يأتي قانون التمويل التعاوني crowdfunding في إطار مراجعة السياسات الوطنية المعمول بها في ما يتعلق بدعم التمويل ومصاحبة حاملي المشاريع، والبحث عن آليات جديدة وبديلة لمحدودية العروض التقليدية الموجودة، بالإضافة لمواكبة التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة على صعيد التمويلات الرقمية المتطورة والتقنيات المالية الحديثة. يُعرف "التمويل التعاوني" بكونه آلية تمويل يتم من خلالها جمع مبالغ صغيرة من الأموال من أعداد كبيرة من الأفراد أو الهيئات، لتمويل مشاريع محددة، وترتكز آلية التمويل هاته على تجاوز الوسطاء الماليين التقليديين (البنوك، جمعيات السلفات الصغرى..)، واستخدام منصات إلكترونية للربط المباشر بين حاملي المشاريع والممولين. وبصفة عامة هناك تقريبا عناصر أساسية تشترك فيها أنشطة التمويل التعاوني: (1) جمع مبالغ صغيرة من الأموال، (2) من عدد كبير من الممولين، (3) توجيه الأموال المجموعة إلى عدد كبير من حاملي المشاريع، (4) استخدام التكنولوجيا الرقمية. وفي هذا الإطار، يهدف قانون التمويل التعاوني إلى تعبئة مصادر تمويل جديدة لفائدة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة وكذا الشباب حاملي المشاريع المبتكرة، ودعم البحث وتقوية الابتكار بما يُحفز فرص الاستثمار ويُحرر الإمكانيات الإبداعية للشباب ويوجهها نحو الفعالية المجتمعية، كما يضمن هذا القانون المشاركة الفعالة للمانحين والممولين لمساندة مشاريع التنمية في بلادنا من خلال آلية تمويل بسيطة وآمنة وشفافة، إضافة إلى تعزيز جاذبية وإشعاع القطب المالي للدار البيضاء. وعلى هذا الأساس، اعتمد الإطار القانوني للتمويل التعاوني هيكلة مبسطة لتفعيل هذه الآلية وضمان تنزيلها بشكل وسلس، حيث يقوم حامل المشروع سواء كان شخص أو مجموعة أشخاص ذاتيين أو اعتباريين (مساهمين) بعرض مشروعهم على منصة للتمويل التعاوني بهدف الحصول على تمويل لهم. في المقابل تقوم شركة تجارية معتمدة ومتخصصة بتسيير هذه المنصة. ولضمان اشتغال هذه الآلية بشكل مضبوط يحترم المقتضيات القانونية الوطنية، سيتكلف بنك المغرب بمراقبة وتتبع عمليات القرض والتبرع، بينما تقوم الهيئة المغربية لسوق الرساميل بتتبع عمليات الاستثمار في رأس المال. يتكون مشروع القانون من 70 مادة موزعة حسب سبعة أبواب، وأغلبها جاءت لتأطير أنشطة شركات التمويل التعاوني المعتمدة، وإنشاء نظام متكامل لتنظيم هاته الأنشطة. ويمكن تلخيص مقتضيات هذا القانون في أربعة نقاط: أولا، إنشاء نظام خاص بشركات التمويل التعاوني يحدد بالخصوص إجراءات وكيفيات تأسيس ومزاولة مهام الشركة المسيرة لمنصات التمويل التعاوني، وخصوصا ما يهم اعتمادها من طرف بنك المغرب (في ما يتعلق بعمليات القرض والتبرع) أو الهيئة المغربية لسوق الرساميل (في ما يخص عمليات الاستثمار)؛ وكذا حصر المقتضيات المؤطرة لتسيير منصات التمويل التعاوني وتصنيفها، والمهام الموكلة لشركة التمويل التعاوني؛ إضافة إلى تحديد التزامات شركة التمويل التعاوني وقواعد اشتغالها فيما له علاقة بإعلام الجمهور، وإعداد التقارير الدورية، والاشهار،...