غداة الحركة الاحتجاجية التي انتشرت كالهشيم سنة 2011، والتي ستنعرف في الأدبيات السياسية بالربيع العربي.. أو ربيع الشعوب الحرة، حيث قلبت صفعة في تونس الكثير من الأنظمة، ومازالت تداعياته مستمرة حتى اليوم. في المغرب كان شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد" هو المبتدأ والخبر، المنطلق والمبتغى، كانت الظروف مواتية لحزب حربائي يميل حيث تميل المصالح، حزب العدالة والتنمية، سيركب موجة غضب المحتجين المغاربة، وغضبهم من الأحزاب السياسية التي أخلفت وعودها التاريخية مع الشعب المغربي، وفقدت ثقة المواطنين، ليقدم نفسه كبديل سياسي. سيصوت الكثير من المغاربة بحماس لحزب المصباح الذي صدحت حناجر سدنته بمكافحة الفساد والاستبداد.. سينتظر الذين صوتوا بحماسة لحزب العدالة بثقة عمياء بداية التغيير، نعم حصل التغيير لكن في حياة وخطاب قادة الحزب الذين شذبوا لحيهم، وحفوا شوارب ألسنتهم الطويلة.. بعدما ذاقوا حلاوة السلطة والمال والنفوذ وقد بدت لهم أكثر حلاوة من الإيمان. بخصوص ملف محاربة الفساد وهو قمة بورصة الأسهم في نجاح حزب المصباح، بهدوء سيقول السيد بنكيران عفا الله عما سلف.. مبررا موقفه باستحالة ملاحقة الساحرات، وسيوظف لغة الخشب بعدم تسمية المفسدين بأسمائهم ووصفهم بالتماسيح والعفاريت. الصفة الملازمة لقيادي العدالة والتنمية هي الكذب السياسي والانتهازية الفجة، بمجرد تقلد صلاح الدين مزوار وزارة الخارجية، صدم الكثير من المغاربة كيف لا، وأصوات المصباحيين كانت ترتفع باتهامات خطيرة لمزوار وامتلاك وثائق ضده ستجعله وراء القضبان. سيواصل السيد العثماني خطاب النفاق السياسي واتهام الأفاعي والضفادع بعرقلة عمل الحكومة، حكومة العثماني الفاشلة بكل المقاييس يمدح إنجازاتها التي تبدو له نتائجها في حياته الخاصة، أما بالنسبة لحياة المغاربة، فمعدلات البطالة، وقوارب الموت ومعدلات الانتحار بين الشباب أصبحت كارثية، مع غلاء معيشي ينذر بمستقبل مجهول. الرفع من الضرائب والاقتراض المنتظم من الصناديق الدولية والاعتماد على الهبات أو لنقل بلغة دقيقة "الصدقات" من الدول الشقيقة مقابل تبني مواقفها في قضايا تضر بمصلحة المغرب حاضرا ومستقبلا، مع تصدير الثروات الخامة من فوسفاط وذهب دون تصنيعها وبالتالي بيعها بثمن بخس، عدا ضياع توفير مناصب شغل عبر تصنيعها. بخصوص الفلاحة التي أسندت للسيد أخنوش، يتم التغني ببرنامج المغرب الأخضر والتنمية الفلاحية والأساطير الزراعية، حتى ليخيل إلينا أننا سنستقدم عمالة أجنبية لتشتغل في ضيعات المغرب، بسبب الضجة الإعلامية التي تطبل في الحقيقة للسيد أخنوش لا لواقع الفلاحة عندنا، وهو واقع يفضحه بؤس الفلاح المغربي، وتفضحه عشرات الآلاف من اليد العاملة المغربية من النساء والرجال التي تقصد الكثير من الدول الأوربية للعمل في الفلاحة الموسمية، وما يعانيه هؤلاء من استغلال وعنصرية. لقد أقفل المخزن المغربي الفضاء السياسي أمام المغاربة، واحتكر السلطة والثروة، وهو مازال يستخدم الأساليب القديمة، بتوجيه الشباب نحو مشاهدة الحياة لا ممارستها.. مشاهدة كرة القدم.. مشاهدة السهرات والمهرجانات الرخيصة.. والهدف هو تخدير وعي الشعب، وهذا الأسلوب ما عاد يجدي أمام الثورة المعلوماتية الذكية التي جعلت العالم في هاتف صغير، عبره يشاهد المواطن مختلف الدول ويحلل ويقارن ويتحسر ويتذمر.. المخزن نجح في احتواء الأحزاب ونجح في احتواء النخب ونجح في احتواء الصحافة، التي حولها من سلطة رابعة تدق ناقوس الخطر وتمارس النقد البناء، حولها إلى راقصة رابعة وظيفتها تقبيل الأيادي وجعل المخزن يشعر بالدرجة القصوى للانتشاء.. بعد هذا الترويض المنتظم أصبح الفضاء العمومي جسدا بلا روح، وكل مظاهر التنمية الإسمنتية بلا روح بلا معنى، مادام انحطاط القيم يبشر بجيل الضياع، وخير مثال واقعي مؤسساتنا التعليمية الجامعية التي تحولت إلى وكر للدعارة والعنف والمخدرات.. لقد حققت العدالة والتنمية وعدها بتكريس الفساد والاستبداد.