دون سبب واضح، تتقاذف الفرق النيابية كرة "مشروع القانون الجنائي" للمرة الخامسة تواليا؛ فقد تقرر التأجيل مجددا إلى موعد غير مسمى، لتمضي التعديلات المرتقبة أدراج الرياح دون تقديم أجوبة على انتظارات المجتمع، خصوصا في قضايا "الإثراء غير المشروع" و"الإجهاض"، التي غلبت على نقاشات المغاربة طوال الفترة الماضية. ولا يبدو أن النسخة المعدلة من القانون الجنائي ستخرج إلى الوجود قريبا، أمام تلويح حزب الاستقلال بورقة "التوافق" بشأن المضامين، فيما تستمر معركة "تكسير العظام" بين وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، مصطفى الرميد، وحزب الأصالة والمعاصرة بشأن قضية "الإثراء غير المشروع". ويدخل القانون الجنائي 4 سنوات من "الموت السريري" داخل مجلس النواب، لغياب التوافق بين الفرق النيابية التي لم تستطع الوصول إلى حل يخرج القانون إلى حيز الوجود، في سياق تتوالى فيه نداءات المجتمع المدني بضرورة إصدار تعديلات بنفحات "تقدمية" تقطع مع الماضي، وتواكب الجيل الجديد من حقوق الإنسان. غياب الانسجام محمد أبودرار، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أورد أن حزبه بعيد عن المشاكل والتيارات الداخلية والوضوح كان سمته منذ البداية، مشيرا إلى أن نقطة استدعاء وزير العدل الجديد، محمد بنعبد القادر، ضرورية من أجل الاستماع إليه، والاطلاع على مواقفه وتصوره، تفاديا لأي "بلوكاج" محتمل. وقال أبودرار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "مواضيع الإجهاض والإثراء غير المشروع تهم الحكومة، وفرقها هي التي لم تأت بتصور موحد حول الأمر"، مضيفا أن "القانون الجنائي ورش كبير ولا مجال فيه للارتجالية"، مطالبا ب"وضع أساس صلب يقوم عليه القانون، وذلك بالاستماع لمختلف وجهات النظر". وأورد النائب البرلماني عن دائرة "إيفني" أن "غياب التجانس الحكومي هو السبب الرئيسي فيما يجري حاليا، وهو ما يحيلنا على أزمة القانون الإطار للتربية والتعليم"، مؤكدا أن طلب استدعاء الوزير يأتي في سياق تجاوز "البلوكاج" في المراحل النهائية من المناقشة، معتبرا أنه "من غير المقبول أن يتوافق الجميع ثم تأتي تعديلات جانبية لم يتم التفاهم حولها". ضرورة التوافق نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، قال إن "النقاش الحاصل بخصوص القانون لا علاقة له بالإثراء غير المشروع"، مشيرا إلى أن "أول فريق وضع تعديلاته كان هو الاستقلال، وطلبه التأجيل جاء نظرا لحجم النقاش المجتمعي الحاصل في قضايا الحريات الفردية، والإثراء غير المشروع كذلك". وأوضح مضيان، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "القانون الجنائي لا يقل أهمية عن قوانين التعليم والأمازيغية واللغات والشغل، التي حصلت بشأنها توافقات بين الجميع"، مضيفا أن "الرغبة الحقيقية لدى الحزب هو أن تأتي الحكومة بقانون جنائي جديد عوض الاكتفاء بتعديل نسخة استنفدت مهامها بحكم تغيرات الواقع". ورفض القيادي الاستقلالي الحديث عن "بلوكاج"، ف"المحاكم تشتغل بشكل عاد وفق القانون القديم، والنقاش الدائر حاليا بالبرلمان مواز لما يجري داخل المجتمع"، مطالبا ب"ضرورة خروج القانون بالتوافق"، مقللا من تصريحات الرميد بشأن قضية الإثراء غير المشروع، فالاستقلال في نظره "أول من شدد على قاعدة من أين لك هذا".