The pandemic 2020 heals the wounds of the global ethical system رغم كل ما يشهده العالم من هلع وفزع نظرا لما تخلفه وتتكبده البشرية من خسائر في الأرواح والأنفس، إلا أننا نلاحظ ومن خلال عملية الحجر الوقائي الصحي والمكوث في البيوت هذه الأيام، قد أبان على العيوب الكثيرة التي كانت قد شابت المجتمعات والأسر في مختلف بقاع الأرض. ولربما هي إذاً فترة تصحيحية وفترة مراجعة النفس والضمير أيضاً. ولا يشك أحداً بأن العالم قبل فترة وجيزة كان يتخبط في أوحال وضعية مزرية تشبه الانهيار الواسع لمنظومته الأخلاقية وذلك في بقاع شتى!. لم تصل البشرية إلى هذا المستوى المنحط في منظومتها الأخلاقية من ذي قبل، ولربما على مدى أزمنة عديدة، بل حتى قبل الفتوحات الإسلامية وفي أيام الجاهلية كنا نسمع عن أخلاقاً حميدة ظلت راسخة عبر عصور عديدة رغم ما كان يشوب المجتمع من خرُوقات سافرة فيما يهص السلوك الفردي أو الجماعي أو الأنظمة الاجتماعية السائدة. فكنا، على سبيل المثال، نسمع عن مدى تشبث العرب في الجاهلية مثلا بمبادئ وشيم المروءة والكرم والإيفاء بالوعد والعهد والدود عن العرض وحماية من المستجير أو من طلب الحماية أو الأمان على روحه وغير ذلك، حتى وإن كان المجتمع آنذاك غارقا في السكر والعربدة وما إلى ذلك، حتى جاء الإسلام ومعه نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم ليتمم مكارم الأخلاق، فقام بتنقية المجتمع من كل الشوائب وعزز تلك القيم الحميدة والأخلاق النبيلة التي كانت سائدة آنذاك وموجودة، وأضاف إليها تعاليم إسلامية وشرائع جديدة كلها ترمي إلى تهذيب الأخلاق وصون حرية وكرامة الفرد والجماعة. جاء الإسلام إذاً ومعه تعاليم تخص بالدرجة الأولى طهارة الفرد ونظافته الجسدية أولا وقبل كل شيء، مما سهُل معه تنظيف وتهذيب الروح والعقل معاً عن طريق تعاليم الدين والعبادة قولاً وفعلاً. وبهذا انتشر الإسلام في شتى الأمصار لأن مبادئه الراسخة وسنن نبيه الكريم النقية تتماشى تلقائيا مع فطرة الإنسان التي تطوق دوما إلى التغذية الروحية والفكرية وإلى نظام صحي وقائي من خلال نظافة البدن، وتهذيب الأخلاق. وأما النظافة فقد حث عليها الدين الحنيف وفصلها تفصيلاً لا مثيل له مثل كيفية الوضوء قبل الصلاة والعبادة والغسل والطهارة الكاملة قبل الإقبال على الله سواء في البيت أو المسجد أو العراء أوفي البحر. ومع كامل الأسف، فإن منظومة الأخلاق قد شابتها اختلالات وخرُوقات لا مثيل لها سواء في المجتمعات الإسلامية أو غيرها، مما انعكس سلباً على حياة الأفراد والأسر والأبناء في كل بقاع العالم. وهكذا نرى بأن هذا الزمان بالتحديد قد شهد وبشكل لافت انتشار الثقافات السلبية وتفشي عدم الثقة وانتشار والبعد عن الدين الحق وانتشار البدع والانحرافات والاعتقادات الخرافية وانتشار المخدرات والأقراص المهلوسة وشتى أنواع "المعجون" وكثر عدد المدخنين والمدمنين على السكر والعربدة، وكذلك انتشار شتى أنواع الجريمة من قتل وسفك دماء الأبرياء، وظاهرة "التشرميل" التي تخلف تشوهات في وجوه وأجسام الناس، وانتشار شتى أنواع السرقة وانتشال أمتعة الناس، وانتشار مافيا العقار وأخذ أو الترامي على ملك الغير بدون حق، والعنف الجسدي واللفظي وانتشار الكلام النابي والشتم والقذف والقدح بوضح النهار في الشوارع والطرقات وأمام الملأ، والاغتصاب بشتى أنواعه، وكثرة الخداع والبذخ والبدع في الأفراح والأعراس، والطلاق تحت ذرائع تافهة أحياناً، والتباهي بالانحراف والشذوذ الجنسي، والعناق والتقبيل أمام المارة، والإطناب في الأغاني الفاحشة التي تخدش الحياء وتحط من الأخلاق، وإقحام الأفلام والمسلسلات الوقحة في عقر دور الناس من أجل هدم ما تبقى من الأخلاق لدى الآباء والأمهات والأولاد، ووو..... وإلى زمن غير بعيد، كانت "الكلمة" لها وزن، وكانت الجرائد وسيلة تثقيف حيث لا تخلوا من زوايا أدبية وفكرية وفلسفية، فكانت الجلسة في المقاهي تثري وتنعش الفكر قبل البطن، حتى أضحت الجرائد اليوم مرتعا لتعلم الحيل للسرقات والتحايل والمكر والخداع بشتى أنواعه، وذلك لكثرة ما تحمله صفحاتها من أخبار لشتى أنواع الجرائم والمصائب والموبقات، لتختتم بعض تلك الجرائد صفحاتها بصورة لامرأة شبه عارية في كل يوم وبدون انقطاع بدعوى الدعاية أو "الفن"!!!....