في الصورة المستفيدون من المبعدين قسرا من تدريب على السياقة بالشاحنات الثقيلة لكل شيء إذا ما تم نقصان ***** فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دولٌ ***** من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ وهذه الدار لا تبقي على أحد ***** ولا يدوم على حال لها شانُ "" الشاعر الأندلسي: أبوالبقاء الرندي يمسك أحدهم برأسه ويدسه بين ركبتيه وينطلق في عويل وبكاء هستيري ،أو يجيبك بشهيق وزفير منقطع النظير ، "كلما تذكرت أنني كنت هناك إلا وألعن اليوم الذي فكرت فيه أن أسلك سبيلا انتهى بي أضحوكة من بعد عز وجاه و سيارت فارهة وفتيات من كل جانب ،لكن انظر إلى حالتي اليوم لا أجد من يتصدق علي بسيجارة رخيصة أحرق بها ما تبقى من فسحة للتنفس "يحكي نور الدين باسم مستعار ، ولحكاية الأسماء المستعارة مع نظرائه حكاية غريبة ،فكل من سألته وتعرض لمصير نور الدين إلا ويرفض إطلاقا أن يعرف الناس أنه مر من تجربة "الروفولي" ، من هم فئة "الروفولي" وكيف يعيشون بعد عز وجاه وسلطنة ؟وكيف رحلوا إلى المغرب ؟ وما هي مجهودات إعادة إدماجهم وتأهيلهم في بلدهم الأصلي ؟ "الروفولي "أو المبعدون قسرا من نعيم أوربا في مثلث الموت الممتد من خريبكة إلى قلعة السراغنة مرورا بإقليم بني ملال ،كلما سألت عن أحد عناصر "الروفولي "إلا ووجدته ، تعددت أسماء المدن الأوروبية إلى أن السبب واحد في إبعادهم من "نعيم أوربا " ، هم "قلة قليلة بالنظر إلى العدد الكبير من المهاجرين ، وهم في اعتقادي يؤدون ضريبة الاغتناء السريع والفاحش دون أن يفكر الشخص في عاقبة ما ينتظره من ذل وهوان عندما يعود صفر اليدين إلى موطنه" يقول خالد مضيفا " أفضل أن أعود إلى بلدي معززا مكرما وسالما من كل مكروه على أن أغامر مغامرة غير محمودة العواقب ،وينتهي بي الحال منبوذا ،لا يرق لحالي حتى أقرب المقربين مني ." في صيف 2007 فوجئت دورية للأمن ببني ملال بجثة شاب معلقة بين أشجار الزيتون قبل أن يتم التعرف على صاحبها "هو شاب من ضواحي بني ملال ،اختار الانتحار على حياة الذل التي أصبح يشعر بها، كان لا يجد ثمن السجائر ،وكان أهله فقراء لا يملكون ما يسدون به رمقهم، لذلك ربما ندم على أنه لم يستثمر وجوده بالخارج في ما ينفع أهله أو يسد به ضيق الحال ،بعد أن طال مقامه مهاجرا وعاد إليها روفولي ". "الروفولي" كلمة أصبحت مصطلحا سائرا للتعبير عن كل من أبعد من أوربا وأعيد إلى بلاده ،ولن تتعب كثيرا لتجد أحد هؤلاء المبعدين ، ومن كثرة ترديد هذه الكلمة أصبحت تنافس كلمة"الحريك" في نيل مكانة وسط الاستخدام اللغوي اليومي ، "أصبحت كلمة "روفولي"لا تزعجني كما كنت سابقا ،كنت أهم بخنق من يقولها في وجهي ، واليوم من كثرة ترديدها أصبحت عندي عادية حتى أنني كلما سمعت شخصا ينادي بهذا المصطلح إلا ولبيت الدعوة اعتقادا مني أنه يقصدني " يقول " عبد الرحمان س " الذي أبعد من ايطاليا قبل سنوات بتهمة المتاجرة في المخدرات الصلبة ، مغامرات وتجارب عديدة تثير الاستغراب ، و تبين كيف وجد عدد من المغاربة أنفسهم منخرطين في شبكات خطيرة لأنواع من" المافيا" يجمع بينها هدف واحد، الربح السريع بأقصر الطرق ، من خلال الحديث مع بعض العائدين قسرا إلى بلدانهم، لكن فئة قليلة تعتبر نفسها ممن رحلوا عن طريق الخطأ فوجدوا أنفسهم ضحية حملة عنصرية لم تفرق بين الصالح والطالح،أو لأنه هاجر سرا ولم يتمكن من تدبر أوراق الإقامة بأوروبا لكنهم فئة قليلة أمام العدد الكبير من ذوي السوابق في المتاجرة بالمخدرات . معاناة ويأس بعد العودة لأرض الوطن مجالسة مجموعة من "الروفولي" ، والحديث عن التجارب السابقة ليس بالأمر الهين "كنت أمام طول النهار في الأيام الأولى وأستيقظ ليلا لكيلا يراني أهل الدوار ويضيفوني إلى لائحة المبعدين "الرفولي " وسرعان ما وجدت حلا مؤقتا لأتأقلم فقد اختبأت عن قريب لي أحرس له إسطبلا للأبقار بالليل مقابل علب سجائر " يحكي جواد ، ينقلك الحديث عن تجارب" الرفولي " إلى عالم من المغامرات الشبيهة بالأفلام البوليسية ،يتحدث "عبد الرحمان س " عن تجربته بمرارة، " جربت كل أنواع المخدرات سواء بطريقة الشم أو عن طريق التدخين بما يسمى " الستانيولا"، كنا نستعمل الكوكايين "كراك" أي عن طريق الشيشة، وكنت أصرف في استهلاك المخدر في الليلة الواحدة ما بين 500 إلى ألف أور يوميا، و كنت أبيع أحيانا كميات يصل مبلغها إلى 300 مليون سنتيم في الليلة، خلال أربع سنوات استطعت أن أروج بضاعة بلغت قيمتها أربعة ملايير سنتيم من الأرباح " يؤكد عبد الرحمان أن "مالكي شركات كبرى من المدمنين كانوا يقصدونني للتزود بالمادة البيضاء ، وعادة ما أفلست عائلات بكاملها بسبب الإدمان،" لكنه يجهش بالبكاء عندما يتذكر " أن كل تلك الأموال التي كنت أروجها ذهبت أدراج الرياح، ورحلت إلى المغرب مفلسا، و الآن أعيش حالة التشرد، " قبل أن يختم بأنه يحمد الله "على أنني سجنت و عدت إلى أرض الوطن حيا أرزق ، إذ لو بقيت على تلك الحالة لعدت إلى بلدي في صندوق خشبي جثة كما هو شأن من سبقني في هذا الدرب ." الحديث عن الذين قتلوا وهم بإيطاليا أو اسبانيا سرعان ما يخبو بسرعة إذ بمجرد ذكر سيرة المقتول إلا وتطوى الصفحة ،"لن يقتلوه هدرا ربما أراد أن يتلاعب بالعصابات الخطير كيف يريد البعض أموال "الغبرة" (الكوكايين ) دون عواقب ، من لعب مع الكبار عليه أن يتحمل نتيجة اللعب سواء بالخسارة أو الربح المصطنع "، يقول المصطفى الأستاذ بالتعليم الثانوي بالفقيه بن صالح، مستحضرا العديد من رفاق الدراسة الذين كان يعرفهم بمناطق مختلفة من الإقليم خاصة بأولاد يوسف ، عدد الوفيات المنحدرين منها بأرض المهجر 35 شخصا لم يعرف بعد مرتكبي الجرائم أو المصدر الحقيقي للوفاة بالخارج سوى علاقة من بعيد أو قريب بالمخدرات ، أشهرهم ذلك الفتى ذو 15 ربيعا الذي احترف بيع المخدرات ، وفي إحدى مطاردات الشرطة الايطالية له ابتلع "بوستينة" علبة مغلفة بالبلاستيك من الكوكايين ، لكن العلبة تحللت بداخل جسمه فأردته قتيلا . "يسهل سقوط الشباب في أيدي بعض المافيات في غياب فرص العمل والخوف من اللجوء للتسول بعد الفشل في تحقيق الحلم الذي هاجر من أجله، ثم الطلب المتزايد للعائلة لتسديد حاجياتها أو