لا يملك، قادر على نهش جسد الفقير والغني معا. ومنه يخاف من يسجل الإصابات في ملعب كرة القدم ويخدر العقل ومن يصفق له ويفرح دون الفوز بحصة تعليم جيدة وعلاج مفرح. ثنائية التعليم والصحة، محك حقيقي لاسيما للدول الباحثة عن التقدم، وهو التقدم الذي ستعاد أسئلته من جديد بعد زمن كورونا، زمن الجائحة التي سيؤرخ بها لحقب آتية. *أستاذ باحث