؛ كما تطرق القانون للقواعد المنظمة لتدبير الحسابات الخاصة بالمشاريع التي يتم تمويلها عبر منصات التمويل التعاوني. ثانيا، تحديد مهام باقي المتدخلين في عملية التمويل التعاوني ولاسيما المؤسسة الماسكة للحسابات ومراقب الحسابات، حيث يحدد مشروع القانون إلزامية فتح- لكل مشروع مقدم- حسابا خاصا لدى المؤسسة الماسكة للحسابات (مؤسسة ائتمان). كما يخصص هذا الحساب حصرا لإيداع الأموال التي تم جمعها لفائدة كل مشروع على حدة؛ إضافة إلى قيام شركة التمويل التعاوني بتعيين مراقب حسابات يكلف بمهمة مراقبة وتتبع الحسابات الخاصة بأنشطتها المتعلقة بالتمويل التعاوني وفق مقتضيات هذا القانون ونظام تسيير منصات التمويل التعاوني. ثالثا، تأطير عمليات التمويل التعاوني من خلال تحديد آليات وشروط عرض المشاريع على منصات التمويل التعاوني والقواعد التي ينبغي احترامها علاقة بالتحقق القبلي من المشاريع المزمع تمويلها، وتأمين التحويلات، وحماية المساهمين..؛ وسقف المبالغ المسموح تجميعها لكل مشروع ولدى كل مساهم، كما تم التطرق إلى شروط وكيفيات إبرام عقود التمويل التعاوني بين حامل المشروع من جهة والمساهمين من جهة أخرى، والتزامات حامل المشروع المستفيد من التمويل، علاوة على الشروط الخاصة بكل صنف من عمليات التمويل التعاوني إما استثمار أو قرض أو تبرع، مع التقيد بالأنظمة المتعلقة بحماية الأفراد لاسيما معالجة البيانات الشخصية وكذا التشريع الجاري به العمل في مجال الصرف ومحاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال. رابع، تحديد اليات مراقبة شركات التمويل التعاوني، حيث تخضع شركات التمويل التعاوني المسيرة لمنصات التمويل من فئتي "القرض" و"التبرع" لمراقبة بنك المغرب، الذي يتحقق من احترامها لمقتضيات هذا القانون، ومناشير بنك المغرب وجميع النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة عليها، في المقابل تخضع لمراقبة الهيئة المغربية لسوق الرساميل، شركات التمويل التعاوني المسيرة لمنصات التمويل من فئة "الاستثمار". وتتحقق الهيئة من احترام هذه الشركات لمقتضيات هذا القانون، ومناشير الهيئة وجميع النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة عليها؛ كما يحدد مشروع القانون العقوبات التأديبية والزجرية في حالة مخالفة مقتضيات القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه. حسب تقديرات المتخصصين والخبراء في هذا المجال، فمن المتوقع أن يصل حجم سوق التمويل التعاوني العالمي إلى 140 مليار دولار قبل متم سنة 2022، حيث فاق حجم التمويلات 35 مليار دولار خلال سنة 2017، مقابل حوالي 1.5 مليار دولار سنة 2011. وعليه ينبغي التسريع بأجرأة هذا القانون من أجل إيجاد روافد جديدة للتمويل والانتقال إلى مصادر مبتكرة كفيلة بدعم الشباب حاملي المشاريع والمقاولات الوطنية وتأخذ بعين الاعتبار وضعية وحاجيات المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة التي لم يكن باستطاعتها الحصول على تمويلات بنكية تقليدية بفوائد مرتفعة. سيساهم التمويل التعاوني (أخذا بعين الاعتبار التجارب الدولية في هذا المجال) في تحسين زيادة مستويات الشمول المالي والرفع من ولوج الأفراد والمقاولات الصغيرة والصغير جدا للتمويل، علاوة على توجيه الادخار وتطوير الابتكارات في الخدمات المالية، مما سيسمح بضخ أموال إضافية في الدورة الاقتصادية الوطنية وإنعاش النشاط التجاري والاستثماري في مستوياته المختلفة، وإحداث فرص عمل جديدة وتمكين الشباب والنساء اقتصاديا، مما سيساهم في معالجة إحدى أوجه قصور النموذج التنموي الوطني.. *خبير اقتصادي وباحث في السياسات العمومية عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب