على عكس أيام السبت المزدحمة دائما في العاصمة الإسبانية، تحولت مدريد إلى مدينة أشباح بالتزامن مع قرار الحكومة الإسبانية بإعلان حالة الطوارئ لمواجهة فيروس "كورونا". ووسط دعوات متكررة للبقاء في المنزل، أمرت سلطات إقليممدريد، الأكثر تضررا في إسبانيا من الوباء، بإغلاق كافة المنشآت والمتاجر، باستثناء تلك الغذائية والتي توفر الاحتياجات الأساسية بما فيها الصيدليات ومحطات الوقود والبنوك والأكشاك، حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري. مشاكل اقتصادية وفي ميدان "كاياو" الرئيسي ظهر عدد قليل من الأشخاص صباح السبت، أغلبهم من السائحين، في الوقت الذي وقف فيه خابيير أمام كشكه المخصص لبيع الحلوى والبطاطس والمياه. وقال خابيير في تصريح صحافي: "لا يوجد حل آخر .. أحاول الاستمرار بشكل طبيعي، لكن مع اتخاذ احتياطات". ويرتدي خابيير قناعا صغيرا اشتراه صباح اليوم؛ لكنه أبدى انزعاجه من ارتفاع سعره، حيث قال "سعره اثنان يورو. إنها مصيبة". ويبدو الرجل غاضبا من الأشخاص الذين يحاولون استغلال الوباء، الذي أجبر أغلبية المدريديين على البقاء في منازلهم، لتحقيق مكاسب مادية. وأشار خابيير إلى أن مبيعاته انخفضت بنحو 70 أو 80 في المائة؛ لكنه رغم ذلك يحتاج إلى الاستمرار مهما كان الدخل قليلا، حيث أضاف: "عليّ أن أكسب قوت يومي. أنا صاحب عمل حر، ولن يعفيني أحد من فواتير الكهرباء أو المياه أو الإيجار أو الرخصة". وبدا القلق جليا على وجه خابيير بينما يحسب المصاريف؛ إلى أن أنهى حديث بالقول إنه في حالة استمرار الوضع بهذه الصورة فسيتوجب عليه الاستغناء عن الفتى الذي يساعده في عمله. وعلى مسافة ليست بعيدة عن خابيير، يقف رجلا شرطة مرتديين قناعا صغيرا وقفازا لمساعدة المشاة القليلين أمام باب أحد المراكز التجارية الضخمة الذي لم يفتح سوى الدور المخصص ل"السوبر ماركت" وفوق واجهته لافتة مضيئة كتب عليها "سأبقى في المنزل"، وهو شعار دشنه مجلس البلدية في حملة التوعية بفيروس "كورونا" المستجد. عادات جديدة في التسوق في "بريثيادوس"، أحد أهم الشوارع التجارية في مدريد وأكثرها شعبية، لم يظهر أحد تقريبا. متاجر الملابس والأحذية ومنتجات التجميل مغلقة، فيما علقت عليها لافتات ترجع أسباب الغلق إلى فيروس "كورونا" وتعرب عن ثقتها في العودة إلى نشاطها مجددا. ولا يتعلق الأمر فقط بالمتاجر، إذ إن كل دور السينما والمسارح والملاهي الليلية والحانات والمراكز الترفيهية والتعليمية والثقافية بل وحتى حدائق الأطفال قد أغلقت أبوابها، أي أنه تغيير شامل في طبائع الحياة اليومية لأهالي مدريد. ثمة شارع تجاري آخر: برافو موريو. يبدو الوضع مختلفا هنا نوعا ما. لقد تغيرت عادات الشراء، والسبب هو أنه يضم متاجر للمواد الغذائية: مخابز، محلات فواكه. لا يبدو أن أحدا قد جاء هنا للتنزه، إذ يسير المشاة فيه محملين بحقائب لشراء البضائع الغذائية، كلهم بأقنعة صغيرة وقفازات. تشارو واحدة من هؤلاء الزبائن، موظفة عمرها 59 عاما، تقول إنه يجب على المرء أن يعيش حياته بصورة طبيعية، ثم تبدي قناعتها بأن البعض قد فقد "أعصابه"، لذا على الكل التحلي بالهدوء. وفي مخبز حلواني قالت البائعة العاملة فيه إن المواطنين، حتى الآن، يتعاملون بتحضر في مسألة الاصطفاف للشراء، وليس لديها شيء لتلومه عليهم، لكن ثمة أمر وحيد تأسف عليه، لكنها رغم ذلك تقول مبتسمة: "إنهم يشترون الخبز فقط، لا كعك أو حلوى، رغم أنها مأكولات تبعث على السعادة". أما إيفاريستا، المسؤولة عن صيدلية داخل الشارع التجاري، فقالت إن ثمة جمهور نوعا ما؛ لكن مع وجود فارق، وزادت: "حتى الأمس كنت أبيع عطورا ومستحضرات تجميل، لكن بداية من اليوم فالرواج للصابون وحده وفرش الأسنان والكلور .. ربما أصبحنا أكثر نظافة؛ لكننا للأسف بتنا أقل في مسألة المغازلة، خوفا من العدوى". * إفي