لا حديث يعلو هذه الأيام عن الأمير البريطاني هاري وزوجته ميغان ماركل بعدما قررا التخلي عن مهامهما الملكية في بريطانيا، وتحقيق الاستقلال عن العائلة والعيش بين لندنوكندا. ووافقت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية على قرار حفيدها الأمير هاري وزوجته بعد أن اجتمعت مع كبار أفراد العائلة الملكية الإثنين الماضي، بمقر إقامتها الخاص في ساندرينغهام شرق إنكلترا. وقالت الملكة في بيان لها إنها وافقت على طلب الأمير، مشيرةً إلى أنها "كانت تفضل أن يظلا عضوين عاملين في العائلة الملكية طوال الوقت"، قبل أن تضيف: "إننا نحترم ونتفهم رغبتهما في أن يعيشا حياة أكثر استقلالية كأسرة مع بقائهما جزءاً له وَقاره في عائلتي". بلاغ الملكة أوضح أنه ستكون هناك فترة انتقالية يقضي خلالها الزوجان الوقت بين بريطانياوكندا، مشيرةً إلى وجود حاجة للقيام بمزيد من العمل بخصوص إنهاء الترتيبات المستقبلية للزوجين. ومؤخراً أمضى الأمير هاري وميغان ستة أسابيع في جزيرة فانكوفر بكندا خلال عطلة أعياد الميلاد، وعادا إلى بريطانيا ليُعلنا قرارهما المفاجئ، وبعد ذلك عادت ميغان إلى كندا، حيث بقي ابنهما أرتشي مع مُربية. وتسبب قرار الزوجين في موجة احتجاجات في وسائل الإعلام البريطانية، التي تُولي أهمية كبرى ومتابعة حثيثة لأخبار أفراد العائلة الملكية، في حين ذهب بعض الصحافة إلى اتهام الأمير وزوجته الأمريكية بالأنانية. وأوردت عدد من الأخبار أن الزوجين قاما بتسجيل علامة تجارية باسم SussexRoyal في مكتب الملكية الفكرية بالمملكة المتحدة، ليكون لهما الحق في استعمالها في مُنتجات، وهو ما يرجح تخطيطهما للاستفادة من لقبهما الملكي لبدء أعمال تجارية تُحقق لهما استقلالية مادية. العيش في كندا لكن ماذا يعني قرار الزوجين الانتقال إلى كندا، التي تعتبر الجدة إليزابيث ملكة لها؟ وهل ستكون هناك مخاطر أو عراقيل بخصوص هذه الوضعية بالنسبة لحكومة ترودو؟ وهل يمكن للأمير هاري أن يتمتع بحقوق وامتيازات خاصة في هذا البلد كعضو من العائلة الملكية؟. حاول الصحافي إفان ديير بسط السيناريوهات المطروحة في الأسئلة سالفة الذكر في الموقع الإخباري الكندي CBC، حيث نقل عن فيليب لاكاس، رئيس كرسي العلاقات الدولية بمدرسة نورمان باترسون بجامعة كارلتون قوله: "إذا أراد هاري عيش حياته كعامة الشعب فيمكنه ذلك في كندا. في أستراليا ونيوزيلندا سيظل لهاري وضع مُعين على أساس قانوني باعتباره يُوجد ضمن خط خلافة العرش إلى الأسترالي والنيوزيلندي، لكن في كندا لا". ويشير الخبير لاكاس إلى أن كندا حالة شاذة ضمن الدول الرئيسية الأربع في نظام وستمنستر، وأضاف: "نحن الوحيدون الذين لا يتوفرون على قانون للخلافة الملكية ضمن بلدان المملكة المتحدةوأستراليا ونيوزيلندا وكندا". وحسب لاكاس فإن وضعية كندا ضمن هذا النظام جاءت نتيجة تغييرات أجرتها حكومة هاربر سنة 2013. وإلى حدود تلك السنة كانت لدى كندا قوانين خلافة خاصة بها، لكن عندما قام البريطانيون بتحديث قانونهم، لم تحذو كندا حذوهم بسبب النفور الدائم من إعادة فتح الدستور، أي تعديله. ورغم أن الملكة إليزابيث الثانية تحظى بمكانة في كندا (فهي ملكة لكندا ولديها ممثل فيها يسمى الحاكم العام)، إلا أن حفيدها ربما لن يكون قادراً على المطالبة بالجنسية من خلالها، حسب تصريحات الخبير الكندي في نظام وستمنستر، وهو نظام معمول به في دول الكومنولث، أو ما تسمى رابطة الشعوب البريطانية، أي الدول التي كانت تستعمرها الإمبراطورية البريطانية. وأضاف لاكاس: "الملكة إليزابيث الثانية ليست مواطنة كندية، وليست مواطنة في المملكة المتحدة أيضاً، إنها ليست مواطنة في أي بلد لأنها تجسيد للدولة، وبسبب هذا الوضع من المحتمل أن يخضع هاري لإجراءات الهجرة الاعتيادية". وبالنظر إلى أن هاري ليس له وضع قانوني خاص في كندا، يتساءل الموقع الكندي CBC: "هل عليه التقدم بطلب للحصول على تأشيرة للعيش أو العمل هنا كمواطن عادي من المملكة المتحدة؟"