خلال محادثات كانت تتناول نزع السلاح في مقر الأممالمتحدةبجنيف الشهر الماضي دقت أجراس الإنذار في القاعة، معلنة أن المندوبين تجاوزوا قواعد خفض المصروفات الجديدة التي تقيد طول الاجتماعات. ووفقا لوصف أحد الحاضرين لرويترز، انطفأت الشاشات وتوقفت مكبرات الصوت عن العمل لتجبر السفراء على إلقاء كلماتهم بصوت مرتفع عبر القاعة، وساد الاجتماعات "هرج ومرج وحالة من التشوش والضوضاء"، وخشي البعض أن يكون الدور على الأضواء. وقال السفير الباكستاني خليل هاشمي، رئيس الجلسة: "شعرت فعلا بالقلق على الإضاءة". وتمكن هاشمي في نهاية الأمر من الحصول على موافقة محدودة من الحاضرين بعد أن جمعهم حوله. وتعد هذه التدابير التي نُفذت في مناسبتين على الأقل نتيجة للإجراءات الاستثنائية لخفض التكاليف بمراكز الأممالمتحدة، مثل جنيف ونيويورك. ودخلت التخفيضات الآن شهرها الثالث لحل وضع وصفه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بأنه "مزعج للغاية". ويبلغ العجز 768 مليون دولار في موازنة الأممالمتحدة العامة البالغة 2.85 مليار دولار، لأن 51 دولة لم تسدد التزاماتها، من بينها اثنتان من كبار الممولين، هما الولاياتالمتحدة والبرازيل. وتقول الدولتان إنهما تعتزمان سداد معظم التزاماتهما. لكن حتى في حالة السداد سيظل تأثير المتأخرات من أعوام سابقة قائما على الموازنات المقبلة. ويقول دبلوماسيون ومحللون إن أزمة السيولة تشير إلى ضعف التزام بعض الدول بدبلوماسية التعددية، مثلما حدث في تعليق أعلى محكمة استئناف بمنظمة التجارة العالمية في جنيف، وتوصل محادثات المناخ التي نظمتها الأممالمتحدة في مدريد الأسبوع الماضي إلى اتفاق محدود. وأطلقت فرنسا وألمانيا "التحالف من أجل التعددية" لدعم الأممالمتحدة وغيرها من المؤسسات. وقال ريتشارد جوان، الخبير في شؤون الأممالمتحدة بمجموعة الأزمات الدولية، إن نقص السيولة يمثل عرضا من أعراض أزمة أكبر في "الثقة السياسية" بالمنظمة: وأضاف: "أغلب أعضاء الأممالمتحدة لا يكترثون للمشاكل المالية التي تواجهها المنظمة". وحث السفير هاشمي الدول الأعضاء على سداد ما عليها، وقال إن أعمال الأممالمتحدة المهمة يجب ألا "تصبح رهينة" للقيود المالية. ويقول بعض المنتقدين إن الأممالمتحدة يمكنها إنفاق مبالغ أقل على مرتبات كبار مسؤوليها المتضخمة والمعفية في كثير من الأحيان من الضرائب. وقال مارك ليمون، الدبلوماسي السابق والمدير التنفيذي لمجموعة الحقوق العالمية: "ثمة هدر هائل في الأممالمتحدة. بدلا من التركيز على تفويض الأممالمتحدة... والأممالمتحدة تنفق الكثير من المال على مرتبات مرتفعة في حالات عديدة". وقال مسؤولون بالأممالمتحدة إنهم لا يريدون في الوقت الحالي تقليص مرتبات العاملين الدائمين ويركزون على خفض التكاليف في مجالات أخرى. تقليل الإضاءة بني قصر الأمم الضخم قبل قرابة 100 عام في جنيف ليكون مقرا لمنظمة عصبة الأمم التي سبقت إنشاء الأممالمتحدة، وتُعقد فيه آلاف الاجتماعات كل عام لبحث كل شيء من حقوق اللاجئين إلى السلام في سوريا، وقد بدأت أعراض القدم تظهر عليه؛ فقد كثرت فيه أكشاك الهاتف واصفرت زخارف واجهته، كما أن عملا فنيا تبرعت به مؤسسة وودرو ويلسون يحتاج لمعالجة ما أصابه من تآكل. وقدمت سويسرا قرضا قيمته 800 مليون دولار لتنفيذ هذه الأشغال. وتوضح إشعارات معلقة في الممرات أن أزمة السيولة تسببت في إغلاق مصاعد وسلالم كهربائية. وتم تقليل الإضاءة في الممرات وأحضر بعض الدبلوماسيين مدفئات كهربائية بعد تقليص أعدادها رغم الشتاء. ومع ذلك يقام معرض في المكتبة للاحتفال بمرور 100 عام على التعددية الدولية، عندما انطلقت عروض وألعاب نارية في جنيف احتفاء ب"مدينة السلام" الجديدة. ويتكهن البعض بأن إجراءات تقليل النفقات التي يعتقد أنها تمثل مبلغا بسيطا من تكاليف تشغيل المبنى البالغة 14 مليون دولار سنويا تهدف إلى إزعاج الدبلوماسيين حتى يطالبوا حكوماتهم بالسداد. وينفي المسؤولون في الأممالمتحدة ذلك ويقولون إن الإجراءات ضرورية. ويشكك بعض المنتقدين في جدوى متابعة اجتماعات في الأممالمتحدة مثل محادثات الأسلحة النووية التي وصلت إلى طريق مسدود، ويشيرون إلى أن الدول المنتجة للسلاح تعمل على تخفيف أي اتفاقات يتم التوصل إليها. *رويترز