تقديم: لقد تم الاعتراف بالطب عن بعد رسميا في القانون المغربي بواسطة القانون رقم 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب الصادر بتاريخ 19 فبراير 2015 الذي خصص الفرع الرابع منه (المواد من 99 إلى 102) للطب عن بعد والمرسوم رقم 378- 18-2 في شأن الطب عن بعد الصادر بتاريخ 25 يوليو2018. المشرع الفرنسي الذي سبق المغربي في التشريع في مجال الطب عن بعد بل وحتى في مجال الصحة الرقمية بصفة عامة، استصدر في الأيام القليلة الماضية نصا قانونيا يبغي من ورائه توسيع نطاق استخدام أعمال الطب عن بعد في فترة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كوفيد-19. أولا: الإطار العام للطب عن بعد قبل الحديث عن تكييف أحكام أعمال الطب عن بعد مع وباء كوفيد-19 من قبل المشرع الفرنسي، لا بد من فهم السياق العام لهكذا أعمال في التشريع المغربي. أ- من الطب عن بعد إلى الصحة الرقمية من المعلوم أن أعمال الطب عن بعد هي مرحلة من المراحل التي تدخل في إطار ما يسمى بالصحة الرقمية. لذلك سنقوم بتعريف المصطلحين مصطلح الصحة الرقمية ومصطلح خدمات الطب عن بعد للوقوف على أهميتهما في الظروف الطارئة التي نعيش فيها اليوم. 1- الصحة الرقمية الصحة الرقمية هي تطبيق تكنولوجيا الإعلام والاتصالات على مجموع النشاطات التي لها ارتباط بالصحة. هذا يعني استخدام الوسائل والخدمات والطرق الإلكترونية لتقديم الخدمات المرتبطة بالصحة عن بعد. وتعرِّف منظمة الصحة العالمية الصحةَ الإلكترونية بأنها استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال ومن أجل الصحة. 2- الطب عن بعد عرفت المادة L6316-1 التي أضيفت إلى مدونة الصحة العمومية في فرنسا بواسطة المادة 78 من القانون رقم 2009-879 الصادر بتاريخ 21 يونيو2009 عرفت الطب عن بعد بأنه:'‘ نوع من الممارسة الطبية التي تستخدم تكنلوجيا الإعلام والاتصالات وتربط عن بعد بين واحد أو أكثر من مهنيي الصحة أوبين هؤلاء ومريض'‘. المشرع المغربي بدوره عرف الطب عن بعد في المادة 99 من القانون رقم 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب الصادر بتاريخ 19 فبراير 2015 بأنه:'‘ يتمثل في الاستعمال عن بعد للتكنولوجيات الحديثة في الإعلام والاتصال أثناء مزاولة الطب، ويربط بين مهني أو مجموعة من مهنيي الصحة يكون من بينهم وجوبا طبيب، أوبين هؤلاء وبين مريض'‘. بطبيعة الحال، لا يمكن حسب منطوق المادة 101 من نفس القانون:'‘ القيام بأي عمل من أعمال الطب عن بعد يهم مريضا إلا بموافقته الصريحة والحرة والمستنيرة، التي يجب التعبير عنها كتابة بأي وسيلة بما فيها الوسائل الإلكترونية'‘. ويترتب على ذلك دائما حسب آخر جملة من نفس المادة أن أعطى المشرع المغربي للمريض'‘ حق رفض'‘ أن تقدم له الخدمات الطبية عن بعد. ب - أعمال الطب عن بعد تتكون خدمات الطب عن بعد حسب المادة الأولى من المرسوم رقم 378- 18-2 في شأن الطب عن بعد الصادر بتاريخ 25 يوليو2018 أساسا من الاستشارة الطبية عن بعد والخبرة الطبية عن بعد والمراقبة الطبية عن بعد والمساعدة الطبية عن بعد. 1- الاستشارة الطبية عن بعد الاستشارة الطبية عن بعد هي عندما يقدم مهني للمريض استشارة عن بعد عن طريق النقل الفيديوي مما يتيح إمكانية التحاور بين الطبيب والمريض عن طريق وسائل الاتصال الإلكتروني. والغرض من الاستشارة الطبية عن بعد حسب الفقرة الأولى من المادة الأولى من المرسوم المذكور هو:'‘ تمكين طبيب من إعطاء استشارة الطبية عن بعد لشخص مريض'‘. غير أن الجزء الثاني من نفس الفقرة الأولى من المادة الأولى من المرسوم اشترطت:'‘ أن يكون أحد مهنيي الصحة حاضرا بجانب المريض وعند الاقتضاء أن يساعد الطبيب أثناء الاستشارة الطبية عن بعد'‘. 2- الخبرة الطبية عن بعد الخبرة الطبية عن بعد هي عندما يطلب مهني في مجال الطب عن بعد وبالوسائل الإلكترونية المعروفة رأي واحد أو أكثر من مهنيي الطب آخرين. نشير إلى أن هذه الخدمة لا تخص إلا المعاملات التي تتم عن بعد بين مهنيي الصحة من أجل الاستفادة من الآراء الطبية المتخصصة. والهدف من الخبرة الطبية عن بعد حسب الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم المذكور هو: تمكين مهني طبي من أن يتمس عن بعد رأي مهني آخر أو عدة مهنيين بالنظر إلى تكوينهم أو كفاءتهم الخاصة'‘. 