أعاد خبر وفاة المختفي قسرا لدى السلطات الجزائرية، ملف الخليل أحمد أبريه، القيادي المؤثر بجبهة "البوليساريو" إلى الواجهة، وأثار ثورة شعبية داخل مخيمات تندوف، خاصة أن العائلة المكلومة ما زالت تجهل مصير ابنها، ولا تتوفر إلى حد الآن على أي معطيات أو معلومات حول مصيره غير المعلن، في ظل التكتم الذي تطوق به جبهة "البوليساريو" والنظام الجزائري المسؤول الأول عن الملف الشائك، خوفا من عودة الاحتجاجات المطالبة بكشف مصيره بالمخيمات. ومن أجل تسليط الضوء على حيثيات الملف واستبيان تفاصيله الكاملة، أجرت جريدة هسبريس الإلكترونية لقاء خاصا مع عدنان أبريه، شقيق المختطف لدى السلطات الجزائرية. من هو الخليل أحمد أبريه؟ وهل يمكنك تقديم نبذة عن حياته الدراسية بالجامعة المغربية؟ ولد الخليل أحمد أبريه بمدينة طانطانجنوب المغرب سنة 1953. تابع دراسته الثانوية بمدينة فاس، وحصل على الإجازة في الفلسفة شعبة علم النفس الاجتماعي بجامعة محمد الخامس بالرباط، انضم إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ثم انخرط في الطلائع الأولى ذات التوجه اليساري الماركسي المنضوية تحت لواء منظمة إلى الأمام، سجن على إثرها ثلاث سنوات في فترة كانت تعرف بسنوات الجمر والرصاص، ليطلق سراحه بعدها والتحق بمخيمات تندوف جنوبالجزائر صيف 1977، فكان أحد أهم الكوادر الوازنة في "البوليساريو"، حيث تقلد مناصب عديدة ذات طابع أمني، سياسي، إداري، استشاري، وكان آخرها منصب مستشار حقوق الإنسان لدى الأمانة العامة ل"البوليساريو". كيف اختطفت السلطات الجزائرية الخليل أحمد أبريه، وهو الدكتور المحاضر بجامعة هواري بومدين؟ في 6 يناير 2009، اختطف الخليل أحمد في ظروف غامضة بالجزائر العاصمة، وهو في طريقه لإلقاء محاضرة في جامعة هواري بومدين. هنا يبقى طرح الإشكال مطلبا ضروريا في هذا الإطار. لماذا اختطف الخليل أحمد؟ وهو العقل الوازن في المعادلة الأمنية لسنوات طوال والمسؤول عن ملف حقوق الإنسان؟!!!! ما هي الدوافع التي جعلت من قيادة "البوليساريو" تتكتم على اختطافه؟ أم التكتم هو تعبير عن تصريف صراع دفين حول مجموعة من الملفات أبرزها ملف حقوق الإنسان؟ أين هو دور النخب وآليات اشتغالها، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان والأصوات الإعلامية الحرة والمستقلة؟ هل المجال الحقوقي أصبح يخضع للانتقائية والكيل بمكيالين؟ أم عدم التماهي مع الوضع السياسي القائم هو شكل من أشكال القطيعة بين الأخلاق والسياسة!!؟ أين هو الضمير الإنساني، الحقوقي والأخلاقي؟ ما هي الأسباب الحقيقية وراء اختطاف السلطات الجزائرية للخليل أحمد وهو القيادي المؤثر بجبهة "البوليساريو"؟ أعتقد أن سبب اختطاف أخي الخليل أحمد كان على خلفية التدافع والخلاف حول ممارسات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف، إبان فترات مظلمة مشوبة بالكثير من الغموض، وخاصة التحقيق في اختفاء 160 شخصا بينهم نساء وأطفال بين 1980 و1988. حسب وكالة أروبا بريس في عددها المؤرخ شهر يوليوز 2019، تمت عملية الاختطاف لمستشار حقوق الإنسان الخليل أحمد من طرف السلطات الأمنية الجزائرية وبتواطؤ مع قيادة "البوليساريو"، بعد جهود مضنية تمكن أحد أبنائه من زيارته في أحد مراكز الاحتجاز السري في البليدة والتي تبعد 45 كلم شمال شرق الجزائر العاصمة في سياق يتسم بالتهديد والوعيد سنة 2011. متى، بالضبط، انقطعت أخبار المختطف عن العائلة؟ انقطعت كل الأخبار المتعلقة بأخي الأكبر منذ سنة 2011، في السياق الذي تحدثنا عنه سالفا والمتسم بلغة التهديد والوعيد، اللهم بعد محاولات التحقيق والتحري التي قامت بها اللجنة البحثية التي أرسلتها منظمة هيومان رايت ووتش في الفترة الممتدة بين 26 نونبر و9 دجنبر 2013 إلى مخيمات تندوف من أجل البحث والتقصي في مجال حقوق الإنسان، حيث أصدرت تقريرها في 18 أكتوبر 2014 تحت عنوان "خارج الردار " والذي لم يعبر عن القلق ولا عن الانشغال إزاء هذه الحالة الإنسانية؛ وهو مما وفر الغطاء للجهة المسؤولة عن الاختطاف وأعطاها المزيد من الوقت لتصرف في مصيره وتعريض حياته للخطر أكثر من أي وقت مضى. كيف تعاملت العائلة مع الملف خاصة بالمخيمات؟ وما هي الإجراءات القانونية التي اتخذتموها لتدويل الملف؟ لقد قامت العائلة المكلومة بفقدان أحد أبنائها لأكثر من عقد ونيف بحملة دولية، على الرغم من إمكاناتها المتواضعة، بالتركيز على ثلاثة مستويات: * المستوى الميداني: أي الفعل في الميدان بخروج الأهالي ومئات من المتضامنين والمساندين في مخيمات تندوف، مخترقين جدار الصمت وهاجس الخوف متمردين على طابوهات الهوان، معبرين عن صحوة ضمير ببناء وعي حقوقي في المخيال الجماعي يكرس مفهوم الحق، الحرية، الإنسان. بمظاهرات واحتجاجات واعتصامات شكلت ضغطا نفسيا وإحراجا كبيرا لقيادة "البوليساريو" التي تتغنى دوما بسمفونية حقوق الإنسان. فقام إبراهيم غالي بإعطاء وعود مزيفة لإخماد الغضب المتنامي وإجهاض الحراك كمحاولة لوضع القضية في العناية المركزة بقتلها سريريا في انتظار إقبارها إلى الأبد، وهذا ما سيفشل فيه. * المستوى الإعلامي: اتسم الخطاب الإعلامي لحملة "كلنا الخليل" بمواكبة وتغطية الحراك الميداني والتحسيس بقضية الخليل أحمد الإنسانية بإيصال هذه الرسالة النبيلة بكل أمانة ومصداقية إلى الرأي العام عبر الوسائط الاعلامية سواء مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، خاصة موقع الخليل أحمد أبريه بوان كوم والقنوات الفضائية والصحف والجرائد الدولية والوطنية بتغطيتها المتميزة. * المستوى القانوني: ويتضمن شقين القضائي بانتداب العائلة لمحام دولي من أجل بناء الملف قانونيا والمرافعة عليه أمام المحاكم المختصة، فقام بمراسلة السلطات الجزائرية المعنية في شخص وكيل الجمهورية وممثل "البوليساريو" في فرنسا؛ ولكن لم يجد أي تجاوب مما سيضطر لطرحه في محكمة الجنايات الدولية. أما الشق الحقوقي فقد كانت المشاركة في النسخ 40 و41 و42 في المجلس الأعلى لحقوق الإنسان بجنيف وتقديم ملتمسات في هذا الإطار، وأيضا في اللجنة الرابعة الدورة ال74 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. وقد تكلل هذا التحرك بإدراج السيد الأمين العام للأمم المتحدة قضية الخليل أحمد في تقاريره الأخيرة للحالة في الصحراء في الفقرة (8) في تقرير رقم 282\2019 وفي الفقرة (7) في تقرير رقم_ 2494\2019. كيف تناولت المنظمات الدولية قضية المختطف الخليل أحمد أبريه؟ يعتبر الاختطاف القسري أو اللا طوعي والتغييب الممنهج للدكتور الخليل أحمد أبريه لمدة إحدى عشرة سنة جريمة ضد الإنسانية متكاملة الأركان ومستمرة في الزمان والمكان حسب القانون الدولي الإنساني، والاتفاقية الأممية لسنة 1992 التي تنص على حماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري، وإعلان روما المادة السابعة والذي يؤطر محكمة الجنايات الدولية؛ فإذا كانت القاعدة القانونية بتجردها وشموليتها مجرد وعاء نظري يفرض احترام حقوق الإنسان، فإن الضمير يبقى هو الآلية المعيارية التي تحافظ وتصان به كل الحقوق وتحرس به الأعمال المرتبطة من دواعي الإهمال والتفريط. إلى أي حد أثر المصير غير المعلن لأخيك الخليل أحمد داخل الوسط العائلي؟ لقد خلف الاختطاف القسري للدكتور الخليل أحمد أبريه معاناة ومأساة لعائلته؛ فوالداه، وهما الآن في دار البقاء، رحلا وهما لم يعرفا شيئا عن مصير ابنهما. أما الأبناء، فقد اختطف الأب والصغير منهم كان في سن الفطام، فأصبح الآن ناضجا يسأل عن مصير أبيه. ما هي انتظارات العائلة، خاصة بعد نشر شائعة وفاته غير الرسمية في الآونة الأخيرة؟ لقد قامت العائلة المكلومة بإطلاق مناشدة إنسانية إلى كل أحرار العالم، الضمائر الحية، الميكانزمات والآليات الأممية، الهيئات والمنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، للتدخل العاجل من أجل الضغط على السلطات الجزائرية للكشف عن مصير الدكتور الخليل أحمد أبريه؛ إن كان حيا فليقدموه للمحاكمة أو إطلاق سراحه فورا، وإن كان قد فارق الحياة لا قدر الله فليعلنوها صراحة من أجل إقامة العزاء والترحم عليه.