من أجل: "نموذج تنموي دامج يكرس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص في وضعية إعاقة " في خضم الديناميات الوطنية حول إعداد النموذج التنموي الجديد مع تعيين اللجنة الاستشارية التي أناط إليها عاهل البلاد الاشتغال على إعداد نموذج تنموي جديد يتجاوز الأعطاب التي شابت النموذج الحالي وانصراف هذه اللجنة التي أسماءً مختلفة من قطاعات الهندسة والعمل الجمعوي والتحول الرقمي والابتكار، إضافة إلى علم الاجتماع وعالم البنوك إلى البدا في تنظيم جلسات استماع واسع ومنفتح للمؤسسات والقوى الحية للأمة المتضمنة للأحزاب والنقابات والقطاع الخاص والجمعيات، في إطار روح الانفتاح والبناء المشترك، وذلك بهدف جمع مساهمات وآراء جميع الأطراف المدعوة إلى هذه العملية. مع هذا الزخم برزت تساؤلات ملحة حول موقع الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة والتكتلات الوطنية والفاعلين في مجال الإعاقة ورأيها في هذا النموذج الذي بدأت عملية بلورته، باعتبار المرحلة تاريخية سترهن لعقود زمنية مقبلة مصير ومستقبل هذه الفئة في أن تكون أو لا تكون في صلب العملية ودعا العديد من الناشطين الحقوقيين في مجال الإعاقة إلى القطع مع ردود الفعل التقليدية و الاتفاق على طرح موحد وتشكيل قوة اقتراحيه تبادر إلى مقاربة اللجنة وأشغالها والترافع حول نموذج تنموي دامج مؤسس على التضمين العرضاني لبعد الإعاقة في كافة البرامج الإنمائية، يرد الاعتبار لمواطنين في وضعية إعاقة الذين ظلوا لفترات طويلة خارج السياقات التنموية للبلد. يأتي هذا المقال إسهاما متواضعا منا في إثارة الموضوع وجعلها في صلب اهتمامات الحركة الجمعوية والحقوقية في مجال الإعاقة، بحكم ادوار المجتمع المدني وتطوره في سياق تطور المسار الديمقراطي، وتكريس دستور المملكة لسنة 2011 لآليات الديمقراطية التشاركية وتحديد معالم أدوار ووظائف الجمعيات في علاقتها بتدبير الشأن العام الوطني والمحلي. فضلا عن الأدوار الرئيسية للمجتمع المدني التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بدأ بالدور التوعوي وإذكاء الوعي من خلال تعزيز مواقف تحترم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من قبل المجتمع بما في ذلك الأسر وتشجيع الاعتراف بمهارات وكفاءات وقدرات الأشخاص في وضعية إعاقة وإسهاماتهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية وحث وسائل الإعلام على عكس صور للأشخاص في وضعية إعاقة تتفق والغرض من الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة. مرورا بالدور التشاوري الذي جاءت به الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 4 الالتزامات العامة الفقرة 3 والتي تنص على ضرورة تتشاور الدول الأطراف تشاوراً وثيقا مع الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال المنظمات التي تمثلهم، بشأن وضع وتنفيذ التشريعات والسياسات الرامية إلى تنفيذ هذه الاتفاقية، وفي عمليات صنع القرار الأخرى بشأن المسائل التي تتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، وإشراكهم فعليا في ذلك. وانتهاء بدور المجتمع المدني في الرصد والترافع حول تنفيذ الاتفاقية الدولية وفق المادة 33 منها الاتفاقية الفقرة 3 التي تلزم بإسهام المجتمع المدني، وبخاصة الأشخاص ذوو الإعاقة والمنظمات الممثلة لهم، في عملية الرصد ويشاركون فيها مشاركة كاملة. هذا وإسهاما في هذا النقاش الواجب والمأمول تجدر الإشارة إلى أن تطور مفاهيم ومقاربات الإعاقة في العالم أجمع، أفضى بالعالم إلى القطع مع اعتبار