بنعبد الله يدعو لصياغة نص تشريعي يقارب الحقوق والحريات ومسألة الإجهاض وعقوبة الإعدام.. باعتماد درجة كبيرة من التوافق أكد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على ضرورة نهج إصلاح شمولي للقانون الجنائي، وعدم الركون إلى تجزيء الإصلاح، بل ينبغي العمل من أجل التوصل إلى نص تشريعي تقارب مقتضياته جميع القضايا وتحسم فيها سواء التي تتعلق بالحقوق والحريات أو مسألة الإجهاض، أو بتشديد العقوبات في بعض الجرائم، أو بمسألة عقوبة الإعدام، على أن يتم من أجل ذلك اعتماد درجة كبيرة من التوافق بين مكونات الطبقة السياسية، خاصة داخل الأغلبية الحكومية. واعتبر محمد نبيل بنعبد الله، خلال لقاء دراسي نظمته المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أول أمس الثلاثاء، تمحور حول موضوع “القانون الجنائي ومتطلبات تحديث المجتمع”، على أن الحوار الرصين والهادئ يعد المدخل الأساس لإقرار هذا الإصلاح التشريعي. ودعا بنعبد الله، في هذا الصدد، إلى ضرورة الاحتكام إلى الحوار الرصين المبني على الهدوء لتجاوز القضايا الخلافية، بحيث يتم ترصيد المكاسب بشأن المواضيع التي ليس حولها خلاف، وتعميق النقاش بشأن تلك التي لازالت تطرح خلافا، مؤكدا على أن مشروعا من هذا الحجم من الضروري أن يتم الوصول فيه إلى مستوى متقدم من التوافق، وأن حزب التقدم والاشتراكية يراهن على العمل في هذا الصدد مع كافة الفعاليات السياسية والحقوقية والمدنية لتجميع كل المبادرات وطرحها للنقاش العمومي. وقال بنعبد الله موضحا، إن موضوع إصلاح القانون الجنائي أساسي بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية لأن “الأمر يتعلق بأهم منظومة قانونية بعد الدستور، ويهم المجتمع برمته، لذا ينبغي مناقشته في إطار مقاربة شمولية، ونهج الحوار الهادئ الذي يأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي يشهدها الواقع المغربي، بعيدا عن نزعات التشنج التي تؤدي إلى الانقسام داخل المجتمع وإلى بناء جدار سميك بين من يوصفون من خلال مواقفهم بالمحافظين وبين الحداثيين، على أساس أن يعتمد الحوار الرصين والهادئ الذي يرصد المكاسب ويتمكن عبر تعميق النقاش من تحقيق التوافق حول القضايا الخلافية. وشدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على أن التأجيلات المتعددة التي عرفها مسار إقرار مشروع القانون الجنائي الحالي المعروض على مجلس النواب، يعود أساسا إلى الخلافات داخل الأغلبية، داعيا جميع المكونات المجتمعية، سواء داخل الطبقة السياسية أو في حركة المجتمع المدني، إلى العمل بشكل جماعي، وصولا إلى تقديم مبادرات تهم الدفاع عن الحريات الفردية. وثمن الأمين العام عاليا، في هذا الصدد، المذكرة التي طرحها المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع القانون الجنائي، معلنا الدعم المطلق لهذا الأخير، قائلا: “إن هذه المؤسسة لعبت دورها كاملا، ويمكن القول إنها تحملت، بكل المقاييس، وبكل تجرد، مسؤوليتها كمؤسسة دستورية، وقاربت القضايا التي بات يعرفها الواقع المغربي”، مقترحا جعل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمثابة أرضية يمكن اعتمادها للانطلاق قي مسارات الترافع من أجل إقرار إصلاح شامل للقانون الجنائي”. من جانبه، أعلن أيوب أبو جعفر، القاضي الملحق بمديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، أن لجنة تقنية على مستوى الوزارة هي بصدد التدقيق في مشروع المراجعة الشاملة للقانون الجنائي، مقرا أن مجموعة القانون الجنائي، منذ صدورها سنة 1962، لم تعرف سوى تعديلات جزئية مست جلها الجانب المتعلق بالجرائم. ونبه أيوب أبو جعفر إلى أن المشروع الجديد المعروض على البرلمان، تضمن مستجدات تخص مجال التجريم بإدراج جرائم جديدة، تشمل جرائم التعذيب والاختفاء القسري والإبادة، والتحريض على الكراهية وازدراء الأديان. وذلك من خلال تجريم العديد من الجرائم المستحدثة كالإرهاب، والتمييز العنصري والاتجار بالبشر، وإقرار العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية. ولم يفت