، وهو ما يُجيب عنه دوري جاد، رئيس الجمعية الكندية لمستشاري الهجرة، بالقول إن "هاري وميغان لديهما ثروة تُمكنهما من مغادرة كندا كل ستة أشهر، وفي هذه الحالة لن يحتاجا إلى تأشيرات على الإطلاق". وأضاف جاد في تصريح للموقع الكندي: "ميغان عاشت وعملت في كندا لسنوات عديدة، حيث كانت في تورنتو حين اشتغلت كممثلة في المسلسل التلفزيوني Suits وقد يكون لديها بالفعل تصريح عمل أو إقامة دائمة أو حتى جنسية.. وإذا أرادا الاستقرار في كندا بشكل رسمي ستكون أمامهما خيارات عدة". ويأتي عدد كبير من المهاجرين إلى كندا من خلال برنامج Express Entry للعُمال المَهَرة. ويتطلب هذا البرنامج جملة من المهارات ومستوى محددا من التعليم واللغات التي تحتاجها كندا، مع تخصيص نقاط لمختلف المؤهلات والخصائص. لكن النظام سالف الذكر يُعطي الأفضلية لأولئك الذين يتوفرون على مستويات أعلى من التعليم. ويبدو أن هذا الأمر يسير ضد هاري الذي ليست لديه أي شهادة جامعية، حسب CBC الكندي. المال يفتح الأبواب لكن رئيس الجمعية الكندية لمستشاري الهجرة يشير إلى أنه من غير المحتمل أن يدخل الأشخاص الأثرياء مثل هاري إلى كندا عبر برنامج Express Entry لأن لديهم المال ليصلوا إلى خيارات أخرى. ويورد جاد: "إذا كان الزوجان على استعداد لاستثمار جزء من ثروتهما المقدرة بعشرات الملايين من الدولارات في كندا من المحتمل أن يكونا مؤهلين للحصول على تأشيرة من فئة رجال الأعمال / المستثمرين". ويَأتي الأثرياء كثيراً إلى كندا لإطلاق مشاريع تجارية جديدة بموجب تصريح عمل ثم يُحولونه إلى إقامة دائمة، وبذلك لن يستغرق الحصول على أوراق وقتاً طويلاً، إذ قد يقل عن 12 شهراً، ويُمكن حتى قبل الحصول على ذلك البدء في العمل. وفي نظر زول سليمان، مُحامي الهجرة في فانكوفر، فإن أراد هاري وميغان تجاوز المساطر العادية في ما يخص الهجرة فيُمكنهما استغلال علاقاتهم الملكية، ويقول: "في نظامنا للهجرة هناك هامش كبيرة من السلطة التقديرية، وسواء كان الشخص يتوفر على نقاط أم لا يُمكن لوزير الهجرة السماح له بالعيش في كندا". وعندما يتعلق الأمر بالأثرياء ومن لهم علاقات تُصبح الأمور في التعامل معهم مُتَّسِمة بالهدوء والدبلوماسية. لكن ورغم ذلك قد يكون أي تدخل في هذا الصدد محفوفاً بالمخاطر من الناحية السياسية، لأن الناس في أي بلد يكونون حساسين جداً تُجاه من يقفزون على طوابير الهجرة. ويتساءل الأستاذ الجامعي لاكاس: "على أي أساس سنمنح الجنسية لأثرياء بشكل مستقل أو عبر مسطرة مُسرعة في وقت يحاول ملايين الأشخاص القيام بذلك ويتعين عليهم المرور بإجراءات طويلة؟". عراقيل محتملة في استطلاع نشرته الصحيفة الكندية ناشيونال بوست، بدا أن العديد من الكنديين يدعمون تعيين هاري في منصب الحاكم العام، وهو منصب اتحادي (تشغله حالياً جولي بايت) يقوم بدور مُمثل للملكية في كندا، أي الملكة إليزابيث الثانية، باعتبارها ملكة لخمس عشرة دولة ضمن الكومنولث والمقاطعات العشر لكندا. لكن الرأي العام الكندي حول الملكية كثيراً ما يُصبح غاضباً حين تظهر الفواتير إلى العلن. ومن الناحية التاريخية هناك استعداد أقل من طرف الكنديين لتغطية وتحمل نفقات أسرة هي في الأصل غنية. وحين يأتي أفراد العائلة المالكة إلى كندا في مهمة رسمية، يقوم دافعو الضرائب الكنديون بتغطية التكاليف. وقد كلفت الزيارة التي استغرقت تسعة أيام سنة 2011 من قبل الأمير وليام وكيت في المتوسط 