تشكل ظاهرة "الميم/ the meme" في عالم التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم أسهل طريقة ذائعة الصيت لنقل المحتوى الرائج بطريقة توحي بالكثير من الدلالات والمعانىً الثقافيًة أو الفكاهيًة أو السياسيًة، محققة بذلك نوعًا جديدًا من التواصل العالمي والمحلي الناجح بين الأفراد؛ خاصة تلك التي تصنع لنفسها صدىً خاصًا مع الظروف المعاصرة والحالية. مفهوم "الميمات" وإذا كان هذا المفهوم في بداية استعماله من لدن الإنجليزي ريتشارد دوكنيز Richard Dawknis مرتبطا بالمجال البيولوجي في كتابه "the selfish gene"، فإنه سرعان ما استعمل في الميثولوجيا بعد أن طوّره ليصف كيفية انتشار بعض العناصر الثقافية بين الأفراد والجماعات ودراسة تغيّرها بمرور الوقت، أو ما سماه ""وحدة انتقال ثقافية". والتي يدفعها سلوك أو فكرة أو أسلوب ينتقل من شخص لآخر. فحسب دوكنيز مثلما يحرك التطور البيولوجي بقاء الجينات الأكثر قوة في مجموع الجينات، يكون التطور الثقافي مدفوعا بأكثر "الميمات/ وحدة ثقافية" نجاحا. وبانتقال هذا المفهوم إلى التقنية صار يدل حسب وليام جروجر William gruger على عنصر مسل أو مثير للاهتمام قد يكون صورة أو مقطع فيديو مرفق بتسمية توضيحية، أو أي نوع من العناصر التي يتم نشرها على نطاق واسع عبر الإنترنت خاصة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أخص. لكن هذا الانتقال الثلاثي من البيولوجيا إلى الثقافة إلى وسائل التواصل الحديثة روعيت فيه خصوصية الجين gene -والتي بالمناسبة راعى دوكنيز جذرها اللغوي والصوتي لصياغة الميم meme من أصله اليوناني- من حيث كونها قابلة للتكرار والنسخ والانتشار الواسع بين الأشخاص، بل وتعرف طفرات فجائية عبر انتقالها بين اللغات والثقافات المختلفة. إن "الميمات" في المجال الاجتماعي الثقافي كما في المجال الإعلامي التواصلي، غالبا ما ترتبط بظروف معينة، هي الباعثة إلى تداولها، لكن لا يعني ذلك أنها وليدة ذلك الظرف الخاص، إذ نجد لها أصولا عميقة في سلوكات الأفراد وأفكارهم ومخزونهم الجماعي المشترك من نكات ومسكوكات وأمثال وأقوال سائرة، بل ونعرات إثنية وعرقية ودينية واقتصادية، لكنها في طبيعتها الأولى خامدة أو كالخامدة؛ تنتقل وتتغير ببطء شديد، وعندما يتم التركيز عليها ببدو الظروف المواتية تنتشر وتطفو على سطح كل أشكال "السلوكات التواصلية". تكون الميمات وأشكالها تخضع الميمات في المجال التكنولوجي والثقافي لنفس ما يخضع له الجين في المجال البيولوجي، والكل تتحكم فيه آلية "الانتخاب الطبيعي"، فالميم كما الجين معرض للانقراض ما لم يثبت فعاليته في لحظات متعاقبة بحيث يستطيع التكيف مع أي وضع/ قضية. يشترط فيه، إذن، أن يكون مرنا في تقبل الظروف التي يعيش فيها، وذلك ما يؤسس له عمرا طويلا، ويؤثر في لحظات الثقافة، وإلا انقرض وتوقف عن الوجود لتحل محله أشكال أخرى جديدة، قادرة أكثر على التكيف. لا يمكن تحديد متى استعمل أول شكل من أشكال "الميمات" بدقة، إلا أن ارتباطها بوسائل التواصل الاجتماعي حتمي، إذا ما