الإعاقة مشكلة صحية فردية، فالمقاربة الاجتماعية المبنية على حقوق الإنسان نقلت التركيز على الحديث أو خلال الاشتغال على الإعاقة من الفرد إلى محيطه وبيئته، وأصبحت الإعاقة تتحدد من خلال علاقة تفاعلية بين الشخص بكل خصوصياته العضوية، ومحدودية النشاط الوظيفي وبين عوامل المحيط التي قد تكون ميسرة أو حاجزة أمام المشاركة الكاملة والفعالة. ومع انخرط بلادنا في دينامية التطور مستوعبة لمختلف الأفكار والممارسات أضحت المقاربات الحقوقية التنموية اليوم تقتضي اعتبار الإعاقة قضية تندرج في صلب توجهات السياسات العمومية الوطنية والمحلية، وهو ما أكدت عليه المادة 34 من الدستور، بشكل صريح وإلزامي، من خلال حث السلطات العمومية على التخطيط القبلي لمعالجة قضايا الإعاقة في كل السياسات والمخططات والبرامج العمومية، والعمل على تفادي كل تمييز أو إقصاء على أساس الإعاقة، من شأنه المس بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. وبالنظر لما خلصت إليه هيئات عدة من كون مواطن ضعف النموذج الحالي مرتبطة بعوامل تحد من تنمية الفرد وتطوير قدراته، وتحد من المبادرة الفردية، وتهم بشكل خاص أوجه الخصاص التي تُعاني منها الخدمات العمومية، والعراقيل التي تحول دون تطور روح المقاولة، مما يعيق مساهمة المواطنين في التنمية مساهمة كاملة إضافة إلى "عدم قدرة النموذج التنموي الحالي على إشراكهم في دينامية التنمية وعلى توفير الحماية والدعم لفئات عريضة من المجتمع، لا سيما الأشخاص المعوزين والنساء وساكنة العالم القروي، والفئات الهشة والفقيرة ومن ضمنها الأشخاص في وضعية إعاقة لكون الفقر هو نتاج وسبب في علاقته بالإعاقة ولا يمكن الخروج من دائرة الفقر دون معالجة ”وضعية الإعاقة“ التي تساعد على إنتاجه وهذا معطى مسلم به على الصعيد العالمي حيث يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة واحدة من أكبر المجموعات الفقيرة في العالم، ففي غياب أي دعم من الدولة أو تغطية اجتماعية يبقى موضوع إفقار الإعاقة للأسر إحدى النتائج الوخيمة للإعاقة وأثارها على المستوى المعيشي للأسر في المجتمعات، فعلى الصعيد العالمي 80 % في المائة من الأشخاص ذوي الإعاقة يتواجدون في البلدان الفقيرة و يعيشون بأقل من أورو في اليوم، و 20% من الأشخاص الأكثر فقرا في العالم هم من ذوي الإعاقة كما أن علاقة الفقر والإعاقة تبدوا أكثر جلاء في الدراسات التي أبانت على أن 80 % من الأفراد من ذوي الإعاقة هم في حالة عطالة وأن من بين الأشخاص الذين يعيشون تحت عتبة الفقر يوجد شخص معاق 1 من 5 أشخاص فقراء هذا بدون اعتبار من يتعاملون مع الإعاقة بحكم وجود معاقين في عائلاتهم. حيث أن العبء الاجتماعي الذي تتحمله الأسرة يزيد تفاقما من مشاكلها، ويستهلك جزءا كبيرا من مداخيلها، حيث أنها لا تستطيع أن تقوم بكثير من أعبائها. أما في بلادنا تقول الأرقام الرسمية أن: 97% من الأشخاص في وضعية إعاقة لا يتوفرون على دخل 2،4% يتقاضون تعويضات أو معاش يصرف لهم بسبب وضعهم الصحي فيما %4 من الأشخاص في وضعية إعاقة يلتجئون إلى التسول ( (60000كما برهنت دراسات على أن أثر الإقصاء الاجتماعي للأشخاص المعاقين على الناتج الداخلي الخام يؤدي إلى فقدان 2% من الناتج الداخلي الخام. وبالنظر إلى كون التنمية من منظور حقوقي اجتماعي تعرف على أنها تغيير اجتماعي يستهدف الممارسات والمواقف بشكل أساس، وكما جاء في ديباجة إعلان الحق في التنمية اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 دجنبر 1986 فإن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها، وأنه