133 ألف دولار في اليوم الواحد. كما كلفت الزيارة التي استغرقت أربعة أيام سنة 2014 من قبل الأمير تشارلز وكاميلا باركر بولز 162 ألف دولار في اليوم الواحد. ومع ذلك، وإن لم يكن هاري في عمل رسمي، لا يبدو أنه متوافق مع تعريف الشخص الذي يتمتع بالحماية الدولية (Internationally Protected Person) والذي يُلزِم الحكومة بمنحه الحماية. ويشمل هذا التعريف وفق القانون الجنائي الكندي: رئيس دولة بما في ذلك عضو من هيئة يمارس وظائف دولة بموجب دستور الدولة المعنية، أو رئيس حكومة أو وزير خارجية، إضافة إلى عضو من عائلة الأشخاص سالف ذكرهم حين يكونوا في بلد غير البلد الذي يشغلون فيه مناصبهم. ولذلك، من المتوقع أن يتم توفير أمن خاص لهاري، وقد يُشكل ذلك صعوبات إضافية، لأن حراس الأمن الخاص والحراس الشخصيين في كندا لا يُسمَح لهم بحمل الأسلحة بموجب القانون الفدرالي. تقييم التكاليف في أول تصريح حول انتقال الأمير البريطاني إلى كندا، قال رئيس وزراء كندا جاستن ترودو لشبكة التلفزيون الكندية "غلوبال نيوز" إنه "لازالت هناك الكثير من المناقشات التي يجب إجراؤها حول خطط هاري وميغان بشأن الانتقال، بما في ذلك التكاليف الخاصة بأمنهما". وذكر ترودو في تصريحاته: "لازالت هُناك الكثير من القرارات التي يتعين على العائلة المالكة اتخاذها، وكذلك من جانب الأمير هاري وميغان ماركل حول مستوى مشاركتهما في المجتمع الكندي.. نحن ندعم أفكارهما، لكننا لدينا مسؤوليات والتزامات في هذا الصدد". وأورد ترودو أنه "لم يتم التشاور مع الحكومة الفيدرالية حتى الآن بشأن خطوة الانتقال إلى كندا"، وقال إن الأمر يتطلب تقييم التكاليف، وزاد: "أعتقد أن مُعظم الكنديين يدعمون وجود أفراد العائلة المالكة هنا. ولكن كيف سيتم ذلك؟ وما نوع التكاليف المترتبة عن القرار؟، لازالت هناك الكثير من المناقشات التي يجب القيام بها.. هناك شعور عام في كندا بتقدير دوق ودوقة ساسكس". وكان الزوجان هاري وميغان، اللذان يحملان رسمياً لقبي دوق ودوقة ساسكس، خلفا دهشة وسط العائلة المالكة في بريطانيا الأربعاء الماضي عندما أعلنا أنهما يرغبان في نموذج عمل جديد يسمح لهما بقضاء المزيد من الوقت في أمريكا الشمالية والاستقلال مادياً. وحسب ما ذكرته الصحافة البريطانية، لم يستشر هاري وميغان الملكة إليزابيث ولا أفراد العائلة المالكة الآخرين قبل إعلان الأمر على موقع الأمير الرسمي الإخباري "ساسكس رويال". لا نبل في كندا ووفق ما أورده الموقع الكندي CBC فإذا كان هاري يرغب في العيش في كندا والاحتفاظ بلقبه كأمير فقد يواجه مشكلة أخرى تتمثل في قرار نيكل لعام 1919، وهو قرار أعادت تأكيده حكومات عدة منها حكومة ليستر بيرسون وماكنزي كينغ وبريان مولروني، إذ حظرت فعلياً ألقاب النبلاء للمواطنين الكنديين وأي شخص يقيم أو يعيش في كندا. واستُخدم هذا القرار من قبل جان كريتيان عندما كان وزيراً أولاً في كندا لرفض صفة النبلاء للكاتب والمؤرخ البريطاني الكندي كونراد بلاك، وهو ما دفع بهذا الأخير إلى التخلي عن جواز سفره الكندي. وبالنسبة لفكرة جعل هاري حاكماً عاماً في كندا يشير الخبير لاكاس إلى أنها ستمثل خطوة إلى الوراء في ما يتعلق بسيادة كندا، إذ قال: "منذ منتصف القرن العشرين توقفنا عن تعيين الأرستقراطيين البريطانيين في منصب الحاكم العام لكندا، إذ أصبح المعتاد الآن أن يتم تعيين الكنديين المشهورين". ويشير لاكاس إلى أنه لا يوجد عائق قانوني أمام تعيين هاري حاكماً عاماً لكندا، وزاد موضحاً: "يمكن أن يُعين، لكن الأساس المنطقي للقيام بذلك لا يوجد، والعقبة الكبرى الأخرى هي الموعد الذي حددته الملكة إليزابيث لتخلي الزوجين عن مهامهما الملكية وتحقيق الاستقلالية".