أزمة صامتة بين مدريد والرباط بشأن ترسيم الحدود البحرية للأقاليم الجنوبية للمغرب، حيث تُعارض مجمل مكونات المشهد السياسي الإسباني الخطوة التي أقدمت عليها المملكة المغربية، مُبدية امتعاضها من القرار الذي تتخوّف من تبعاته مستقبلا. وللمرة الأولى، تتوحّد مختلف التنظيمات السياسية في المملكة الإيبيرية بدعوتها إلى التوافق حول قرار مشترك، حيث طالب الحزب الاشتراكي الحاكِم بترسيم الحدود البحرية المجاورة لجزر الكناري ولثغري سبتة ومليلية في إطار اتفاق ثنائي مشترك. وفي المسار نفسه، دعا ممثل حزب "بوديموس" الإسباني بجزر الكناري، الذي أعرب عن رفضه لما أسماه ب"القرار الانفرادي" الذي أعلنت عنه الحكومة المغربية، إلى "فتح مفاوضات مشتركة بين المغرب وإسبانيا، بمشاركة كل من البرتغال وموريتانيا"، بتعبيره. حزب "فوكس" اليميني، المعروف بمواقفه المتشددة، عبّر عن امتعاضه مما وصفه ب"الإهانة" التي ترتبت عن الخطوة المغربية، قائلا: "المغرب يستفيد من ضعف الحكومة الإسبانية للإعلان عن التصعيد"، وزاد بلهجة حادة: "غياب الرد الرسمي من لدن الحكومة يُظهر إسبانيا على أنها ضعيفة". وفي مقابل ردود الأفعال الإسبانية، أكدت الحكومة المغربية أن توجّه المملكة إلى ترسيم حدودها في المياه الإقليمية قبالة الأقاليم الجنوبية "قرار سيادي خاص بها"، مشددة على أن "العملية التشريعية تتم بصيغة قانونية وسيادية لا علاقة لها بأي مصادر أخرى"، مثلما جاء على لسان الناطق الرسمي بالحكومة. نوفل البعمري، المتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية، قال إن "المغرب، من ناحية القانون الدولي المنظم للمياه البحرية، له كامل الحق أن يعلن عن حدوده الإقليمية في ما يتعلق بالمياه الإقليمية؛ وهو موقف سيادي يتعلق بقرار وطني وقرار جيواستراتيجي يهم المنطقة كلها، وليس المغرب فقط". وأضاف البعمري، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "بالنظر إلى تزايد حجم التهديدات التي تواجه المنطقة، سواء في ما يتعلق بالجريمة المنظمة أو ما يرتبط بالإرهاب، أقدم المغرب على هذه الخطوة التي ستكون في صالح مختلف دول المنطقة". وأوضح الناشط الحقوقي أن "القرار سيُتيح للبحرية المغربية التدخل العاجل والفوري داخل المياه الإقليمية بالشكل الذي يوفر الحماية لإسبانيا والمغرب وإفريقيا"، مبرزا أن "القرار المغربي لا يمكن أن يكون محط جدال سياسي مع إسبانيا، ما دام أنه مُحترم للقانون الدولي". وزاد الفاعل عينه أن "الموضوع سيُثير نقاشا داخليا، حيث سيتم محاولة استغلاله سياسيا داخل إسبانيا من طرف اليمين الإسباني الفرنكاوي الذي ما زال ينتمي إلى المرحلة الكولونيالية الاستعمارية؛ لأنه لم يتخلص بعد من عقدة تحرر المغرب من الاستعمار". وختم البعمري تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية مسترسلا: "لذلك، مع استمرار تشبث المغرب بحقه في ترسيم حدوده الإقليمية، من الأفيد أن يتحاور مع الحكومة الإسبانية؛ حتى تكون عملية ترسيم الحدود البحرية، بتوافق مع الحكومة الإسبانية".