تجاوزنا الكاريكاتور والتشكيل الساخر كأشكال ميمية متقدمة زمنيا، وذلك أن ما يحقق لها الانتشار الواسع والتكرار السريع والحياة الطويلة والبقاء لفترة من الزمن هو تلك المرونة غير المقيدة بآلية الإذاعة التقليدية؛ التلفاز والصحف والمجلات. تتعدد الميمات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي حسب آليات تشكلها وتكونها، فبالإضافة إلى الفكرة التي يمكن أن تكون اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو قيمية أو من اليومي الذي يشغل الفئة التي توجدها وتوفر لها ظروف الانتقال والتمدد الفضائي، نجد اعتمادها على آليات أخرى وهي إما على شاكلة صورة حقيقة لشخصية مشهورة بسلوك شاذ أو مثير، أو لحيوان، مثل القط العابس التي انتشرت في شتنبر من سنة 2012، أو للضفدع الأخضر القطني التي انتشرت تقريبا سنة 2015. نجد اعتماد أشكال من الميمات تتأسس على فيديوهات منتقاة يتم تحوير مضامينها الأساس بتعليق لغوي يوافق ظرفية الاستعمال الجديد. وهناك شكل آخر من الميم هو في أصله نكتة أو فكرة منتشرة، لكن يتم تحويرها حسب الحاجة وسياق القول. مثلا النكث التي تسعى إلى الحط من كرامة "مجموعة" إثنية على حساب أخرى، أو التقليل من شأن لغة أو جهة أو فئة اجتماعية لحساب أخرى. تشترك هذه الميمات التي يمكن أن نقول بأنها ناجحة في كونها "تفتقر" إلى السياق، إذ كلما حولت وحورت إلا وأعيد تسييقها من جديد لتلائم الظرفية. كما تشترك في عنصر "الإضحاك" وهو الوظيفة الأساسية لها، وهو إضحاك ممزوج بالسخرية اللاذعة لوضع معين أو لسلوك معين. إنها شكل آخر من أشكال نقد الواقع مغلف بضحك وسخرية. الميمات وفيروس كرونا منذ أن أذيع ظهور هذا الفيروس في ووهان بالصين، بدأت الميمات تتشكل في فضاءات مواقع التواصل الاجتماعية العالمية، ومن ضمنها المغربية، بمقارنته بالمنتجات الصينينة الرديئة الجودة. لكن مع تسجيل أول حالة في المغرب بدأت "الميمات" تنهال على المواقع الاجتماعية؛ إما بابتداع شكل جديد يلائم الظرفية حسب ما كشفت عنه المرحلة من معطيات؛ صور، تصريحات فيديوهات. أو بتمديد عمر "الميمات" التي لم تنقرض بجعلها تتجاوب مع ما استجد. سنتناول "الميمات" المنتشرة في الويب المغربي بحسب الجهة/ الفئة/ الطبقة التي تستهدفها بالسخرية اللاذعة، مع تقديم نماذج منها في إطار ما صادفناه، ونحن نتصفح بعض المنصات/ الصفحات الاجتماعية. - الميمات التي تستهدف إمكانية الدولة وقدرتها على مواجهة الوباء "والتشكيك في مصداقية وعودها": ومن ضمن "الميمات" التي وجدناها: تمثيل إمكانيات الدولة بأعمدة بسيطة تسند بناية ضخمة متهاوية هي الوضع الذي تفشى فيه الفيروس. وأخرى تظهر جرافة تحفر أخاديد كالقبور مصحوبا بتعليق نسب لوزارة الصحة، مفاده أنها على أتم الاستعداد لموجهة فيروس كورونا في بلادنا. - الميمات التي تستهدف "شخصيات" حكومية، وتقلل من قدرتها على تدبير الوضع. من ذلك تمثيل العثماني وبعض من وزرائه وهم في حالة ذهول أمام الوضع المزري الذي سيكشف عنه هذا الفيروس "لا قدر الله"، بمشهد من الفيلم