بين الماضي والحاضر، يسيرُ التّاريخ بخطى وطيدة دونما اكتراث لكثيرٍ من التّفاصيل التي يطالها التّغيير على مستوى الكثير من الجوانب، وفق واقع الانتقال من الأسوأ إلى الأفضل، أو من الأفضل إلى الأسوأ؛ هكذا قضى قانونُ التغيّر بتحوّل مجدِ الكرة النّاظورية من مراحل ازدهارها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي إلى مهاوي انحطاطها في الألفية الثّالثة. انطفاءُ وهج وغيابُ دعم انطفأ وهجُ الكرةِ النّاظورية في صمتٍ بئيس، تاركةً وراءها علامات استفهام مُعلّقة على مشجبِ المسؤولين الذين جرفتهم تيّارات السّياسة بعيدًا عن انشغالات الرّياضة، لتظلَّ الفرقُ الرّياضية تصارع وحدها على رقعة الملعبِ، وحولها أيادٍ قليلة لا يكاد يتجاوز صداها أكثر من حدود التّصفيق؛ ذلكَ التّصفيق العاجز عن أن يبني ملعبًا لائقا بتدريبات الفرق، ولا أن يساهم في تكاليف تنقّلات اللاعبين إلى أقرب مدينة لخوض المباريات، ولا أن يدفع الرّواتب ويوفّر التّجهيزات... إنّه مجرّد تصفيق ينبعث من عاطفة جماهيرية ما زالت أحلامها تنبضُ أملًا بعودةِ مجدٍ غابر! وطالما اشتكت الفرق الرياضية بالمدينة من غياب الدّعم، رغم المكانة الاقتصادية للمدينة، غير أنّ الوضع يظلّ على ما هو عليه، وتستمرّ سياسة الإقصاء من طرف المسؤولين الذين أعربوا في أكثر من مناسبةٍ عن أن الرّياضة فعلًا لا تعنيهم بقدر ما يعنيهم مجالٌ واحد هو السّياسة! مباريات بنكهة الصّمت يبدو الحديث عن كرة القدم في النّاظور خافتًا، ولا تفصح عنهُ إلّا حناجرُ ما زالت تراودها آمال استرجاع الأيام المجيدة؛ فتراها لا تخلِف أيّ موعدٍ كرويّ يأويه ملعب مهترئ لا يستجيب لأدنى شروط رياضة كرة القدم في حجم مدينة مثل النّاظور. وبالأمس كانت المدينة تغرقُ في صخب وضجيج لا يهدآن طيلة موعد المباراة من الصّباح إلى المساء، يسارع عشاق السّاحرة المستديرة باكرًا لملء المدرّجات عن آخرها، والذين لم يحالفهم الحظّ، أو تأخّروا عن موعد المباراة، يتسابقون لولوج الملعب من أجل نيل مكان مهما كان ضيّقا لمتابعة المباراة، حتّى وإن كان فوق أسوار الملعب! اليوم، لا يكاد يعرف أيّ مواطن ناظوريّ أن أحد فرق المدينة على موعد مع مباراة رياضية، سواءً كانت عادية أو حاسمة، فالمدينة هادئة تمامًا وسكانها منخرطون في انشغالاتهم اليومية. وحده الملعب يشهد الحدث الرّياضي في صمت! ملعب مهترئ وتدريبات مُعلّقة طالبَ المجتمع المدني في النّاظور أكثر من مرّة بتوفير ملعب لائق برياضة كرة القدم، لكن الملعب البلدي الذي ورثته الفرق الرّياضية منذ سنوات غابرة ما زال على حاله، ولا تكاد أشغال التّهيئة التي تطاله تتجاوز بعضَ اللّمسات الطّفيفة التي سرعان ما تكشفُ عن عورتها الأمطارُ في فصل الشّتاء، لتعود الحالة المهترئة إلى الملعب حارمة الفرق من التّدريبات وأحيانا من خوض المباريات. ويشكّل غياب ملعبٍ لائق أكبر تحدٍّ أمام الكرة النّاظورية؛ إذ يتعذّر أحيانًا، حين يكون الملعب غيرَ مؤهّل، خوض تداريب استعدادية في عزّ منافسات البطولات. وأمام غياب المرافق العمومية البديلة، تستسلم الفرق للواقع المرّ، فتضيع التّدريبات ويؤثّر ذلك سلبًا على مستوى اللاعبين وأيضا على حماسهم