لماذا تم السماح للطائرة الأوكرانية، التي أسقطتها القوات الإيرانية بطريق الخطأ قرب طهران الأسبوع الماضي، بالإقلاع من بلد انطلقت منه صواريخ قبل ذلك بقليل صوب بلد مجاور؟ ولماذا لم تؤجل شركة الطيران الرحلة أو تلغيها؟ الإجابة، باختصار، هي أنه على الرغم من مرور قرن من الزمان على حركة السفر الدولي جوا؛ فلم يتم إبرام اتفاق دولي يحدد كيفية وتوقيتات إغلاق المجال الجوي، ولأن شركات الطيران تضطر في كثير من الأحيان للاعتماد على تقييمها الناقص في بعض الأحيان في البت في الأمر بنفسها. وعلى الرغم من عالمية السفر جوا واسترشاد القائمين عليه بسلاسل من البيانات الإلكترونية الفورية، فلا يزال التحكم في المجال الجوي لدولة ما مسألة محلية تخضع لتقلبات السياسة. وكانت إيران نفسها عاشت مأساة مماثلة في 1988، عندما أسقطت السفينة الحربية الأمريكية فينسنز طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الإيرانية. كما أن أوكرانيا عايشت هذه المشكلة، منذ إسقاط طائرة ماليزية فوق أراض تخضع لسيطرة متمردين موالين لروسيا في شرق أوكرانيا أثناء طيرانها من أمستردام إلى كوالالمبور. وكان ذلك الحادث دفع المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو)، التابعة للأمم المتحدة، إلى إنشاء موقع لشركات الطيران خاص بمناطق الصراع. وعلى الرغم من مصرع 298 شخصا تعثر المشروع بعد أن رأت فيه بعض الدول خطرا على سيادتها وطالبت بفترة تبلغ 72 ساعة للرد الأمر الذي جعل المشروع غير ذي جدوى. غياب الثقة ليست هذه الحساسيات بالأمر الجديد. في 1985 أعلن العراق أن المجال الجوي الإيراني غير متاح أمام حركة الطيران المدني؛ لكن إيرانوالعراق كانا في حالة حرب، وأثارت تلك الخطوة جدلا شديدا في المنظمة الدولية. وفي 2015، حاولت هولندا، موطن ثلثي ركاب الطائرة الماليزية المنكوبة، حمل إيكاو على الأقل على تفصيل المعايير التي يجب على أساسها إغلاق المجال الجوي. ولم يتم تطبيق هذه التغييرات. ومنذ مقتل 290 شخصا على متن رحلة الخطوط الجوية الإيرانية 655 سقط أكثر من 750 قتيلا آخرين في مختلف أنحاء العالم في هجمات على أشكال مختلفة من الطيران المدني، وفقا لبيانات فلايت سيفتي فاونديشن. وأفاد تقرير من مجلس السلامة الهولندي، العام الماضي، بإن "الممارسات تبين أن الدول التي تشهد صراعا مسلحا مستمرا لن تنفذ القيود على مجالها الجوي من تلقاء نفسها". وقال قائد إيراني، يوم السبت، إن الجيش الإيراني، الذي صدرت له الأوامر بالرد على القوات الأمريكية في العراق لمقتل قائد إيراني كبير في هجوم أمريكي بطائرة مسيرة، طلب فرض حظر طيران في منطقة طهران؛ لكن طلبه قوبل بالرفض. ولم يذكر السبب أو الطرف الذي رفض الطلب. ولم تعلق إيران على قرارها إبقاء مطار طهران مفتوحا. ويلقي كل ذلك بالعبء على شركات الطيران والسلطات التنظيمية في تقدير المخاطر. ومع ذلك، فكل منها يعتمد على معلومات مختلفة ربما تكون غير كاملة كما أنه ليس كل السلطات التنظيمية لديها صلاحيات واحدة في منع شركات الطيران التي تعمل في ظل ضغوط المنافسة الشديدة من تسيير طائراتها عبر مناطق الصراع. بين الشرق والغرب كشفت الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية أنها لم تتلق تحذيرا من طهران قبل إقلاع طائرتها، ولم يكن لديها أي سبب يدعوها إلى منع الطائرة من الإقلاع. وقال موقع فلايت رادار24 إن الطائرة الأوكرانية كانت العاشرة التي أقلعت من مطار طهران صباح ذلك اليوم. وحتى وسط الصراعات في الشرق الأوسط، تعد سماوات المنطقة ضرورية على نحو متزايد كطريق بين الشرق والغرب في وقت تواجه فيه شركات الطيران ضغوطا بيئية واقتصادية متنامية لتوفير الوقود باستخدام أقصر المسارات. وقال رون بارتش، رئيس قسم السلامة السابق لشركة طيران كانتاس، إن شركات الطيران نادرا ما ترغب في تعديل المسارات لمسافات كبيرة بسبب التكلفة. بدورها أشارت الرابطة الدولية للنقل الجوي (إياتا) إلى أنه بعد ثلاثة أيام من الضربة الجوية الأمريكية التي قتل فيها القائد الإيراني قاسم سليماني، وبعد يوم من الضربات الانتقامية الإيرانية حلقت طائرات في نحو 1000 رحلة جوية فوق إيرانوالعراق؛ غير أنه لم يكن أي منها أمريكي. وكانت إدارة الطيران الاتحادية الأمريكية قد حظرت على شركات الطيران الأمريكية استخدام المجال الجوي الإيراني، بعد أن أسقطت إيران طائرة مسيرة أمريكية على ارتفاع عال في يونيو الماضي؛ لكن شركات أخرى لها تقييم مختلف للمخاطر. وقالت "إياتا"، التي تمثل شركات الطيران العالمية، إنها ستعمل على تحسين تلك التقييمات، بينما ذكر مصدر مطلع على المسألة أن منظمة "إيكاو" تبحث عن سبل لمساعدة دول في تحسين الاتصالات بين السلطات المدنية والجيوش. *رويترز