الشهير "التيتانيك" يظهر فيه أربعة عازفين استمروا في العزف بينما نصف السفينة قد غرق. وكذلك التشكيك في عدم فعالية لقائه التواصلي مع الشعب. من ذلك مثلا: "الحاجة لي فهمناها من العثماني في لقائه التلفزي أنه ضد كرونا". - الميمات التي تستهدف السخرية من طبقة وفئة اجتماعية معينة، كطبقة الميسورين المتهافتة على المنتجات الغذائية "الناس لي تقضاو السخرة ديال 4 أشهر ما تنساوش تشريو الحولي وسدو عليكم فمرة. والتعبير عن عدم الرضى عن سلوكهم تعبيرا ينم عن ازدراء ممزوج بسخرية مقيتة. "الناس لي خواو مرجان متنساوش تاخذو معاكم موانع الحمل باش متولدوش لينا بحالكم". أو فئة الفنانين أصحاب روتيني اليومي :إوا يا المشاهدين مي نعيمة شدوها البوليس". أو فئة المتدينين الفقهاء " عافاكم سحبوا الدعاء على الكفاء حتى إلقاو لينا دواء فيروس كروونا". أو فئة النساء الممارسات للواسطة في الدعارة، مثل "جارتنا جاو داوها البوليس وهي نازلا مع الدروج وكتغوت وكتقول متخافوش غير الدعارة ما شي كرونا". أو الرقاة الشرعيين؛ "صحاب الرقية الشرعية ضربوا الطم.. ماقراوش هاد الموديل. كما نجد ميمات أخرى تصف سلوك المغاربة، وتسخر من عدم انضباطهم وتلح على أنهم لا يفهمون إلا لغة الجنس. مثل: " إيلا قلتي للمغاربة كورونا كتدير العجر الجنسي، بربي متلقا شي واحد فالشارع، الجهاز التناسلي عندهم أهم من الجهاز التنفسي". أو السخرية من مدن بعينها مع استصحاب نفس ما عرف عنهم ووسمهم بصفة الغباء "البركانيين ملي سمعو الزنقة خاوية ما فيها تا واحد خرجو كاملين باش أتأكدو باللي خاوية". كما نجد "ميمات" أجريت على لسان فئة في حق فئة أخرى تعبيرا عن سلوك غريب وغير مألوففي الحياة الاجتماعية والعلاقات العائلية، كالتي أجريت على لسان المرأة "لي غاتحتاج الزنجلان في رمضان تعطيه لراجلها إنقيه ما حد القهاوي سادين". ومن مثل "داكشي اللي دارتو كورونا ما داروه فقهة لا شوافات، اللي عندها شي راجل راه كالس حداها بلا سبوب ولا مجامر.أو على لسان الرجال "نهار كامل وأنا في الدار، مراتي كدوز حدايا وكتقول الله ايبعد عليا هاد المصيبة، ما عرفت واش عليا ولا على كورونا". إن هذه الميمات، سواء ما يدخل في التصنيف الذي اعتمدناه، أو غيرها تشكل شكلا من أشكال تفاعل المجتمع المغربي مع "وفيروس كرونا"، وبقدر ما تبعث على الضحك لغرابة "الأفكار" التي تحملها، ولطريقة صوغها التي تجعلها شكلا مضحكا. فإنها كذلك تدعو إلى نوع من التأمل؛ إذ إنها تعبر في الحقيقة عن عدم تقبل لوضع معين ولأشكال خاصة من التدبير والتواصل، وإيصال موقف مما يلاحظ من سلوكات غريبة سواء بين مكونات الأسرة أو المجتمع أو في العلاقة مع الغير. حققت "الميمات" كشكل من أشكال التواصل داخل منظومة المواقع الاجتماعية نوعا جديدا من التواصل يتسم بالسرعة الفعالية في التنقل والتقاط مظاهر الواقع وقضاياه. وهي بالإضافة إلى حملها لفكرة مرمز لها في شكل صورة أو تعليق أو نكتة أو مثل محور. تحمل سخرية وتعبيرا عن الرفض؛ رفض لسلوكات مجتمعية عدت في نظر صانعه غريبة وشاذة.