واستعدادهم النّفسي. الرّياضة بالنّاظور وأولوليات المسؤولين يقول منعم شوقي، الرّئيس السّابق لفريق هلال النّاظور: "حينما نتحدث عن واقع الرياضة بالناظور، فإنه من الواجب علينا أن نعي بأننا نتحدث عن مجال شبه ميت، أو بالأصح هو في طريقه إلى الاندثار. الرياضة بمفهومها الحقيقي لا وجود لها بالناظور، وليست من أولويات مسؤولي الشأن العام، سواء محليا أو جهويا أو حتى وطنيا. لا أحد منهم يبادر من أجل بناء مرافق رياضية، ولا إلى دعم بعض الفرق التي تمارس في ظروف أقل ما يمكن القول عنها إنها كارثية". وحمّل المتحدّث مسؤولية الأوضاع الكارثية التي آلت إليها الكرة النّاظورية إلى المسؤولين والمؤسّسات، مبرزًا أن "مختلف الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي تعيش من خير الناظور لا تكلف نفسها عناء المساهمة ولو بنسبة هزيلة من مداخيلها لفائدة الرياضة المحلية". وتابعَ شوقي قائلا: "لقد كان للناظور في سنوات الستينات مركب رياضي لكرة القدم يضاهي أضخم المنشآت على الصعيد الوطني، واليوم أصبحنا نمارس في ملاعب أشبه بإسطبلات متسخة يندى لها الجبين. مرة أخرى أؤكد أن الرياضة بالناظور لن تستعيد جزءا من توهجها إلا بتولد الرغبة الأكيدة لدى المسؤولين من أجل الانخراط الجدي والفعال في تسطير برامج حقيقية تنشد التنمية الرياضية. أما بقاء الحال على ما هو، فهو إنذار بقرب وفاة الرياضة والرياضيين وتشييع هذا المجال إلى مثواه الأخير". العصر الذهبي لكرة القدم الناظورية تحدّث شوقي عن مجدِ كرة القدم النّاظورية بحسرة قائلا: "كرة القدم بالناظور لها تاريخ عريق ومتجذر من فترة قبل الاستقلال. فهلال الناظور مثلا تأسس في سنة 1956، بل إن ممارسته الحقيقية بدأت قبل هذا العام بسنوات عديدة. شباب اليوم مازال يحفظ أسماء مشاهير تلك الفترة بامتياز، فلا أحد سينسى نجوما مثل خينتو والبكاي وزاكالو والروبيو وسلام وغيرهم. لقد كان عصرا ذهبيا لكرة القدم الناظورية حيث كانت الجهود متكاثفة بين الجميع من أجل جعل الرياضة واجهة اقتصادية واجتماعية وسياحية رائدة". وتابع قائلا: "حتى الأنواع الرياضية الأخرى عرفت إبانها إشعاعا واضحا؛ يكفينا تذكر عائلة علال في سباق الدراجات والأخوين أعراج في التكواندو وميمون مختار بطل إفريقيا في الملاكمة، والعديد من الرياضيين في شتى المجالات. كل هذا التألق بدأ يندثر تدريجيا بعدما تعاقبت على المسؤولية مجالس غيبت الرياضة من برامجها ومخططاتها، حتى بعض المواهب التي يتم اكتشافها بين الفينة والأخرى لا تلبث أن تبحث عن سبيل للهجرة إلى الخارج طمعا في مستقبل أفضل". التنافسية والظّروف المواتية وعلّق البشير الرمضاني، رئيس فريق فتح النّاظور، قائلًا إن "الكثير من الأمور تغيّرت مقارنة مع ما كانت عليه من قبل، وأهمّ ما تغيّر هو البنية التّحتية وملاعب كرة القدم ومدارس التّكوين وهيئات اكتشاف المواهب". وأشار البشير إلى أن "النّاظور أصبح معزولا في مجال كرة القدم لعدّة أسباب؛ أهمها التّهميش والإقصاء واللامبالاة، وغياب رجال سياسة فاعلين في المجال من شأنهم أن يدافعوا عن الرّياضة في المدينة. وقال المتحدّث إنه من الصعب جدّا أن تزاول الفرق الكروية بالمدينة