3- المراقبة الطبية عن بعد تتيح المراقبة الطبية عن بعد لمهنيي الطب إمكانية تفسير عن بعد المعطيات الطبية الضرورية لتتبع حالة المريض وذلك باستخدام الوسائط الإلكترونية. والغرض من المراقبة الطبية عن بعد حسب الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم المذكور هو:'‘ تمكين مهني طبي من أن يأول عن بعد المعلومات الضرورية للتتبع الطبي لمريض ما'‘. 4- المساعدة الطبية عن بعد تتيح المساعدة الطبية عن بعد لمهني طبي (طبيب) إمكانية مساعدة عن بعد مهني طبي آخر (ممرض مثلا) على القيام بعمل من الأعمال الطبية. والغرض من المساعدة الطبية عن بعد حسب الفقرة الرابعة من المادة الأولى من المرسوم المذكور هو:'‘ تمكين مهني طبي من مساعدة مهني صحي آخر عن بعد خلال إنجاز عمل ما”". هذه هي الأعمال الطبية التي يمكن أن تتم عن بعد مع الإشارة إلى أن نفس المرسوم نص في الفقرة الثانية من المادة الأولى منه على أنه:'‘ يمكن كلما اقتضت الضرورة ذلك تتميم هذه اللائحة بقرار لوزير الصحة بعد استطلاع رأي المجلس الوطني للهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء'‘. ثانيا: تكييف أحكام الطب عن بعد مع وباء كوفيد-19 من أجل ملائمة أعمال الطب عن بعد مع جائحة كورونا، صدر في فرنسا المرسوم رقم 227-2020 الصادر بتاريخ 9 مارس 2020. وقد جاء هذا المرسوم بإعفاءين: الأول يتعلق بالاستشارات الطبية عن بعد التي أصبحت تتم دون شروط، والثاني يتعلق بكون هذه الاستشارات الطبية عن بعد أصبح بالإمكان أن تتم بكل الوسائل التكنولوجية المتاحة. أ- الاستشارة الطبية عن بعد دون شروط من المعلوم أن التأمين الصحي في فرنسا بدأ منذ 2018 يتكفل بالاستشارات الطبية التي تتم عن بعد بشرطين وهما: أن تتم الاستشارة الطبية عن بعد مع الطبيب المعالج الخاص بالمريض وأن يكون هذا الأخير قد قام باستشارة حضورية في مكتب هذا الطبيب على الأقل مرة واحدة خلال الاثنتي عشر شهرا التي سبقت الاستشارة الطبية عن بعد. غير أن مرسوم 9 مارس 2020 رفع هذين الشرطين بالنسبة للمرضى الذين تظهر عليهم أعراض كوفيد-19 وذلك لتمكين هؤلاء من الاستفادة من التغطية الصحية عند قيامهم بالاستشارات الطبية عن بعد. هذا يعني أن الأشخاص المصابين بفيروس كوفيد-19 أو الذين من المحتمل أن يكونوا كذلك سيستفيدون من تكفل التأمين الصحي بالمصاريف عندما يقومون بالاستشارة عن بعد حتى ولولم يكن لهم طبيب يمارس الاستشارة عن بعد أو غير معروفين من قبل الطبيب الذي سيقدم لهم الاستشارة عن بعد تلك. ب- الاستشارات الطبية عن بعد تتم بكل الوسائل التكنولوجية من المعلوم أن الاستشارات الطبية عن بعد كانت قبل ظهور هذا الوباء تتم عبر وسائل اتصال مؤمنة ومعقدة. لذلك كان الإعفاء الثاني الذي حمله مرسوم 9 مارس 2020 هو أن الاستشارات الطبية عن بعد يمكن في ظروف كوفيد-19 والحجر الصحي الذي صاحبها أن تتم بكل الوسائل التكنولوجية المتاحة للقيام بالاتصال الإلكتروني بين المريض والطبيب. هذا يعني أن الاستشارات الطبية عن بعد يمكن أن تتم في فترة الحجر الصحي من خلال مكان مجهز بالوسائل التكنولوجية اللازمة (هذا ما كان عليه الحال قبل صدور هذا المرسوم) أو حتى عن طريق موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت أو تطبيق مؤمن عبر حاسوب أو هاتف ذكي مجهز بكاميرا ويب ومرتبط بالإنترنت أو حتى عن طريق المنصات التجارية المتواجدة عبر شبكة الإنترنت. نفهم أن المصابين بكوفيد-19 الذين يلجؤون إلى الاستشارات الطبية عن بعد سيستفيدون من تعويض التأمين الصحي، وذلك كيفما كانت الوسيلة التكنولوجية المستخدمة. خاتمة: إن الغاية من هذا المرسوم هو توسيع إمكانيات استخدام الاستشارات الطبية عن بعد في مرحلة الحجر الصحي لتمكين الأشخاص من الحصول على جواب أولي عن حالتهم الصحية دون الاضطرار إلى كسر الحجر الصحي. أتمنى على وزارة الصحة في المغرب باستشارة مع مهنيي الصحة أن تصدرا في ظروف الحجر الصحي الذي نعيشه والذي قد يطول لا سامح الله منشورا يحوي أحكاما مثل هذه. هذا يعني أن الاستشارات الطبية في هذه الفترة يمكن أن تتم بكل الوسائل التكنولوجية المتاحة من فايس بوك وواتس آب وسكايب وغيرها من وسائط التواصل الإلكتروني (مكالمة هاتفية / بريد إلكتروني) حتى وإن كانت كل هذه الوسائط غير مؤمنة. مع كل الاحترام والتقدير