يرى الدكتور سمير بنيس، الخبير السياسي المتخصص في السياسة الخارجية المغربية المقيم بواشنطن، أن التحولات التي عرفتها الجزائر مؤخرا، سواء على المستوى المدني بانتخاب عبد المجيد تبون رئيسا، وهو المعروف بعلاقته المتينة بالمؤسسة العسكرية، أو على المستوى العسكري بعد وفاة القايد صلاح وتولي شنقريحة رئاسة الأركان، وهو المشارك في حرب الصحراء، (هذه التحولات) ستكون لها تأثيرات مهمة على العلاقة بين المغرب والجزائر، خصوصا على مستوى قضية الصحراء المغربية، مستبعدا أي إمكانية لنشوب حرب بين البلدين لما لها من تأثيرات تتجاوز حدودهما. هسبريس التقت الدكتور سمير بنيس بواشنطن وأجرت معه الحوار التالي على ضوء كل هذه التحولات. كمتتبع للشأن الجزائري، ماهي قراءتكم لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ أظن أن نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة كانت متوقعة، ولا أتوقع أن تفضي إلى أي تغيير في المسار السياسي بالجزائر ولا في إرساء نظام ديمقراطي بهذا البلد، ولا في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الجزائري، ولعل خير دليل على ذلك هو أنه في اليوم نفسه الذي نظمت فيه الانتخابات الرئاسية كانت هناك مظاهرات مناهضة لها، ومناهضة للخطوة التي قام بها المرحوم أحمد قايد صالح لتثبيت قبضة العسكر على النظام الجزائري. وأظن أنه منذ الأيام الأولى من الحراك الشعبي الجزائري والمظاهرات التي خاضها من أجل تنحية الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، ظهرت نوايا الجيش الجزائري من أجل الالتفاف حول مطالب الحراك والسعي للحفاظ على قبضة العسكر على السلطة، وقد ظهر ذلك كذلك من خلال استعمال المرحوم أحمد قايد صالح للمادة 102 من الدستور الجزائري لمطالبة الرئيس بوتفليقة بالتنحي عن السلطة، فلو كانت هناك رغبة لدى القادة الجزائريين لوضع البلد على الطريق الصحيح والتوجه نحو نظام ديمقراطي، لما قام العسكر بهذه الخطوة؛ فالدستور الجزائري ينص على أن البرلمان هو الذي يقوم بهذه الخطوة بناء على طلب من المجلس الدستوري، والمادة 102 تنص على أنه في حال تعذر على الرئيس القيام بمهامه على أحسن ما يرام تتم تنحيته من السلطة، إلا أن القايد صالح هو من قام بذلك، ما يعني أنه كانت هناك نوايا لدى العسكر للالتفاف على الحراك والحيلولة دون تقرير الشعب الجزائري لمصيره. في ظل التحولات الأخيرة التي عرفتها الجزائر، أي مستقبل ترونه للعلاقات المغربية الجزائرية؟ بحكم الجوار والروابط التاريخية المتينة التي تربط المغرب والجزائر، وكذا التأثير المتبادل لما يقع بين البلدين، وكذلك بحكم وجود خلاف مدته أكثر من خمسين سنة على الحدود بسبب قضية الصحراء المغربية، أظن أن نتائج هذه الانتخابات سوف تكون لها تأثيرات على العلاقات المغربية الجزائرية. وبحكم الخطاب الذي استعمله الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون، وكذا قربه من العسكر القابض على السلطة، فلست متفائلا حول مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية؛ فالرئيس الجزائري يستعمل الخطاب الأزلي نفسه الذي عهدناه من القادة الجزائريين معتبرا أنه ليس هناك أي خلاف بين المغرب والجزائر بخصوص قضية الصحراء المغربية، وأن هذه القضية هي قضية تصفية استعمار، وأنها بيد هيئة الأممالمتحدة، وأن الجزائر ليست معنية بهذا الموضوع، بالإضافة إلى الخطاب العتابي الذي استعمله عبد المجيد تبون والذي طالب فيه المغرب بالاعتذار عن فرض التأشيرة على الجزائريين بعد ثبوت تورطهم في هجمات أحداث أسني سنة 1994؛ فبحكم سيطرة العسكر على السلطة في الجزائر وبحكم عقيدتهم السياسية المبنية على العداء للمغرب وعلى القيام بأي شيء بإمكانه إضعافه، فأنا لا أظن أنه سيكون هناك أي انفراج في المستقبل المنظور في العلاقات بين البلدين. فبالنسبة للنظام الجزائري، فإن استعمال قضية الصحراء المغربية ما هو إلا وسيلة من أجل تحقيق هدف رئيسي هو الانتقام من المغرب وإضعافه وبسط السيطرة الإقليمية على المنطقة، بسبب حرب الرمال لسنة 1963؛ فالقادة العسكريون الحاليون معظمهم شارك في حرب الرمال ومازالت لديهم غصة ضد المغرب بسبب تلك الحرب وهم يستعملون قضية الصحراء من أجل إفشال أي مبادرة يقوم بها المغرب من أجل استكمال وحدته الترابية ووضع حل لهذا النزاع. في نظركم، كيف سيستغل البوليساريو هذه التغيرات المدنية والعسكرية في الجزائر؟ أظن أن تنظيم البوليساريو لمؤتمرها الخامس عشر في تيفاريتي، المنطقة العازلة المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار والاتفاق العسكري رقم1، على الرغم من قراري مجلس الأمن 2414 و2440 اللذين طالباها بتفادي أي خطة استفزازية في تلك المنطقة من شأنها زعزعة الاستقرار، وكذلك مطالبتها بتنفيذ التزامها للمبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص المنطقة العازلة برمتها، بما في ذلك بير لحلو وتيفاريتي والمهيريز والكركارت، فأنا أرى أن تنظيم البوليساريو لهذا المؤتمر في هذه الفترة بالذات وفي هذه المنطقة هو بإيعاز من العسكر الجزائري، وهو مؤشر على أن النظام الجزائري سوف يصعد من خطابه المعادي للمغرب، خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء. وهنا ينبغي التأكيد أن الشهور القادمة، خصوصا بعد انتخاب رئيس جديد، ستكون مليئة بالتوتر بين البلدين؛ فمن خلال الخطاب الذي استعمله الرئيس الجديد، وبالنظر إلى تعيين رئيس الأركان بالنيابة شنقريحة الذي شارك في حرب الرمال، فلا أظن أنه ستكون هناك أي فرصة أو إمكانية للتقارب بين المغرب والجزائر، بل العكس هو الذي سيقع، سيكون هناك تصعيد من الجزائر لمحاولة نسف كل الجهود وإفشال كل المكاسب التي حققها المغرب خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي ترجمت على أرض الواقع وكذا في اللغة التي استعملها مجلس الأمن في القرارات الأخيرة، التي من خلالها أصبحت الجزائر طرفا رئيسيا في النزاع من خلال ذكرها ست مرات في القرارين الأخيرين، وأتوقع أن تقوم الجزائر بتقوية جهودها على الصعيد الدولي، سواء في أوروبا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية، من أجل حشد التأييد لموقفها وموقف البوليساريو ونسف جهود المغرب وإرجاع العملية السياسية إلى نقطة الصفر. هل تتوقع أن يكون هناك جنوح في اتجاه المواجهة العسكرية بين البلدين؟ لا أظن أنه ستكون هناك حرب سواء بين المغرب والجزائر أو بين المغرب والبوليساريو في المستقبل، أولا لأن السياسة المغربية الخارجية مبنية على الحل السلمي للنزاعات وعدم الجنوح للمواجهات العسكرية، ثانيا كل من المغرب والنظام الجزائري على الرغم من العداوة الموجودة بينهما إلا أنهما براغماتيان ويعرفان أن أي حرب بينهما ستكون لها عواقب وخيمة على البلدين، ثم من جهة أخرى هناك أسباب موضوعية ستحول دون وقوع أي مواجهة عسكرية مباشرة بين المغرب والجزائر، أولها أن أي حرب من هذا القبيل ستكون لها انعكاسات إقليمية ودولية من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد العالمي، لأنها ستكون في منطقة مضيق جبل طارق، ومعلوم أن هذا المضيق يلعب دورا مهما في الملاحة التجارية العالمية، فكل سنة تمر منه ما يزيد عن مائة ألف باخرة، وهو يحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث الأهمية بعد مضيق ملقا بسنغفورة. من ناحية أخرى، فالدول الغربية التي لها مصالح في كل من المغرب والجزائر، والتي لها شركات في المغرب، ليست لها أي مصلحة في أن تكون هناك مواجهة عسكرية بين البلدين، وستعمل كل ما في جهدها للحيلولة دون وقوعها، لأن أي مواجهة ستؤثر على مصالحها. هذا بالإضافة إلى أن أي حرب بين المغرب والجزائر ستؤثر على الامدادات الجزائرية من الغاز الطبيعي لأوروبا ونحن نعلم أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على هذا الغاز، بالإضافة إلى أن أي حرب بين البلدين ستفاقم من مشكل الهجرة السرية للأفارقة جنوب الصحراء، بل قد تؤدي إلى تدفق للمهاجرين واللاجئين من المغرب والجزائر صوب إسبانيا وأوروبا. فبسبب كل هذه العوامل لا أظن أن تنشب حرب بين المغرب والجزائر، بل كل ما سيقع هو تصعيد في اللغة التي يستخدمها كل طرف ضد الآخر.