الرّياضة في ظلّ بنى تحتية مهترئة، إضافة إلى غياب الدّعم الذي يغطّي مصاريف التنقّلات وتسديد رواتب اللّاعبين وشراء المستلزمات الرّياضية. وأبرز البشير أنّ "الظروف حين كانت ملائمة سابقًا استطاع فريق الفتح النّاظوري أن يتنافس في القسم الثّاني بشدّة، وحقّق نتائج إيجابية قابلها رضى الجماهير وحماسهم وتفاعلهم مع كرة القدم، لكن في ظلّ تغير الظّروف على كافة المستويات وغياب الاهتمام العام بالكرة في المدينة، حصد الفريق نتائج سلبية أسقطته من القسم الثّاني إلى قسم الهواة، وهكذا غاب إشعاع كرة القدم في النّاظور". تاريخ الكرة النّاظور بين أربع حقبٍ عبد اللطيف لمزرع، رئيس فريق هلال الناظور لكرة القدم، تحدّث عن تاريخ الكرة النّاظورية مقسّما إياه إلى أربع حقب؛ "الحقبة الأولى هي حقبة التأسيس ما بعد الاستقلال في الستينات والسبعينات، ثم الحقبة الذهبية في الكرة الناظورية، خاصة مع هلال الناظور في الثمانينات التي تنافس فيها الفريق في القسم الوطني الأول، ثم الحقبة الثالثة وهي حقبة التسعينات التي تميّزت بمد وجزر، والحقبة الرّابعة التي شهدت فيها الكرة الناظورية تدهورًا كبيرا". وأضاف لمزرع قائلا: "في هذه الفترة التي تدهورت فيها كرة القدم الناظورية، عرفت فرق المدن المجاورة ازدهارًا كبيرا بتنافسها في القسم الأول، كمولودية وجدة ونهضة بركان وشباب الريف الحسيمي، وهذا ما يجعلنا نطرح سؤالا جوهريا، لماذا ظلت الكرة الناظورية استثناء في الوقت الذين تطورت فيه كرة القدم في المدن المجاورة؟". وأجاب عن سؤاله بالقول: "نستحضر هنا خاصّةً التّدبير السياسي باعتباره سببًا مباشرًا في ازدهار أو تدهور كرة القدم، وهذا ما تزكّيه تجارب كلّ من وجدةوبركان والحسيمة... فمدينة النّاظور يغيب عنها تدبير سياسي للرّياضة، وبالتّالي تظلّ في تراجع مستمرّ كما هو الحال في الوقت الراهن". وحمّل المتحدّث المسؤولية ل"جميع الأطراف، سواء المكاتب المسيرة التي أشرفتْ على تسيير فريق هلال الناظور أو المجالس المنتخبة أو السلطات، فالمكاتب المسيرة كانت تفتقد إلى استراتيجية واضحة في سياسة التدبير، وفي الوقت نفسه لم تكن لدى السلطات والمجالس المنتخبة أية رغبة في تنمية كرة القدم على وجه الخصوص". غياب الثقافة الرّياضية أرجع سليمان أزواغ، رئيس فريق هلال الناظور لكرة اليد، تدهور الرّياضة الناظورية بصفة عامة إلى غياب ثقافة الرّياضة عند جميع الأطراف؛ "ذلك أنّ الكل لا يعي ولا يقدّر قيمة الرّياضة، وبالتّالي ينجذب نحو الاهتمام بمجالات أخرى تحقّق مصالحه أكثر". وأكّد المتحدّث أن الرياضة تتطلب ملاعب رياضية ومرافق عمومية وفضاءات استقبال من أجل صناعة المواهب الرّياضية واستثمارها. كما حمّل أزواغ المسؤولية للسّلطات المحلية والهيئات المنتخبة "لعدم انفتاحها وتواصلها مع المسيّرين الرّياضيين في شتى أنواع الرّياضات". وأبرز أن "هذه الهيئات، خصوصا المجلس الإقليمي، يغلب عليها الطابع السياسوي في إطار توزيع المنح على جمعيات لا علاقة لها بالرياضة، وبالتّالي تهميش المُستحقّين لها وإقصاؤهم، وهذا يعتبر طامة كبرى لعدم تدخل السلطات المختصة من أجل وقف هذا النزيف الخطير الذي يمس بمصداقة مؤسّسات الدولة".