يمكن تحديد مفهوم الأمن الغذائي، بأنه قدرة الدولة على توفير السلع الغذائية الأساسية في السوق المحلية، وضمان حد أدنى منها بانتظام، وعلى مدار العام، وتوزيعها بأسعار مناسبة وبكميات كافية، عن طريق الاكتفاء الذاتي أساسا، فإذا لم تتمكن من ذلك، فلن يبقى أمامها سوى اللجوء إلى الخارج، شريطة أن لا تكون قيمة الواردات من السلع الغذائية أكبر من صادراتها، وشريطة توفير الأموال اللازمة لذلك. لكن الخطورة هنا تكمن في طبيعة التجارة الدولية اليوم، التي تتسم بعدم التكافؤ؛ الأمر الذي يجعل من الاعتماد على الاستيراد نافذة لاستنزاف خيرات الدولة وتعرضها للتبعية الغذائية. في ظل هذه الظروف، لا يمكن النظر إلى قضية الأمن الغذائي بمعزل عن المتغيرات الدولية؛ أي الاتجاه نحو الاعتماد المتبادل، خاصة بعد إنشاء المنظمة العالمية للتجارة، وتلاشي نظم الحماية وإجراءاتها وازدياد المنافسة الدولية؛ مما يحتم على الدولة أن تنتج ما تحتاجه من غذاء، بالكمية المتوازنة وبالطريقة الاقتصادية التي تراعي المزايا النسبية التي تتوفر عليها، وأن تكون منتجاتها قادرة على التنافس مع المنتجات الأجنبية، إذا لزم الأمر ذلك. إن نقص الغذاء في أي مجتمع من المجتمعات، يعتبر من دون شك مشكلة خطيرة؛ وهي تعظم كلما كان العجز كبيرا؛ وهذا العجز على أنواع ثلاثة: إما عجز في الإنتاج أو عجز في القدرة الشرائية أو عجز فيهما معا؛ وهكذا، يمكن أن نجد بلدانا لا تنتج غذائها أو جميعه، ولكنها تملك القدرة المالية الكافية لشرائه؛ وبلدانا أخرى تنتج غذائها كليا أو جزئيا ولكن تبقى شرائح من المجتمع لا تستطيع الحصول عليه، بسبب ضعف قدرتها الشرائية؛ وصنف ثالث من البلدان، وهي العاجزة تماما عن إنتاج غذائها وعاجزة كذلك عن شرائه من الخارج. وبصرف النظر عن الكثير من المشاكل والأزمات والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي يعاني منها المغرب اليوم، فإن نقص الغذاء يعتبر أخطر مشكلة يتعرض لها، في حاضره ومستقبله؛ فهو يعتبر بحق منطقة عجز غذائي، ومشكلته الغذائية تبقى من أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وعلامة من علامات فشل الإستراتجيات التنموية المتعاقبة لحد الآن، حيث إن حاجة السكان للغذاء لازالت تنمو سنويا بمعدلات تفوق معدلات زيادة الإنتاج المحلي؛ مما يؤدي إلى زيادة الواردات سنويا وبشكل مذهل؛ كما أن استمرار الهجرة من الريف إلى المدن حولت الذين كانوا ذات يوم منتجين زراعيين، أو على الأقل مكتفين بأنفسهم، إلى مستهلكين طوال الوقت؛ كما أن ارتفاع مداخيل الطبقات الوسطى في المناطق الحضرية، علاوة على هؤلاء المهاجرين الجدد الذين لا يزال مطلبهم الأساسي هو الطعام، قد أوجد طلبا شديدا على السلع الغذائية؛ مما أسهم في زيادة حدة المشكلة الغذائية. لذلك، فالمغرب كبلد فقير، يوجد في وضع لا يُحسد عليه؛ فهو مطالب إما بالقبول بالتبعية الاقتصادية، وإما الاعتماد على الذات وشد الأحزمة وتطوير الزراعة، إلى مستوى يمكنه على الأقل من تحقيق اكتفائه الذاتي. وتتمثل المشكلة الغذائية في المغرب في استحالة تأمين ما يحتاجه من مواد غذائية من موارده المحلية، في ظل الظروف والمعطيات الحالية؛ مما يترتب عنه استمرار اعتماده المتزايد في تلبية هذا المطلب الحياتي، على مصادر أجنبية؛ إضافة إلى تواجد ما يحتاجه من الغذاء تحت سيطرة دول قليلة في العالم، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ فهذه الدول لا تتردد في استخدام ورقة الغذاء لفرض التبعية الاقتصادية والهيمنة السياسية على كل الدول التي تفتقد مقومات الأمن الغذائي؛ فقضية الغذاء لم تعد اليوم قضية اقتصادية بحتة، على خطورتها، بل أصبحت قضية تنموية، وضرورةإستراتيجية، تهدد أمن واستقرار الدول المحتاجة. ولقد سعت بالفعل الإدارة الأمريكية جاهدة، منذ سبعينات القرن الماضي، إلى بسط سيطرتها وتوسيع نفوذها، من خلال التحكم في إنتاج وتوزيع الحبوب، لاسيما أن معظم الصادرات العالمية للقمح بيدها.