قالت صوفي بافا، عالمة أنثروبولوجيا اجتماعية، إنّ الهجرة أعادت دينامية الكنيسة بالمغرب، وخلقت واقعا مسيحيا جديدا، ووضعية مركّبة داخل هذا الوجود الديني بالبلاد مع مجيء اعتقادات مسيحية أخرى مثل البروتستانتية. وأضافت الباحثة، الجمعة، في مداخلة لها، خلال مؤتمر استقبله مقرّ مؤسّسة "الموافقة" المسيحية بالرّباط، أنّ تطوُّرَ الكنيسة بالمغرب في السنوات الأخيرة بفعل الهجرة يعبِّرُ عن حاجة روحية، ويخلق وجودا مسيحيا مختلفا عمّا كانه في التاريخ الاستعماري، ومسيحية المبشِّرين والمستعمرين، وحتى العمل المسيحي الإفريقي العابر للحدود. وذكرت الباحثة الفرنسية أنّ الكنائس بالمغرب لم تكن في يوم من الأيّام أكثر امتلاء، إلى حدّ أن بعض الكنائس وجدت نفسها تستقبل أكثر من طاقتها الاستيعابية، بفعل تدفّق مهاجرين مسيحيين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ممّا خلق حاجة إلى تكوين الشّباب بين الكاثوليكية والبروتستانتية، تجيب عنها مؤسّسة مثل مؤسّسة "الموافقة". ووصفت عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية قدوم المهاجرين بكونه "بركة" (Bénédiction) للكنيسة، نتجت عنه نبرات ثيولوجية، وطوائف مختلفة، أدّت إلى حدوث تقسيم وتوتّرات وانفجار حتّى؛ نتجت عن تحليل، أو قراءة للنّصوص الدينية في ضوء حالة التّنقّل بين من يريدون العبور ومن يريدون الاستقرار... ووضّحت الباحثة أنّ الممارسات الدينية تتقوّى وتتجدّد في مسارات الهجرة، وخلال المرور بهذه التّجربة التي تؤدّي إلى غياب العمل والمال، وتعطي الاستقلالية، وتدفع إلى الّلقاء مع تجارب دينية، وتجارب عيش بشكل عامّ، ممّا يدفع إلى مساءلة الدين كما تربّى عليه الشّخص، ومساءلة اليقينيّات. وذكرت المحاضِرة أنّ الكنيسة الإنجيلية بالمغرب، التي يبلغ عمرها قرنا، كانت في تراجع بعد استقلال المغرب، وأعيدت ديناميتها ابتداء من سنوات التّسعينيات مع مجيء الطّلبة من دول أخرى من القارة الإفريقية. كما تحدّثت عن الكنيسة البروتستانتية بالمغرب، التي ظهرت مع مهاجرين صاروا قساوسة في بلدانهم، وأعادوا بناء كنيستهم في بلدان عبورهم أو بلدان استقرارهم. كما بيّنت الباحثة أنّ الكنيسة تأقلمت مع المهاجرين، وأنّ الهجرة أثَّرَت في طريقة عيش الممارسة الدينية الكاثوليكية بالمغرب مع الكورالات، والأنشطة التي ترافق مختلف الأصول التي قدمت إلى المغرب، ممّا دفعها إلى القول إنّ هذه التجربة، اليوم، لم تعد هي التجربة التي عاشتها الكنيسة الكاثوليكية منذ أربعين سنة. واستشهدت عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية بعِظَة مسيحية أُلقِيَت في المغرب وتعود إلى سنة 2015، ويرد فيها حديث عن معرفة الإله بمناطق للمهاجرين بفاس ووجدة والدار البيضاء وحي التّقدّم بالرباط، وسماعه بكاء أناسِه له، ورؤيته تسوية وضعية مجموعة من المهاجرين بالمغرب، وسماحه بهذا، بل إرادته أن يحدث، ومعرفته أيضا بمن نُقِّلوا داخل البلد، ومن رُحِّلوا منه لسماعه بكاءهم ودعواتهم. وزادت الباحثة قارئة هذه العِظَة، التي تقول في إحدى فقراتها إنّ الله يغضب من كلّ ما يؤذي الإنسان، و"إرادته أن يكون العدل لا اللّاعدل"، ثم بيّنت أنّ هذه العظة استحضرت رمزية النبي موسى، الذي لم يشكَّ في شيء، وكان لاجئا، ومهاجرا، ومغامرا، ومتعطِّشا للعدالة.