كان توقيع الاتفاقية الخاصة بتمويل وإنجاز برنامج معالجة السكن غير القانوني بعمالة مراكش أمام ملك البلاد، خلال شهر يوليوز من سنة 2013، حلما لتأهيل دواوير عدة بجماعة تسلطانت. هذا المشروع الذي شكل حلما ل 18901 أسرة، خصص له غلاف إجمالي يقدر ب716.17 مليون درهم، ساهمت فيه كل من وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة (217.40 مليون درهم)، ومجلس جهة مراكش (4 ملايين درهم)، ووزارة المالية (164.89 مليون درهم)، وملاكي الأراضي (19.76 مليون درهم)، والمستفيدين (310.48). تأخر أشغال هذا البرنامج الذي كان من المفروض أن ينتهي سنة 2015 بدأ يرخي بظلال اليأس على السكان الذين يعانون في صمت وهم يشاهدون أطفالهم يلعبون بين الحفر ويستنشقون الغبار، ويعانون مع أزقة كلها حفر. محمد سحكوك، واحد من سكان دوار الحركات، قال لهسبريس: "مرت خمس سنوات تبدد معها حلمنا بتوديع السكن غير اللائق إلى آخر يحفظ لنا كرامتنا، وتوقف أشغال التأهيل دون توضيح من الجهات المعنية ضاعف من معاناتنا، فلا آمال في المستقبل ولا هم يحزنون". وتابع يحكي معاناة السكان لهسبريس، قائلا: "انتهى شهر يناير من السنة الحالية وتوقفت أشغال التأهيل فتبخر حلم بشّرنا به ملك البلاد ضمن برنامج الحاضرة المتجددة الذي وقّع أمامه، فالآليات توقفت عن الحركة، والحفر في كل مكان، والمنازل لم يتم ربطها بالقناة الرئيسة للصرف الصحي". ولم يخرج تصريح عمر كشاد الذي يقطن بالدوار نفسه عما قاله سحكوك لهسبريس، موردا أن "المعاناة الخطيرة هي تلك التي يشكو منها الذين كانوا يستعملون الحفر لمياه الصرف الصحي وتم تدميرها ولم يتم ربط مساكنهم بالقناة الرئيسية في دوار أريد له أن يكون نموذجيا لدواوير أخرى كانت تنتظر الأسر القاطنة بها دورها في الربط بالصرف الصحي، وتبليط الأزقة، مع نهاية شهر يناير الماضي". "أشغال التأهيل بدوار الحركات خلفت الأتربة في كل مكان وحولت الأزقة إلى حفر، ما يعيق السيارات الخاصة وسيارة الإسعاف"، بحسب علي خوبان، رئيس جمعية الحركات للتنمية. "الغبار يملأ الفضاء والمياه العادمة تتسرب إلى أسس المنازل، ما يشكل تهديدا لصحة المواطنين وللبيئة"، يقول خوبان، مشيرا إلى أن "التهميش والاقصاء والوعود الكاذبة أثارت تذمر السكان الذين يهددون بالخروج في مسيرات احتجاجية للمطالبة بالتعجيل بالانتهاء من أشغال تأهيل دوار الحركات". "كنا نحلم بأن يخرجنا هذا المشروع من السكن غير اللائق إلى سكن وعيش كريمين، كما تنص على ذلك الخطابات الملكية، لكن..."، يقول خوبان دون أن ينهي جملته، فالواقع يغني عن الكلام. وغير بعيد عن دوار الحركات يوجد دوار ثكانة الذي يعاني سكانه هم الآخرون من المعضلة نفسها، بحسب تصريح جواد أيت الرامي، الذي تساءل بنبرة حزينة: "كيف يمكن لك أن تحس بمواطنتك وأنت تتلقى وعودا من مؤسسات الدولة وتكتشف في كل لحظة وحين أنها تكذب عليك؟". وتابع: "الروائح الكريهة التي تصيب معظم السكان بالحساسية ومرض ضيق التنفس تنتشر في كل مكان، والأطفال الذين يلعبون في مجاري المياه العادمة وبالأزقة حيث يتطاير الغبار يعانون من أمراض جلدية وصدرية". وواصل الرامي قائلا: "كل هذا يحدث دون أن نتوصل كجمعويين بأي معلومة لتفسير توقف الأشغال المستمر للمواطنين"، متسائلا: "كيف لا تهتز الثقة حتى في الفاعلين الجمعويين والمنتخبين حين تبقى الوعود حبرا على ورق"، وفق تعبيره. وإذا كانت الأشغال انطلقت بكل من دوار الحركات وثكانة وتوقفت، فإنها بدوار اللويحات وغيره