بعدما كانت متوجسة ومنزعجة من التقارب بين الرباطونواكشوط بعد فترة حكم محمد ولد عبد العزيز، نزلت تصريحات الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، برداً وسلاماً على جبهة البوليساريو، بعد تجديد اعتراف بلاده ب"الجمهورية الوهمية"، في أول موقف رسمي له من نزاع الصحراء المغربية. وكان ولد الغزواني أكد أن "موقف موريتانيا من قضية الصحراء الغربية لم يتغير ولن يتغير، لأنه موقف من ثوابت السياسة الخارجية للبلد، بغض النظر عن الحاكم أو التطورات الحاصلة في الملف". ارتياح في الجبهة وسائل إعلام رسمية ناطقة باسم جبهة "البوليساريو" نقلت موقف الرئيس الموريتاني، منتشية بتبني نواكشوط موقفاً داعماً للتنظيم الانفصالي، رغم أن ولد الغزواني جدد مسألة "الحياد الإيجابي". لكن الوقوف على مسافة واحدة من الصراع لا يكون بالاعتراف بطرف على حساب الآخر، وفق عدد من المتتبعين. ومعلوم أن موريتانيا تُقيم علاقات رسمية مع البوليساريو منذ سنة 1984، رغم أن الأممالمتحدة لا تعترف بها، ولوحت في أكثر من مرة بقرب افتتاح سفارة "الجمهورية الوهمية" في العاصمة نواكشوط، لكنها تراجعت عن ذلك بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباطونواكشوط بعد قطيعة دامت سنوات. ولم تُصدر الرباط أي موقف رسمي تجاه تصريحات الرئيس الموريتاني التي جدد فيها اعتراف بلاده ب"جمهورية البوليساريو"، لأنه بالنسبة للمملكة موقف معروف ولا يحمل أي مستجدات تتطلب إعادة العلاقات إلى دائرة التوتر. لكن سياق التصريحات الموريتانية على بُعد أيام قليلة من لقاء وزير الخارجية المغربي بالرئيس ولد الغزواني، وتأكيد المغرب رغبته في إنشاء "علاقات استثنائية" مع الجار الجنوبي، اعتبرها البعض رسائل سلبية تُخفي توتراً صامتاً بين البلدين. وتحدثت بعض المصادر عن انزعاج موريتاني من مسألة ترسيم المملكة لحدودها البحرية في الأقاليم الجنوبية دون التشاور مع موريتانيا، مقابل حرص الرباط على فتح مشاورات مع مدريد بشأن الملف ذاته، وهو ما تعتبره نواكشوط بمثابة "تهميش" لها. صب الزيت على النار الخبير المتخصص في ملف الصحراء نوفل البوعمري قال إن تصريحات ولد الغزواني يجب التعاطي معها بشكل عاد، "حتى لا نسقط في ما يرغب فيه خصوم المغرب، وهو الاصطدام مع الجارة الموريتانية، ويتم عزلنا جنوبا وشرقا". وأشار البوعمري إلى أن الملاحظ للطريقة التي سوق بها إعلام الخصوم لهذه التصريحات سيلاحظ أنها "تريد صب الزيت على النار كما صرح وزير الخارجية الجزائري، في تعبير قد يعتبره البعض خانه لكنه كشف ما كان يفكر فيه في علاقة الجزائر بالمغرب، خاصة أن العلاقة المغربية الموريتانية تشهد تقدما كبيرا، وبناء عناصر مشتركة في إطار التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي، وهو ما لم يرق خصوم المملكة ومن يريد أن تكون العلاقات في حالة توتر إقليمية". ويرى البوعمري، في تصريح لهسبريس، أن تصريح ولد الغزواني "ليس تجديدا باعتراف بلاده بالبوليساريو، بل تذكير بموقف موريتانيا من الكيان الوهمي، وهو اعتراف جاء في سياق سابق على تاريخ توليه الرئاسة". ولفت المتحدث إلى أن ولد الغزواني "حاول إخلاء مسؤوليته السياسية من هذا الاعتراف الذي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، ولظروف تاريخية كانت تشهدها المنطقة تم تجاوزها حاليا، بدليل أن موريتانيا لم تعد مركز ثقل سياسي للبوليساريو بسبب فتور العلاقة بين الدولة الموريتانية والتنظيم الانفصالي". وأضاف البوعمري أن الرئيس الموريتاني، بعد تذكيره بالسياق التاريخي في الموقف الموريتاني، أكد أن موقف بلاده الحالي هو الحياد، وليس الحياد السلبي كالسابق، مردفا بأن "الجديد في تصريحه هو وصف الحياد بالإيجابي من خلال دعم الأممالمتحدة ومسارها السياسي، ولعب دور إيجابي في ما يمكن أن يشهده الملف من تطورات إيجابية خاصة على مستوى استكمال مسلسل جنيف 1 وجنيف 2 إن نضجت الظروف الأممية لذلك". ووقف البوعمري على عدم وجود أي توتر ميداني بين المغرب وموريتانيا، وقال إن الأخيرة "لم يسبق لها ميدانيا أن قامت بالتشويش على التواجد المغربي في الكركارات وفي إدارة المغرب لهذه النقطة العبورية ذات التماس معها، وهو موقف جد مهم لأنه سهل عملية التبادل التجاري وتنقل الحركة التجارية البرية بينهما وبين إفريقيا، كما سهل عملية تنقل الأفراد كذلك". وحذر نوفل البوعمري، في تصريحه، من وجود مصادر إعلامية معادية وجهات ترغب في تسميم علاقة المغرب بشركائه وأصدقائه وجيرانه، وعلى رأسهم الجارة موريتانيا الشقيقة.