نظم مسلك علم الاجتماع بشعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، بمدرج الندوات، محاضرة افتتاحية للدكتور إدريس بنسعيد حول موضوع "جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي". واعتبر بنسعيد، وهو أستاذ السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "السوسيولوجيا علم ليس له موضوع محدد، بل فيه تطور على مستوى تحديد المواضيع وتجديدها". وأضاف المتحدث أن العلاقة بين الباحث والسوسيولوجي "تكون سلسلة، وفي بعض الأحيان يكون فيها نوع من الاضطراب والتوتر، عندما تظهر أزمات معرفية تحول الموضوع السوسيولوجي إلى كيفية معينة لم تعد لها المعاني نفسها، أو قد يكون أمام وضعيات جديدة تقتضي منا أن نجتهد كي نعيد التصور على مستوى الصور والمناهج وطرق البحث". وزاد بنسعيد: "إن السوسيولوجيا أو النظريات السوسيولوجية منذ بدايتها كانت تتأرجح بين حدين: أولا ارتباطها بتاريخ المجتمعات التي أنتجتها، وثانيا ارتباطها بمدى قدرتها على الإبداع والعطاء في مجتمعات ليست مجتمعات الأصل التي ظهر فيها المجتمع السوسيولوجي". هذا الأمر يقتضي منا، وفق المتحدث ذاته، "التفكير في بعض الخصائص التي جعلت التفكير السوسيولوجي ممكنا، والجواب ينقسم إلى صنفين: الأول يتمثل في الإغراء ومحاولة إسقاط النظريات وجعلها مطابقة للواقع.. ثانيا أن يتحول الخطاب السوسيولوجي من خطاب علمي إلى خطاب عام ليست له ضوابط". وأضاف بنسعيد أنه في فترة ظهور السوسيولوجيا كعلم "أصبح التفكير السوسيولوجي ممكنا بعد تسجيل مجموعة من القطائع والانتقالات، من بينها:أولا الفصل بين التخصص والمؤسسات، ثانيا الفصل بين الرأي وبين العقيدة"، مردفا: "هذه القطيعة هي التي جعلت السوسيولوجيا ممكنة، نتيجة تطورات تاريخية كبيرة، إذ تحول النظر في الاجتماع الإنساني من محاولة فهم هذا المجتمع على أساس الأعراف والأصول إلى الاهتمام بالمجال الذي يعيش فيه أفراد مجتمع ما، فأصبح الباحث السوسيولوجي يدرس المجتمع ضمن مجال جغرافي محدد". كما طرح الأستاذ بنسعيد بعض الأسئلة الإشكالية التي تحاول السوسيولوجيا الإجابة عنها، وهي: "هل وصلنا الآن إلى مرحلة يمكن اعتبار العلم السوسيولوجي واحدا ويمكن تطبيق نظرياته وأولوياته بنفس الطريقة على الكل؟ أم مازلنا أمام بعض الخصوصيات التي تقتضي منا التأني وإعادة طرح الأسئلة؟". كما تساءل المتحدث: "إذا رجعنا إلى الثقافة بمعناها الواسع، فما هو موقعها في المجتمع المغربي؟"، قبل أن يجيب بالقول: "سنلاحظ أن الثقافة مازالت البنية المحددة للنشاط الاجتماعي بكامله.. مثلا عندما تم استعمار المغرب فإن الوعي الوطني كما تشكل في نهاية القرن 20 لم يتمثل الاستعمار كاعتداء اقتصادي واعتداء سياسي، ولكن كاعتداء ثقافي وديني، فالمهدد هو الدين الإسلامي واللغة العربية، إذ إن الحركة الوطنية استطاعت أن تقوم بهيكلة جديدة انطلاقا من الشعارات الثقافية بصفة عامة، ما يفسر النتائج والتغيرات التي شهدها العالم المدرسي من خلال الاحتجاجات التي قام بها التلاميذ والطلبة على مستوى التعليم المغربي". وفي تصريح له بمناسبة انعقاد اللقاء قال الأستاذ فوزي بوخريص، رئيس شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن المحاضرة "تندرج ضمن إطار الدينامية التي تعرفها شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بالكلية، والهادفة إلى تكثيف الأنشطة العلمية الموازية التي تروم تقوية تكوين الطلبة وفسح المجال لهم للانفتاح على تجارب وإسهامات علمية رائدة، كما تتوخى وصل الأجيال الحالية من طلبة السوسيولوجيا بمختلف أسلاكهم (إجازة، ماستر، ودكتوراه) بالأجيال السابقة، ولاسيما جيل الأساتذة الرواد، والأستاذ إدريس بنسعيد من أبرزهم". وزاد المتحدث ذاته: "لا تخفى علينا أهمية الأستاذ المحاضر، الذي راكم تجربة طويلة في مجال التدريس والتكوين والبحث والخبرة العلمية في مجال السوسيولوجيا، كما لا تخفى علينا أهمية الموضوع وراهنيته، خصوصا في هذه الظرفية التي تشهد نقاشا مجتمعيا حول النموذج التنموي".