من الدواوير لم تنطلق بعد، يحكي عبد القادر لحباب، مستشار جماعي ابن دوار اللويحات. وقال إن "دوار اللويحات، على سبيل المثال، وضعت له الدراسة بحضور ممثلين عن القسم التقني بجماعة تسلطانت، وبعد ذلك اختفت الشركة المكلفة بالأشغال"، مضيفا: "تلقت مؤسسة العمران دعوات عديدة لحضور الدورات العادية والاستثنائية، لكنها لا تحضر". كل من التقت بهم هسبريس بالدواوير المعنية أكدوا لها أن الولاة الذين تحملوا مسؤولية تدبير جهة مراكش وعمالتها راسلوا مؤسسة العمران من أجل تفعيل بنود الاتفاقية، مشيرين إلى أن رئيس جماعة تسلطانت راسل مؤخرا كل المعنيين بالاتفاقية الخاصة ببرنامج معالجة السكن غير القانوني بعمالة مراكش، لكن دون أثر يذكر. على إثر الدورة الأخيرة التي عقدت بداية شهر فبراير، وجه رئيس جماعة تسلطانت رسالة إلى المدير العام لشركة العمران، وإلى رئيس الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، تحت إشراف السلم الإداري، محذرا إياهما من أن يكونا سببا في "احتقان اجتماعي" بالمنطقة، بسبب ما وصفه "بالتماطل" في إنجاز مشاريع متعلقة باتفاقيات مع المجلس الجماعي، منها ما وقع أمام أنظار الملك محمد السادس. وأبرزت المراسلة أن شركة العمران والوكالة المذكورة لم تلتزما بمقتضيات اجتماع انعقد بمقر جماعة تسلطانت بتاريخ 3 شتنبر 2019، خصص لتتبع تقدم أشغال تأهيل بعض دواوير تسلطانت وتمخض عنه الالتزام بالعمل على بداية الأشغال بدواوير: اللويحات، ودار البارود، وباب العبيد، ودار القرطاس، خلال مدة أقصاها أربعة أشهر، أي بداية شهر يناير 2020. وجاء في المراسلة الخاصة بالعمران: "يؤسفني أن أخبركم أن وتيرة أشغال التأهيل والهيكلة لمجموعة من دواوير الجماعة متوقفة، ومؤسستكم عاجزة عن مسايرتها، رغم أن الاتفاقيات حددت الأهداف والتدخلات والآجال". مصدر مسؤول من الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، طلب عدم كشف هويته للعموم، أوضح في تصريح لهسبريس أن "الوكالة تعقد اجتماعات مع شركة العمران والجماعة، تحت إشراف ولاية الجهة، لدراسة كل المشاكل الطارئة لتذليلها وحل صعوبات ربط المنازل بقناة الصرف الصحي، وعلى رأسها ضرورة استحضار الربط بالماء الصالح للشرب". وحاولت هسبريس لأكثر من عشر مرات أن تتصل بمدير شركة العمران، حيث ربطت الاتصال بالمسؤولة عن مكتبه، لكن الهاتف ظل يرن دون جواب، وقمنا بزيارة إلى المقر الجهوي لهذه المؤسسة، التي تعتبر الذراع الإسمنتي للدولة، يوم الجمعة الماضي، ووجدنا مديرها في اجتماع بولاية جهة مراكشآسفي. وفي الوقت الذي يهمش فيه المجتمع المدني بالدواوير المشتكية، تمكنت جمعية الانطلاقة للتنمية المستدامة بدوار تصورت التابع لجماعة تغدوين، التي توجد في عمق جبال الأطلس الكبير، من تحقيق ما لم يحقق بجماعات عدة بعمالة مراكش. فقد استفادت منازل هذا الدوار من الربط بقناة الصرف الصحي، وتم تبليط أزقته، وذلك في إطار مشروع أنجزته مؤسسة العمران ضمن البرنامج التكميلي لتأهيل السكن ناقص التجهيز في ظرف ثمانية أشهر، بفضل تعاون مع الجماعة والجمعية التي وفرت العقار وقامت بحملة تحسيس وسط السكان. ومكن هذا المشروع السكان من التخلص من مشكل الصرف الصحي والروائح الكريهة والقنوات العشوائية للمياه العادمة والأوحال التي تغرق فيها المسالك في فصل الشتاء، وسهل أيضا ولوج التلاميذ والتلميذات إلى المدارس في ظروف مريحة، بعد تبليط مقطع طرقي يربط بين جماعة تغدوين وجماعة تيدلي والروافد الخاصة بدوار تصورت.