المسؤول الوزاري أن يعلن أن الوزارة قامت بدراسة المذكرة التي تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كاشفا أنه سيتم التفاعل مع ما تضمنته من مقترحات من شأنها إغناء السياسة التجريمية والعقابية بالمغرب، حسب تعبير المسؤول. من جهته، اختار مصطفى الناوي، ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن يؤكد على الدوافع التي باتت تتطلب إقرار إصلاح شمولي لمنظومة القانون الجنائي، والتي ترتبط بالسياق الحالي، إذ أن مجموعة القانون الجنائي لسنة 1962، تحكم في صدورها سياق يطبعه الصراع السياسي الذي كانت تشهده تلك المرحلة حيث صدر وفق منطق تحكمه هواجس أمنية صرفة”. وأضاف مصطفى الناوي، موضحا، أن هذا المنحى يظهر من خلال المبالغة في التجريم وتشديد العقوبات وإعمال السلطة التقديرية للقاضي والتعسف، بل وحتى مسار التطبيق تم بشكل رجعي، علما أن القاعدة القانونية تقول بأن ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون”. وأكد الناوي أن المسار الذي خطاه المغرب والذي يتأسس على حماية الحقوق والحريات بات يتطلب إقرار قانون جنائي جديد يتجاوز التناقضات التي يتخبط فيها المجتمع، أي بين ما يعتمل في الواقع وبين المقتضيات القانونية. وذهب المتحدث إلى التأكيد على ضرورة رفع تجريم الحريات الفردية لكون الإبقاء على هذا التجريم قد يمكن السلطة من استغلاله لتصفية حساباتها مع معارضيها، كما نبه إلى مسألة تجريم زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي، قائلا إن “استمرار الفصول المجرمة للحريات الفردية، وللتنصيص على تجريم زعزعة الولاء، يؤدي إلى التطبيق التمييزي والانتقائي للقانون، ويجعل المواطنين يتحولون إلى رهائن”. وأبدى مصطفى الناوي نوعا من التشاؤم، مشككا في إمكانية تجاوب البرلمان مع المذكرة التي طرحا المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مشروع القانون الجنائي، خاصة وأن المؤسسة الحقوقية تلقت اتصالا هاتفيا من البرلمان، تخبره فيها برفض المذكرة، مضيفا أن الاتصال الهاتفي أشار إلى عدم قبول المذكرة من طرف البرلمان، مع تأكيده على أن الانتقادات التي وجهت إلى المذكرة “انصبت فقط على الجانب المتعلق بالعلاقات الجنسية الرضائية والإجهاض حيث تم التركيز على هذه القضايا بينما المذكرة تضمنت قضيا أخرى أساسية” وأشار إلى أن المجلس قدم العديد من التوصيات وأن التوصية التي تخص موضوع التعذيب، تفيد على أنه “لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة التعذيب”، وأن التنصيص على عدم التقادم يأتي من بات التأكيد على الخطورة البالغة لجريمة التعذيب كخرق لحق أساسي من حقوق الإنسان ومكافحة الإفلات من عقابه”. من جانبها ، شددت عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، على أن المجموعة ستحرص على الالتزام بتقديم تعديلات تنهل من المبادئ والقيم التي يستمد منها حزب الكتاب مرجعيته وهويته الفكرية، والذي يسعى لإرساء مشروع مجتمعي حداثي، قوامه حماية الحقوق الفردية والجماعية. وشددت عائشة لبلق على أن المجموعة النيابية منفتحة على جميع المبادرات التي تروم الدفاع عن الحريات الفردية، سواء كان مصدرها مؤسسات دستورية أو الحركات المجتمعية بما فيها الهيئات الحقوقية أو المجتمع المدني، والتي تعمل بشكل حثيث بغاية وضع قانون جنائي جديد يحدث القطيعة مع مضامين ومقتضيات قانونية لم تعد تلاءم التطلعات والديناميات المواطنة بل ولا تتلاءم مع المعاهدات والقوانين والمواثيق التي يعد المغرب عضوا فيها ، بل وتتلاءم حتى مع روح دستور 2011. وأعلنت لبلق عن دعم المجموعة النيابية الكامل لمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأن غاية حزب التقدم والاشتراكية هي إقرار مشروع قانون يمكن المواطنين من ممارسة حرياتهم الشخصية انطلاقا من حاجات يعبر عنها المجتمع ويمارسها لكنها تصطدم بمقتضيات قانونية متخلفة عن الواقع وعن التغيرات التي عرفها المجتمع، مشيرة إلى أن المجموعة على استعداد لرفع الأمر للمجلس الدستوري للدفع بعدم دستورية النص. وسجلت فاطمة الزهراء