يبدو أن وعود الحكومة بشأن تعميم نظام التأمين الإجباري عن المرض ليشمل فئات واسعة تُواجه العديد من العراقيل بسبب الاختلالات التي رُصدت في هذا النظام. وأسندت الحكومة من خلال مدونة التغطية الصحية الأساسية مهمة تدبير النظام الإجباري عن المرض إلى كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة لأجراء ومتقاعدي القطاع الخاص، والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي لموظفي ومتقاعدي القطاع العام، والوكالة الوطنية للتأمين الصحي. وبلغ عدد المستفيدين من النظام الإجباري عن المرض مع نهاية سنة 2018 حوالي 10.06 ملايين مستفيد، بإجمالي نفقات تهم الخدمات والأعمال الطبية قدرها 8.98 مليار درهم. لكن من خلال مهمتين رقابيتين أنجزهما المجلس الأعلى للحسابات على هذا النظام، تبين أن تفعيل كل مكونات التأمين الإجباري عن المرض الذي وعدت به الحكومة استغرق وقتا طويلا، بالإضافة إلى أن تدبيره يعاني من مجموعة من الاختلالات المتعلقة بالحكامة وتغطية نفقات خدمات العلاج والتوازن المالي. وبالنسبة لحكامة المخطط فإن "الإطار القانوني للنظام يبقى غير مكتمل، إذ لم يتم بعد إصدار مجموعة من النصوص التنظيمية اللازمة لتفعيل مقتضيات القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، رغم مرور أزيد من 14 سنة عن صدورها، وهو ما أثر سلبا على تدبير هذا النظام بشكل سليم". وتشير المعطيات ذاتها إلى أن ما يناهز 900 ألف شخص، إلى حدود سنة 2017، لازالوا تابعين لأنظمة خاصة، ولم يلتحقوا بعد بمنظومة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، منهم 640.000 في القطاع الخاص والباقون يعملون في 32 مؤسسة عمومية. خلاصات المهمتين الرقابيتين التي قدمها رئيس المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان كشفت أن التعريفة المرجعية الوطنية "لم تخضع لأي مراجعة منذ انطلاق نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض سنة 2006، وبالتالي فإنها أصبحت متجاوزة وغير ملزمة بالنسبة لمنتجي الخدمات الطبية الذين يطبقون أسعارا تتجاوز بكثير مستويات التعريفة المرجعية الوطنية". وتعتري نظام التأمين الإجباري عن المرض في المغرب اختلالات مرتبطة بتغطية النفقات الطبية للمنخرطين، إذ إن الوضع الحالي للنظام "لا يتيح تسديد المصاريف المرتبطة بأهم المستجدات في مجال الخدمات والمستلزمات الطبية، نظرا لعدم مواكبة التطور المستمر للعلوم الطبية ولعدم تحيين مصنفات الأعمال الطبية". وتهدد التوازنات المالية أيضا منظومة التغطية الصحية حسب المجلس الأعلى للحسابات، الذي سجل في هذا الجانب أن الوضعية المالية لنظام التأمين لفائدة أجراء القطاع الخاص حافظت على التوازن طيلة الفترة الممتدة ما بين 2006 و2018، إلا أن هذا الوضع يمكن أن يتغير خلال السنوات المقبلة نتيجة تنامي استهلاك العلاجات والخدمات الطبية والرفع المرتقب لمستويات التعريفة المرجعية الوطنية. وسجل النظام المتعلق بموظفي القطاع العام تدهورا مستمرا خلال الفترة 2009 -2018، إذ سُجل سنة 2016 أول عجز تقني، بلغ ما يناهز 273 مليون درهم في 2018، حسب المصدر ذاته. وتعزى هذه الوضعية أساسا إلى ضعف تطور المداخيل، وكذا إلى عدة عوامل، منها عدم مراجعة نسبة الاشتراكات منذ 14 سنة، إذ بقيت هذه النسبة في حدود 5 في المائة من الأجر الشهري للموظفين النشيطين تؤدى مناصفة بين الموظف والمشغل، ووضع سقف لمبلغ الاشتراك في حدود 400 درهم في الشهر كيفما كان مستوى الأجر. وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بتطوير نظام الصحة الوقائية من أجل تقليل الإصابات بالأمراض المزمنة والمكلفة، وتطوير العرض الصحي العمومي وتحسين جاذبيته عن طريق تجويد الخدمات الصحية المقدمة من طرف المستشفيات العمومية.