تسديد الديون التي تم صرفها في عملية "الحريك " ، يلجأ البعض إلى المبيت تحت القناطر، أو داخل مساكن جماعية مهجورة، ليبدأ الشخص بتعاطي الكحول والمخدرات قصد تناسي الأوضاع التي يعيشها، فيتحول بعدها إلى مدمن ثم تاجر لتسديد مصاريفه، وغالبا ما يسقط في يد إحدى الشبكات، يصبح بعدها ملاحقا من طرف بعض المافيات فيما قد يتعرض بعضهم للتصفية الجسدية بعد خلاف ولو بسيط مع شبكات المتاجرة بالمخدرات الصلبة ." يحكي عبد الكريم ب المهاجر بايطاليا ،قبل أن يضيف " المغاربة آخر من اقتحموا شبكات المخدرات بإيطاليا في بداية التسعينات إلى جانب الألبان ، وكان قد سبقهم إلى ذلك مهاجرين من عدة دول عربية كتونس ومصر، في حين يتصدر الإسبان والإيطاليين إلى جانب تركيا لائحة أكبر مروجي المخدرات في أوربا، و تبقى إسبانيا نقطة انطلاق معظم أنواع المخدرات بدءا من الهيروين الذي يجلب من تركيا و الباكستان (جودة غير مرتفعة) الكوكايين من كولومبيا و الحشيش من المغرب و الباكستان ليوزع بعد ذلك داخل التراب الأوربي." " الروفولي " تعددت الوسائل والمصير واحد هناك اليوم "ريفولي " من نوع آخر أقل عددا من "الريفولي "السابق وهؤلاء يغامرون بأجسادهم وببطونهم الكبيرة "لقد كان المغامرون سابقا يغامرون بأموال ضخمة لكن شبان اليوم سلكوا طريقا آخر ، عن طريق تهريب الحشيش والكوكايين بطريقة" البلوط" ،" يحكي عبد المجيد المهاجر حديثا لاسبانيا ويضيف شارحا " يتناول المغامر كمية من الحشيش أو الكوكايين مغلفا بالبلاستيك ويقوم بتهريبها من مدينة لأخرى ،ويتسلم مقابل كل غرام من الحشيش أورو واحد، و10 أورو لكل غرام من للكوكايين بعد أن "يتغوط" ويخرج الحشيش أو الكوكايين في فضلاته ، ومنهم من يتناول أزيد من كيلوغرامين في الحمولة الواحدة "، الأمر لا يقتصر على الشبان بل تعداه إلى الفتيات ، يؤكد محمد متحدثا عن فتاة "أدخلت السنة الماضية سيارة فاخرة ذات دفع رباعي ،ولأنها أقل عرضة للتفتيش فإن كبار تجار المخدرات يراهنون عليها " . لكن كلما طور تجار الحشيش والمخدرات أساليبهم كلما تمكن الأمن من إعاقتهم والنتيجة جيوش من "الرفولي " تضاف لجيوش العاطلين ببلدهم الأصلي ، حيث "تشير بعض المعطيات غير الرسمية أن قرية صغيرة كأولاد يوسف ببني ملال التي لا يتجاوز عدد سكانها 3000 عائلة ، يقارب عدد المبعدين قسرا "الروفولي " بها مئات الأشخاص . يقضي أغلب "الروفولي " أيامهم في تضييع الوقت والبكاء على ذكريات خلت، يوسف الذي قضى أربع سنوات بايطاليا ، حاول مرات عديدة العودة إلى اسبانيا أو ايطاليا لكن دون نتيجة يعزي نفسه بتذكر بيت شعري لأبي البقاء الرندي "لكل شيء إذا ما تم نقصان *****فلا يغر بطيب العيش إنسان" . ينتقل في البحث عن أصدقاء كانت "تجمعنا ليالي من النعيم بأوربا واليوم يوحدنا الجحيم بأرض الوطن ،نقضي الوقت في تذكر الأيام السالفة ، وكأنها أحلام ،هروبا من سخرية الأهل والأقارب والأصدقاء ،حاولت مرات عديدة تجاوز أزمتي والنهوض من كبوتي لكن دون جدوى ".