برصات، عضوة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن مشروع القانون الجنائي وكذا التعديلات التي ستدخل عليه يجب أن تنتصر لقيم ومبادئ حقوق الإنسان في مفهومها الكوني أخذا بعين الاعتبار التقدم المهم الذي حققته بلادنا على مستوى المنظومة القانونية المتشبعة بحقوق الإنسان، انطلاقا من دستور المملكة الذي جاء متقدما جدا على مستوى الحقوق والحريات التي يتمتع بها المواطنات والمواطنون على قدم المساواة، سواء الفردية او الجماعية. وأضافت مشددة على أن المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية تعتبر أنه من الضروري أن تفرز هذه المراجعة مضامين متقدمة تنزيلا للدستور وتوجهات بلادنا و وفاء لاختيارها في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون مشروع القانون الجنائي وكذا التعديلات التي ستدخل عليه يجب أن تنتصر لقيم ومبادئ حقوق الإنسان في مفهومها الكوني أخذا بعين الاعتبار التقدم المهم الذي حققته بلادنا على مستوى المنظومة القانونية المتشبعة بحقوق الإنسان، انطلاقا من دستور المملكة الذي جاء متقدما جدا على مستوى الحقوق و الحريات. ولم يفت النائبة، أن تؤكد على ضرورة تدارك الزمن التشريعي وإخراج منظومة جنائية حداثية، عصرية ومنفتحة، تنسجم مع التحولات العميقة التي تعرفها الظاهرة الإجرامية من جهة وطناي ودوليا، ويلاءم التزامات الدولية للمغرب ودستور 2011، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. من جانبه دعا أحمد عصيد عضو المكتب التنفيذي لحركة ضمير إلى اعتماد فلسفة جديدة في بناء وبلورة منظومة القانون الجنائي، لأن الأمر يتعلق بلحظة مفصلية في تاريخ المغرب، ينبغي استغلالها لتنبي مشروع قانون جديد لا يهم فقط الحاضر ولا الماضي بل هو استشراف للمستقبل. وأوضح عضو حركة ضمير، أن المغرب عرف عدة انقلابات همت الوضع القيمي ووضع المرأة ونظرة الفرد لذاته دون أن يواكب القانون هذه التغيرات. وأضاف المتحدث قائلا: “إن الفلسفة تقول إن القانون المنصف والعادل هو لقانون الذي يواكب التغيرات العميقة التي يشهدها المجتمع، والذي يعيش حاليا تناقضات مريرة”. وشدد في هذا الصدد على القطع مع هذا التوجه، والقطع مع الازدواجية التي باتت تسم التشريع في المغرب، والتحلي بقدر كبير من الشجاعة والواقعية، حيث يبدو الأمر كأن المغرب “وضع دستورا متقدما كواجهة للخارج وأقر قانونا جنائيا بشكله الحالي للضبط الداخلي”. من جهته، وجه ذ.أحمد الحمومي، رئيس جمعية بيت الحكمة، انتقادات لاذعة لمشروع القانون الجنائي، واصفا إياه بالقانون المتخلف لكونه لا يضمن الحد الأدنى من الحقوق والحريات، ولكونه جاء متناقضا مع الالتزامات الدولية والقانون الدولي التي انخرط فيه المغرب، بل هو قانون غير دستوري بكونه يمس بعدد من الحقوق أولها حرية المعتقد. ونبه في هذا الصدد إلى وجه من أوجه التناقض الذي يضرب في العمق الدستور، حينما يتم المس بحق أساسي، مشيرا إلى تجريم الإفطار في رمضان، علما أن الآلاف من المواطنين مصابين بأمراض مزمنة مثل السكري أو أمراض القلب التي تحتم أحيانا تناول الأكل في الشارع، في حين يعتبر القانون الجنائي الأمر استفزازا وإخلالا بالنظام العام. من جهتها، ذكرت منسقة ربيع الكرامة، حياة الديش، بمطالب هذه الشبكة من الهيئات والجمعيات، والمتمثلة في اعتماد تشريع جنائي جديد يطبعه تغيير جذري وشامل مقارنة بالقانون القديم، يستلهم مقتضياته من روح الدستور ويأخذ بعين الاعتبار المنظومة الحقوقية الدولية والممارسة الاتفاقية التي انخرط فيها المغرب، بحيث يغيب التمييز في العقاب، وتشدد العقوبة في حالة ارتكاب جرائم النوع. وأكدت أن ربيع الكرامة يؤكد على تغيير بنية القانون الجنائي الحالي، وإدخال تعديلات جوهرية على الباب الثامن المتعلق بالجرائم والجنح ضد الأسرة والأخلاق العامة، واعتماد لغة حقوقية مبنية على النوع وإعادة النظر في تعاريف بعض الجرائم التي تحيل على مفهوم الأخلاق العامة على حساب الحقوق والحريات، وعدم اعتماد العقوبات البديلة في الجرائم التي يكون ضحاياها إناثا. فنن العفاني