يعيش العالم منذ أسابيع في صدمة وهول بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد، والذي انتشر في كثير من دول العالم، مما يستوجب علينا جميعا اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة للحد من انتشاره والتقليل من مخاطره بين الناس، وذلك انطلاقا من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف الذي حثنا على التضامن والتعاون على ما فيه خير للإنسانية جمعاء. ومن باب التعاون والتضامن دعت منظمة الصحة العالمية دول العالم إلى اتخاذ تدابير وقائية من هذا الفيروس الخطير، وفي هذا السياق أعلنت حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتعليق المؤقت لمنح تأشيرات العمرة وزيارة الحرم النبوي الشريف لمواجهة انتشار فيروس كورونا، فهذا القرار؛ أي قرار توقف العمرة اعتبره البعض هو بمثابة عقاب من الله تعالى للمسلمين بسبب ما يقترفونه من الذنوب والآثام وارتكاب ما حرمه الله، وهذا الرأي مجانب للصواب والمنطق والدين الإسلامي والقرآن الكريم نفسه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قرر في كتابه العزيز أن الحساب والعقاب سيكون غدا يوم القيامة وليس في الدنيا، كما أنه "جل جلاله" تواب غفور رحيم، جواد كريم يمنح رزقه ونعمه لجميع عباده مسلمهم وكافرهم ومشركهم وملحدهم يقول تعالى: "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا.." ومن يرى أن الله تعالى عاقب الأمم السابقة بعذاب استئصالي بعد تكذيبهم لأنبيائهم وعدم طاعتهم، وهو ما قد يستند إليه البعض أقول: فتلك العقوبات كانت معجزات خصها الله تعالى بالأنبياء والرسل، والمعجزات انقطعت بموت الأنبياء من جهة، ومن جهة اخرى أن إهلاك الأمم السابقة الذي قص الله علينا قصصهم في القرآن الكريم إنما كان قبل الإسلام لا بعده، وتشهد له عدة نصوص قرآنية، منها قوله تعالى "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"، بعد أن طلب منه صلى الله عليه وسلم كفار قريش إنزال العذاب بهم في معرض عنادهم وتكذيبهم "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ"؛ لأن بعثته صلى الله عليه وسلم كانت رحمة عامة للعالمين، كما قال سبحانه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وهو ما ذهب إليه ابن جرير الطبري في تفسيره بعد ذكره للاختلاف في (العالمين) الذي أرسل النبي عليه الصلاة والسلام رحمة لهم، هل هم جميع العالم (مؤمنهم وكافرهم)، أم أهل الإيمان خاصة، ثم اختار ما روي عن ابن عباس، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام رحمة لجميع العالم، مؤمنهم وكافرهم. فهناك نواميس كونية إلهية هي الحاكمة للاجتماع البشري قائمة على قوانين وسنن التدافع وهي تجري على البشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم؛ لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم تعامل معها بعقلانية وحكمة، أفضل بكثير من بعض المشايخ والعلماء اليوم الذين يتمسكون ببعض نصوص التراث لمعالجة بعض القضايا المعاصرة التي تجاوزها الواقع والعلم والعقل بقرون، ومن بين الأمور التي تمت معالجتها من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بعقلانية ووعي ودراية وبمعرفة عميقة بفقه السنن الكونية بعض الأمراض المعدية، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يورد ممرض على مصح" وصح عنه أيضا" إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها" وهي كذلك مقتضى مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء وجوهر الدين الإسلامي الذي كرم الإنسان وأحاطه بسياج من الممنوعات التي قد تضره كالمسكرات والمخدرات والنجاسات والسموم والخبائث، يقول سبحانه" ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" والهدف من وراء هذا كله هو حفظ النفس البشرية من الهلاك، فقرار وقف العمرة الذي اتخذته المملكة العربية السعودية مشكورة من صميم مقتضى مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء لحفظ النفس البشرية، وعليه فنحن نشيد به وبحكومة خادم الحرمين الشريفين انطلاقا من مسؤولياتها الدينية والوطنية والشرعية في رعاية المواطنين والمعتمرين والزوار والمقيمين، وتعليقها المؤقت لمنح تأشيرة العمرة والزيارة نابع من حرصها على صحة المعتمرين وسلامتهم. جريا على سنتها الحميدة في بذل الغالي والنفيس في خدمة ضيوف الرحمن.