يحق لكل فرد، بمقتضى أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن فيه إعمال الحقوق والحريات المبينة في هذا الإعلان إعمالا تاما، وإذ تشير إلى أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأن الإنسان هو المحور الرئيسي لعملية التنمية و ينبغي لسياسة التنمية أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها، وأن إيجاد الظروف المواتية لتنمية الشعوب والأفراد هو المسئولية الأولى لدولهم، لاكما يؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وأن تكافؤ الفرص في التنمية حق للأمم وللأفراد الذين يكونون الأمم، على السواء. فإن الأشخاص في وضعة إعاقة مع الأوضاع التي يعيشونها فان التطلعات تصبو إلى نموذج تنموي جديد دامج لكل فئات المجتمع مبني على الإشراك مؤسس على التضمين العرضاني لبعد الإعاقة في كافة البرامج الإنمائية. نموذج اجتماعي للإعاقة: وذلك عبر اعتماد النموذج الاجتماعي والوضعياتي للإعاقة وتكريس ثقافة حقوقية وخاصة ما يرتبط بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتبني مقاربة التنمية الدامجة المرتكزة على المجتمع المحلي والمبنية على مشاركة المجتمع المحلي واستشارة الأشخاص المعنيين تجسيدا لمبدأ " لا شيء علينا بدوننا". الاستفادة من تراكمات المقاربة المختصة والنهج الوسطي: والانتقال من المقاربة المختصة التي مرت بها بلادنا لعقود ولا تزال في بعض المجالات و التي تجعل الأشخاص ذوي الإعاقة وحدهم معنيين بالأنشطة / التدخلات الموجهة لهذا المجال والتي تنطلق من احتياجاتهم الخاصة مثال الترويض الطبي الوظيفي، والعلاجات الطبية والاستناد إلى ما تراكم من مرورنا لعقدين من الزمن من اعتماد النهج الوسطي، أو النهج المندمج الذي تم فيه تصميم الخدمات أو الأنشطة خصيصا للأشخاص ذوي الإعاقة مع دمجها في مرافق عامة عادية مثل قسم مدمج في مدرسة عمومية المكان مشترك لكن في فضاء خاص مع أستاذ خاص . الانتقال إلى التنمية الدامجة: من أجل الانتقال التام إلى إرساء أسس "التنمية الدامجة" التي يلجا فيها الأشخاص ذوي الإعاقة إلى نفس الأنشطة التي يلج إليها أعضاء المجتمع الآخرين، والتي يتم تكييفها فحسب دون أن تكون مخصصة لهم بالضرورة أو مصممة لهم بل منجزة معهم لذا فان مقومات سياسة ناجعة وذات وقع ايجابي ملموس في المعيش اليومي للأشخاص في وضعية إعاقة تحتم تسطير سياسات مندمجة وعرضانية في كل الاستراتيجيات القطاعية مع ما يقتضيه الالتقائية والتعاون بين القطاعات المختلفة محليا وجهويا ومركزيا. بغية توفير الآليات والأساليب الملائمة لكل فرد مهما كانت وضعيته للحصول على فرص متساوية ومتكافئة، وتوفير الظروف المناسبة للأفراد حتى يتمكنوا من رفع إنتاجيتهم في اتجاه عدالة اجتماعية يتساوى فيها الأفراد في الحصول على نفس الفرص في المشاركة والاستفادة في ألان نفسه من تنمية مستدامة بحس تمكيني للمواطنين يوفر لهم ويكسبهم الوسائل الثقافية والتعليمية والمادية التي تمكنهم من المشاركة في اتخاذ القرار والمساهمة في التحكم في الموارد التي تعنيهم. مداخل نحو تنمية دامجة للإعاقة: العمل بمقاربة مزدوجة: من خلال عمل موازي على واجهتين: تهييئ المجتمع لتفادي المعيقات الإقصائية (الدمج العرضاني) من جهة والعمل مع الأفراد والمجموعات المهمشة المقصية لتقوية قدراتها ودعمها لتصبح فاعلة ومشاركة فيه من جهة أخرى. التشريع ملائمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية تفعيل القوانين لتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. سياسات