وأصبحت المقاهي تعج بالمدخنين والباعة لمتجولين والمتسولين، ومرتعا ووكرا لتناول المخدرات، ومصدرا للضجيج، بعد أن كانت ركنا هادئاً يستكين إليه الفرد بحثا عن الراحة والهدوء كي يخلو إلى نفسه ويستمتع بفنجان قهوته وجريدته!!!. وقبل زمن غير بعيد إذ كان آبائنا وأجدادنا إذا وعدك بشيء، أوفى بعهده، وإذا أعطاك (وكما نقول) "الكلمة" أوفى بها، فكانت التجارة والبيع والشراء والمقايضة تتم أحيانا ب"الكلمة"، إذ كانت هذه الأخيرة بمثابة ميثاق أخلاقي وعرف متعارف عليه ومعمول به في المجتمع، وكان مبدأ الثقة عرف يكاد لا يتنازل عنه أحد. وفي زمن غير بعيد أيضاً، لم نكن نسمع قط بأن أحدا ما قام بقتل "أبيه"، أو "أمه" أو "زوجته" أو "أحد أبنائه" !!!. لم نكن نسمع بجرائم مثل هذه، بل أصبح الناس لا يخشون الموت ولا العقاب!!!. لم نكن نسمع عن شتى أنواع الاغتصاب التي يندى لها الجبين، أو السرقات (حتى من البيوت)!!!... وها نحن اليوم وفي بقاع شتى من العالم محتجزين في بيوتنا من أجل سلامة أرواحنا وأبداننا ربما كي نراجع أنفسنا ونصحح منظومتنا الأخلاقية لأن التباهي بالفاحشة والانحراف والجريمة مآله إلى الخسران والزوال بنص القرآن والسنة، وحتى الشرائع الأخرى. وربما سيدرك المسلمون والغرب أيضاً في هذه الأيام قيمة الاعتناء اللصيق بتربية الأولاد وعن قرب، وكذلك إعادة الدفء للعلاقات الأسرية والزوجية، وقضاء أكبر وقت للحديث مع الأولاد والبنات؛ كما أن المجتمعات ستعرف قيمة الدعاء والمحافظة على الصلوات، ومراجعة الأخطاء، وكذلك حسن تدبير مصروف البيت، والطرق الصحية السليمة في مجال التغذية، وقيمة الرياضة البدنية واستنشاق الهواء النقي، فضلا عن استكشاف عالم استخدام الأعشاب الطبيعية ومدى نجاعتها في حياة الفرد، وإتاحة الفرصة لبعض النساء كي يقمن بإعداد الخبز المنزلي وإدراك بدلا من الاعتماد على ما تعده المخبزات؛ وكذلك مدى مزايا الأخلاق الفاضلة والتعامل بمبدأ الرحمة والعطف والإنسانية. والأهم من ذلك أن العالم لا محالة سيدرك وبقوة بأن منظومة الأخلاق لها انعكاسات لصيقة بالمنظومة التربوية، فلا خير في تربية أجيال في مدارس مزخرفة براقة تقبع في كنه مجتمع منعدم الأخلاق غارق في الجرائم وشتى أنواع المخدرات والشهوات والموبقات والمعاصي. قد تدرك المجتمعات اليوم، وفي هذه الفترة بالضبط، بأن انتشار الشر بشتى أنواعه، وكثرة الازدحام والتلوث هو في الحقيقة شيء مزعج للبشرية جمعاء، بل وحتى الطبيعة والطيور والحيوانات والأسماك في أعماق البحار. كما أن الزمن الآتي بعد هذا الوباء سيدرك فيه الناس وبدون شك أن العديد والكثير من الأعمال يمكن أن يقوم بها أصحابها عن بعد وبشكل جيد (كما قد تثبته هذه التجربة في هذه الأيام)، فلا داعي للتوتر المستمر المميت والملل والازدحام في الطرقات وكثرة السيارات والتزاحم على وسائل النقل، وخاصة بالنسبة للأم التي من المفترض أن تكون هي المدرسة الأولى للأبناء، فقيامها بعملها من قلب بيتها بكل مهنية (مع كل الترقيات وأساليب التحفيز من طرف الجهة المشغلة) قد يمنحها فرصة تربية أبنائها بنفسها تربية صحيحة وسليمة، بعيدا عن كل أنواع التوتر، بذلا من هدر المال والاتكال على المربين والمربيات في دور الحضانة، وسيُخولها فرصة الاعتناء ببيتها وزوجها ونفسها أولا وقبل كل شيء. وكخلاصة لهذا الموضوع، يمكن القول بأن هذه الفترة العصيبة على كل المجتمعات، ورغم كل تداعياتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، هي إذاً فرصة سانحة لمراجعة النفس وتبني النقد الذاتي البناء والسليم لتصحيح سلوك المجتمع وإعادة النظر في المنظومة الأخلاقية وكذلك المنظومة التربوية من أجل إعداد الفرد الصالح النافع لنفسه ولأسرته ولوطنه وللبشرية ككل، وكذلك مراجعة الأولويات، ومراجعة كيفية صرف المال العام، ووضع آليات للمراقبة والمحاسبة بكل شفافية، وإعادة النظر في إسناد المهام والمسؤوليات لمن هم أحق بها، ومن تتوفر فيهم المواصفات والكفاءات العالية، وتحسين ظروف المرافق العامة وقدراتها الاستيعابية والمعدات التي تحتاجها كالمستشفيات والمصحات والمختبرات والمدارس العمومية، وإعادة الاعتبار لمجال البحث العلمي ودعمه بأقصى الجهد والمال، حيث أبانت هذه الجائحة على مدى أهميته وكذلك أهمية مسلك البيولوجيا وعلوم الأحياء والمختبرات؛ كما أن هذه الظرفية العابرة قد أبانت على أنه لا مناص من إعادة النظر في الميزانية التي تصرف لقطاع الصحة وكذلك عدد المستشفيات والمستوصفات والمختبرات، إذ ظهر العجز الصارخ حتى في البلدان المتقدمة التي لم تعير ذلك الاهتمام البالغ، وتضافر الجهود والتعاون والتكافل بين الشعوب والدول بشكل سلمي، ونبذ الحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ما كنا نسمع عنه من مخاطر التلوث البيئي والانحباس الحراري وصناعة الأسلحة الفتاكة والقنابل لا يعني تأثيرها السلبي أو يخص دولا بعينها فقط، بل هي قضايا عالمية تهم كافة البشر لما لها من تأثير على صحتهم وأبدانهم وأرواحهم، وعلى اقتصادهم أيضاَ عندما يتعلق الأمر بارتفاع درجات الحرارة أو حرائق الغابات أو الفيضانات أو الجفاف أو انحباس المطر في بلدان شتى، أو في تدمير بلد بأكمله وتهجير وتفقير وتجويع جزءا كبيرا من شعبه (بينما شعوبا ودولا أخرى ماضية في حال سبيلها، أو تغض البصر). ويمكننا جميعا مسلمين وغيرهم ونحن في هذه الفترة الحرجة أن نسأل ونتساءل: ما الذي جعل هذه الجائحة تنتشر في شتى بقاع العالم وبهذه السرعة كالنار في الهشيم؟ ألا يستدعي ذلك مراجعة السلوك البشري ومراجعة المنظومة الأخلاقية والتربوية؟ ماذا أعدت البلدان لأفراد شعوبها في مجال الصحة؟ وهل من المعقول أن تضُخ البلدان المسلمة وغيرها المبالغ الخيالية في الفن والترفيه والرياضة على حساب مجال الصحة والتعليم؟ !!!.. أليس من أسباب انحباس المطر وارتفاع درجات الحرارة وانتشار هذا الوباء وهلاك الأنفس والحرث والنسل ربما إلا بما كسبت أيدينا؟!!!...لكن في المقابل، قد يكون كل هذا وقودا وسببا في شحذ همة الشعوب والدول لمراجعة السلوك البشري والمنظومة التربوية والأخلاقية، وإعادة الاعتبار إلى المرافق العمومية كتلك التي تخص قطاع الصحة، وإعادة الاعتبار للمدارس العمومية والجامعات والمدارس العليا والمنشآت المدنية والعسكرية التابعة للدولة، من أجل إعداد الأعداد الكافية من الأطباء والممرضين والممرضات والمهندسين وأطر تعيد للدولة هبتها، بدلا من الاعتماد على القطاع الخاص وعلى أنظمة تعليمية معلبة لا تسمن ولا تغني من جوع في أوقات الرخاء ولا أوقات الشدة. ولربما ستعلمنا هذه الفترة العصيبة (التي نسأل الله تعالى أن يرفعها عنا جميعا) بأن الوطن هو ملك للجميع والمواطنة الحقة هي فعلا شيء جميل يرفع من قيمة الفرد والمجتمع ويزيده قوة، وستعلمنا هذه الفترة مدى قيمة التعايش والتعاون والتكافل وإفشاء روح المحبة والإخاء بين الشعوب، ونبذ الخلاف والحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن، ونبذ التوتر والنفور، والرجوع إلى الله لكي نمضي جميعاً وسوياً قدماً نحو العيش في بيئة سليمة نقية مليئة بالأفراح والمسرات، ونعيش حياة سعيدة كريمة آمنة،،،،.... "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،،... *خبير في مجال التربية والتعليم، مستشار [email protected]