حالة يوسف أقل خطرا على محيطه من أشخاص آخرون احترفوا السرقة ،أو اختطاف الفتيات ،أو تجارة المخدرات والخمور الرخيصة بعدما فشلوا في تجاوز أزمتهم وعطالتهم القسرية . محاولة إطعام جيش بملعقة واحدة إبراهيم ذهباني (الصورة)مسؤول تنموي في برنامج "ألبمار" ، ومسؤول عن مكتب بني ملال لجمعية أصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية يصف حالة اليأس التي يكون عليها المبعدون من أوربا "الروفولي " أول الأمر ، " كنا نجد صعوبة في إقناعهم بالانخراط في مشروع إعادة تأهيلهم وإدماجهم في مشاريع تنموية خاصة ،لقد كانت تتملكهم أزمة ثقة بالذات ، ومنهم من كان يقيم مفارقة لما كان عليه ولما نقترحه نحن ،فيستحيل عنده أن ينطلق من جديد ومن نقطة الصفر ،لكن وبعد فترة قصيرة تغير كل شيء "،مشروع "ألبمار " يروم تقديم المساعدة النفسية والاقتصادية والاجتماعية للمرحلين لبلدانهم سواء من "الروفولي"أو من ضحايا الهجرة السرية،وذلك قصد إدماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلدانهم الأصلية ، ولأن إقليمي خريبكةوبني ملال ينحدر منهما عدد كبير من المهاجرين السريين العائدين أو من المبعدين من ايطاليا ،فإن الضحايا والمبعدين "الروفولي" من هذه المدن يحظون بنصيب وافر من برنامج "ألبمار" الذي أحدث بمبادرة من جمعية أصدقاء وعائلات وضحايا الهجرة السرية بالمغرب، وجمعية "كوبي" COOPI وهي منظمة ايطالية غير حكومية ،بالتنسيق مع مؤسسات التكوين والإنتاج ، يتلقى 250 مستفيد بين إقليمي خريبكةوبني ملال منحة التدريب التي تبلغ 1500 درهم لمدة ستة أشهر ، مع إمكانية استفادة المتدرب من قروض صغرى توفرها الشراكة التي تقيمها جمعية أصدقاء عائلات ضحايا الهجرة السرية مع جمعية زاكورة "لقد اندمج أغلب الذين استفادوا من فترة التدريب وإعادة التأهيل في عدة أنشطة اقتصادية، منها الحلاقة ، تربية الأرانب ،المطاعم،السقي بالتنقيط،تربية المواشي ،تأهيل السائقين للحمولة الثقيلة (الشاحنات) ،فالمشروع قدم لهم فترة من التدريب والتأهيل النفسي والاجتماعي والمهني ،لكن أكبر تحدي نواجهه اليوم هو كثرة الإقبال على المشروع في الوقت الذي توجد فيه لدينا فرص محدودة ومحددة ببرنامج سينتهي مع نهاية سنة 2008 " يقول إبراهيم ذهباني . لقد قدم مشروع "ألبمار " خدمة كبيرة ل"الروفولي " من أبناء المنطقة،خاصة من الذين عادوا من ايطاليا دون نتيجة تذكر ،فعوض احتراف بعضهم الجرائم المنظمة وجد هؤلاء بصيص من أمل بإقليمي بني ملالخريبكة ،لكن أمام السياسة التي نهجها الاتحاد الأوربي وبعد توقيع المغرب على عدة اتفاقيات تهم ترحيل المهاجرين سيزداد الوضع تأزما ، وستضيق المقاهي التي تحمل أسماء مدن ايطالية واسبانية بمرتاديها في الفقيه بن صالح ، أو قاعات "البولينغ "في بني ملال أو مقاهي الدواوير كدوار أولاد يوسف ، وسترتفع مؤشرات تعاطي المخدرات والسرقة والإجرام، تضاف إلى لوائح "الروفولي " نساء تزوجن بهدف الهجرة ،أو طمعا في زوج كان يملك أموالا كثيرة فأرجع إلى بلاده كرها ،وأطفال قاصرين هاجروا سرا يجمع بين الجميع حلم واحد "العودة لنعيم غنى أوربا والتخلص من جحيم فقر الوطن". إنجاز: المصطفى أبو الخير