يقول المفكر والسياسي الفرنسي لابويسي La Boétie (القرن السادس عشر) "أينما تواجد الأشرار في العالم، لا يكوِّنون دولة بل مؤامرة، ولا يشكلون حكومة بل عصابة" ويضيف في كتابه مقالة في العبودية المختارة "إننا لا نولد أحرارا فقط، وإنما نولد أيضا بغريزة الدفاع عن الحرية ورفض العبودية". من البديهي أن يحتجَّ الذين أتْعبتهم العبودية في كل زمان، وهم يكابدون مرارة الفقر والحرمان، سيما حين يرون سرقة وتبديد ثروات الأوطان تفوق الخيال.. فيَنْتفِضون ويصرخون، لأنهم بكل بساطة غاضبون ويتألمون. هكذا نفْهم الاحتجاجات اليوم في الجزائر، مصر، العراق، لبنان وغيرها من دول العالم.. وكي لا تتحول الاحتجاجات السلمية إلى فوضى يستثمرها المرتزقة والخونة من تجار الدين والدنيا لتدمير الوطن الحبيب الجريح، يجب باختصار: - أجْرأة قوانين مكافحة الفساد، بدْءا بمحاكمة ديناصورات المُفسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة، بما فيها المهربة إلى الأبناك الدولية وكذا المستثمرة في مشاريع تبْيِيضية، ومحاكمة كل من يروج لأعراف مسامحة المفسدين، ومقولة عفا الله عما سلف، لا تطبق على المال العام الذي هو مال الشعب والأيتام والأرامل والفقراء والكادحين والمرضى والمشردين والمعذبين في الوطن. وعموم المواطنين. - متابعة القضاء للمتورطين ضمن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وإصدار أحكام قاسية، بما فيها الإعدام لحالات العود ومدمني سرقة المال العام. - رفع الحصانة عن المسؤولين المتهمين بالفساد في كل القطاعات. - الكشف الدقيق عن حسابات ومصادر الثروات والممتلكات بكل شفافية. - تقدير حساسية الوضع العالمي (احتجاجات فرنسا، إسبانيا) والجهوي (لبنانالجزائر، تونس، ليبيا..) وعدم السماح بهدر المال العام. - تفعيل ربط المحاسبة بالمسؤولية، ومنع المفسدين من ممارسة العمل السياسي. - وضع هندسة المشروع الاجتماعي الوطني والجهوي، ونشر قيم الحياة والتضامن والانفتاح والاحترام، وقطع الطريق على الخطابات المتطرفة والعدمية التي أصبحت مصنعا للموت والكراهية والعنف والانتحار، والمشروع الاجتماعي يستلزم إصلاح الخطاب الديني الذي أصبح محتكرا من الأصوليين، وتغيير الممارسة السياسية التي اختطفها الانتهازيون، وقبل ذلك تجديد الخطاب التربوي الذي أصبح متجاوزا وبئيسا. - فصل مؤسسة الوقف عن الشؤون الإسلامية، وفتح الوقف على التنافسية بين مختلف التيارات الفكرية والأحزاب السياسية والمقاولات الاقتصادية، وعدم تقزيم وظيفة الوقف في بناء المساجد، إذ يمكن للوقف أن يسهم في حل أزمة الشغل، السكن، الصحة، التعليم.. - تشخيص الأزمات التي يمر بها المغرب اليوم، يستدعي تدخلا عاجلا لإيقاف النزيف، وأخطر نزيف انهيار قيم المواطنة، التي يُسهم الإعلام الرسمي بخطابه الخشبي وتخلفه الوظيفي في تكريسها بنشر الدوغمائية والعبثية وعودة التفكير الخرافي الظلامي وتقهقر الفكر العقلاني المنطقي، ومعظم الإذاعات الخاصة أصبحت صالونات للضحك والسخرية والتنكيت، واستضافة الرقاة والمشعوذين. - إنجاح المشروع التنموي الجديد يبدأ بالنوايا الجيدة، وهذا ما جسده العفو الملكي للمتابعين في ملف هاجر الريسوني، مما يجعل المؤسسة الملكية حكَماً لتصحيح أخطاء القضاء الذي قد يتشبَّثُ بالتنفيذ الحرفي للقانون في الكثير من القضايا، ونحن نعلم أن عمومية القانون لا تُراعي الحالات الخاصة والنوعية، وبالتالي يأتي العفو الملكي كإنصاف يحمي المتضررين ويحُول دون تَغوُّل واستقواء بعض المؤسسات على الضعفاء، وإطلاق سراح نشطاء حراك الريف ومعتقلي الرأي سيشكل إسمنت المشروع التنموي. - بداية محاربة الفساد وملاحقة المفسدين، هي الخطوة المفصلية، لإنجاح المشروع التنموي الجديد، لكونها المبادرة الجادة التي ستُعيد المصداقية إلى المغرب باعتباره دولة المؤسسات والقانون لا غابة الفساد والاستبداد.