عمومية مندمجة سياسة مندمجة دامجة لبعد الإعاقة في كل الاستراتيجيات القطاعية تفعيل السياسة العمومية المندمجة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة "2015". تكوين الموارد البشرية في مجال الإعاقة: وتكوين الموارد البشرية ذات التخصصات المختلفة واللازمة لتفعيل هذه السياسات على ارض الواقع. تعليم دامج مجاني ذو جودة: تربية دامجة للأشخاص في وضعية إعاقة تُعنى بحاجيات مختلف المتعلمين جوهرها حقهم في التعليم من خلال الرفع من مشاركتهم في التعلمات محاربة الإقصاء والاستجابة للحاجيات الفردية في مدرسة من منظور كونها مكانا للانفتاح والتواصل الاجتماعي تشكل رافدا لهدف أكثر شمولية يصبو لمجتمع دامج. الولوج لحق التشغيل: وإعمال حقهم في العمل وكسب الرزق بالمشاركة في سوق للعمل وفي بيئة عمل منفتحة وشاملة يسهل النفاذ إليها، وبما يشمل أولئك الذين يتعرضون لإعاقة في مسار عملهم كما ورد في المادة 27 من نفس الاتفاقية. خدمات الدعم التقني: هي التي تسهم إسهاماً مباشراً في تخطي الحواجز وتعزيز مشاركة الأشخاص في وضعية إعاقة. الخدمات المتخصصة إن لزم: والتي إما تمهد للدمج أو تكون بديلاً مرحليا عنه حين يصعب دمج حالات معينة في المجتمع لكن، يفترض بها أن تسعى دوماً وراء تحقيق الدمج لا الانعزال والحماية دون سواها. تقليص الفقر في أوساط الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم من خلال: الدعم الاجتماعي للفئات الأكثر فقرا وهشاشة: لكون الفقر هو نتاج وسبب في علاقته بالإعاقة فانه لا يمكن الخروج من دائرة الفقر دون معالجة "وضعية الإعاقة" التي تساعد على إنتاجه وهذا معطى مسلم به على الصعيد العالمي حيث يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة واحدة من أكبر المجموعات الفقيرة في العالم، ففي غياب أي دعم من الدولة أو تغطية اجتماعية يبقى موضوع إفقار الإعاقة للأسر إحدى النتائج الوخيمة للإعاقة وأثارها على المستوى المعيشي للأسر في المجتمعات، ما يستلزم توفير دعم اجتماعي مباشر للأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم. الحماية الاجتماعية: تنفيذا للمادة 28 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنص على حق هؤلاء في مستوى معيشي لائق وفي الحماية الاجتماعية. المجتمع الدامج: الذي يوفر فرص متساوية لجميع أعضاءه للمشاركة والمساهمة في تنميته، ويضمن أن تكون كل خدماته الاجتماعية متاحة وقابلة لاستخدام جميع أعضاءه من خلال إزالة الحواجز البيئية، الثقافية، الاجتماعية والمعلوماتية المبنية على الاتجاهات (التي يمكن أن تمنع الأشخاص في وضعية إعاقة من المشاركة)، بالإضافة إلى توفير خدمات انشطة تهدف لمساندة ودعم مشاركة الأشخاص في وضعية إعاقة. التشاور والتواصل والإشراك: مشاركة المجتمع المحلي واستشارة الأشخاص المعنيين "لا شيء علينا بدوننا" وتكريس ثقافة التعاون والعمل والإصغاء والتواصل في إطار تشبيك بين كل المتدخلين ومراعاة حق المعنيين في إبداء الرأي والتشاور والتواصل معهم إذ لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة دون مشاركة المجموعات المهمشة كأفراد وكتمثيليات تنظيمية يجب إعدادها لهذه المشاركة من خلال إذكاء الوعي لدى المعنيين وأصحاب القضية والمجتمعات المحلية، والسير بجهود كافة الفاعلين الحكوميين نحو إقرار حقوق الأشخاص وضعية إعاقة، والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية وتجسيد روح التنمية الدامجة وفلسفتها في صلب النموذج التنموي الجديد. *ناشط حقوقي في مجال الإعاقة