في خضمّ النقاش الدائر حول الحريات الفردية في المغرب، أبْدى محمد بنعبد القادر، وزير العدل، دفاعه عن هذه الحريات، ورأى أنه ليسَ ثمّة داع إلى تجريمها، أو تناولها من الزاوية الدينية، قائلا: "نحرص في المغرب على أن يكون لنا قانون جنائي وضْعي، أي أنّ مفرداته ومقتضياته هي دستور المملكة، والنظام العام، والحقوق والحريات.. وعلى القانون أن يحمي القانون والحريات". واستطرد بنعبد القادر، في لقاء مع سفراء الدول الأجنبية بالمغرب، نظمته المؤسسة الدبلوماسية بالرباط، مساء الأربعاء، أن المجتمع المغربي يمر بمرحلة انتقالية، على مستوى النسق القيَمي، أو ما سمّاه "اضطراب قيمي"، حيث "تشهد القيَم التقليدية تراجعا، ولا تعوِّضها قيَم جديدة، فيحدث ارتباك ونسقط في الضياع، فكيف يمكن أن نقول بأن السياسة الجنائية ينبغي أن تحمي منظومة القيَم، وهذه القيم اندثرت"، على حد تعبيره. وأضاف أنّ المجتمع المغربي، كما هو حال باقي المجتمعات في العالم، يشهد تناميا مطردا للفردانية، ولم يعد الفرد منصهرا في الجماعة، بل أصبحت له قيمة واختيارات ومعايير أخلاقية خاصة به، "وهذه التحولات ينبغي أخذها بعين الاعتبار حتى لا نتوهم أننا ندافع عن قيَم ليست سوى في مخيلتنا، لأن مجتمعنا يشهد تحولا قويا جدا، وهو مجتمع منفتح ومنخرط في الحداثة والعولمة". بنعبد القادر شدّد على أنّ القانون ينبغي أن يحمي الحريات الفردية؛ لكنه نأى بنفسه عن تحديد الحريات التي دعا إلى حمايتها، واكتفى بالقول: "ما يهمنا نحن هو أنه عندما تجرّم سلوكا يجب أن تكون هناك ضحية وضرر، وعندما نجرّم علاقات أو تصرفات بدون أن تكون هناك ضحايا ولا ضرر فما الجدوى من هذا القانون الجنائي؟"، مشيرا إلى أنّ "المشرّع المغربي يسير في طريق عَقلنة القانون، ليعيش المواطنون حياتهم الخاصة بما يليق بهم". وبالرغم من عدم تحديده للحريات الفردية التي دعا إلى عدم تجريمها، فإنّ بنعبد القادر لمّح إلى رفضه تجريم العلاقات الجنسية الرضائية، إذ قال إنّ المجتمع المغربي شهد خلال العشرين سنة الأخيرة تطورا هائلا، "فكيف يمكن أن نتحدث عن تقنين العلاقات بين الشباب أو العلاقات الخاصة، إذا كان الشاب قبل أن يتزوج يمضي مشوارا تعليميا إلى حدود ثلاثين سنة، فكيف سيعيش حياته وحاجياته الأكثر حميمية، في مجتمع مختلط ومنفتح، ونأتي نحن ونرتّب العقوبات والجزاءات.. هذا يجعل القانون يعيش غربة مجتمعية وغربة دستورية". وبخصوص حرية التعبير، قال بنعبد القادر، ردّا على سؤال طرحته عليه سفيرة هولندا بالمغرب، التي قالت إنّ هناك عددا من الصحافيين والنشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي معتقلين بسبب آرائهم، قال بنعبد القادر: "حينما نحاكم أحدا فإننا لا نفعل ذلك لأنه عبّر عن رأيه، بل لأنّ هناك طرفا متضررا". وأوضح المسؤول الحكومي المغربي: "لا ينبغي الاختباء وراء هذه الحجة (يقصد حرية التعبير)، من أجل سبّ الآخرين"، مضيفا: "هناك صحافيون يستغلون صفحاتهم على "فيسبوك" لمهاجمة أشخاص آخرين، والتعدي على كرامتهم، وهنا ينبغي أن يتدخل القانون من أجل حماية حقوق الآخرين، لأن الحرية ليست مطلقة". وذهب بنعبد القادر إلى تحدّي السفيرة الهولندية بالمغرب بشأن وجود معتقلي رأي في السجون المغربية، وقال مخاطبا إياها: "أعطني حالة واحدة تتعلق بالتعبير عن الرأي تعرض صاحبها للاعتقال"، مضيفا: "في المغرب هناك أشخاص يتحدثون عن الوحدة الترابية والدين والنظام السياسي المغربي، ولا أحد يضايقهم؛ ولكن عندنا يتمّ المسّ بالحياة الشخصية للآخرين، فلا ينبغي أن يقول مَن صدر عنه هذا التصرف أنا مناضل ولا يجب أن أحاكَم". من جهة ثانية، دافع محمد بنعبد القادر عن قرار استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل، الذي اتخذه المغرب قبل ثلاث سنوات، وقال إن فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية كان مطلبا للقوى الديمقراطية والقوى الحية منذ عشرات السنين، لأنه يُعتبر دعامة من دعائم دولة الحق والقانون. واعتبر الوزير الوصي على قطاع العدل أنّ فصل السلط المنصوص عليه في الدستور المغربي لا ينبغي أن تطغى سلطة على أخرى، لأن ذلك يشكل مخاطر على الديمقراطية، وزاد موضحا: "استقلالية النيابة العامة تجعل وزير العدل لا يتدخل عملها، وهذه الاستقلالية في مصلحة المواطن، لأنه تعطيه شعورا بالأمن القضائي أكثر". بنعبد القادر أشار إلى أنّ إبقاء النيابة العامة في يد وزير العدل يمكن ينطوي على احتمالات لاستغلال القضاء في تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، قائلا: "لا ينبغي لوزير العدل أن تكون له سلطة على النيابة العامة؛ لأننا نعرف أنه عندما يحصل خلاف سياسي في كل المجتمعات، يصبح الخصوم في الجهة الأخرى، ويُجرّون إلى المحاكم، لذلك فعندما تكون السلطة القضائية تابعة للسلطة التنفيذية تكون هناك مخاطر على الديمقراطية وعلى الشعور بالأمن".