لن تبح أصواتنا إذا افترضنا جدلا أن هناك محبون صادقون لهذا الوطن وأن وصم ونعت الحكومة الحالية بأنها مجال كفاءات وطنية فعلا، فإن الفرصة سانحة لفتح أوراش هامة ودعمها بالتتبع والمحاسبة في جميع المجالات الحيوية التي تهم الشعب والبلاد، مع الافتراض طبعا وهو قابل للإيجاب والسلب كما يعرف الجميع. كلام كثير راج حول حكومة الكفاءات ونحن كمواطنين بسطاء ليس لنا إلا التصفيق والتصديق أقوله من باب التفكه ليس إلا، لكن العبرة بما ينجز في الواقع، ولنأخذ قطاع الثقافة بحكم أنه قريب من اهتمامات المجتمع المدني ( الفاعل البناء بالطبع ) فهناك مجال حيوي له علاقة مباشرة برأسمالنا الرمزي والتاريخي ونقصد البنية التحتية لهذا الرأسمال والتي ليست غير المآثر التاريخية المختلفة من مساجد ومدارس وقلاع وأبراج وحصون وقصبات وزوايا ودور عتيقة، والعبد لله سيتحدث عبر ثقافة القرب المجالي والفكري والنفسي . من تلك المآثر ما هو مهدد بزحف العمران ومنهاما تم تشويهه ومنها ما تم تفويته دون وجه حق أو قانون، والحال أن مدينة تازة تم تصنيفها كتراث وطني وهنا وجه المفارقة والشيء الذي يطرح السؤال عريضا حول واقع معالمها الأثرية التي تعود في بعض منها إلى الموحدين والمرينيين ومنها المدرسة المرينية التي كان من المفروض أن يتم تثمينها كجزء من تراث المدينة غير أنها فوتت من تحت الطاولة وفي ظروف غامضة الشيء الذي يتطلب تحقيقا في هذا الأمر الخطير ولنفرض أن صومعة حسان تم تفويتها لجمعية أبي رقراق مثلا كيف سيكون رد فعل ساكنة الرباط ومعها كل المغاربة ؟. من هذا المنبر ندعو المسؤولين المعنيين إلى البحث والتحقيق وإرجاع الأمور إلى نصابها في إطار ورش متكامل على الصعيد الوطني يشمل التثمين والإنقاذ والإصلاح وتمكين الوزارة من الإشراف المباشر عليها لأنها ملك لجميع المغاربة وحماية لرأسمالنا اللامادي وهويتنا الوطنية. في نفس السياق يلتمس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث التنبيه إلى أوضاع المآثر التاريخية بتازة وضرورة إنقاذها وتثمينها، كما شهد تازة خلال السنة الماضية احتجاجات عارمة على تشويه وتهديد معلمة البستيون السعدي ومن جهة أخرى لنقارن صورة المدرسة المرينية في عهد الحماية مثلا وصورتها الحالية تحت يافطة لم ينزل الله ولا القانون بها من سلطان، هل عاينتم معشر القراء والمبحرين مدرسة مرينية تعد من مآثر البلاد وملكا عموميا للدولة تفوت إلى جمعية ملتبسة بجرة قلم ؟ ولنبدأ من السياق التاريخي أسس السلاطين المرينيون عددا من المساجد في بعض المراكز الحضرية، وأهمها تازة ووجدة وتلمسان والمنصورة وطنجة وسلاومكناس ومراكش وتؤكد وثائق ومصادر الفترة أن كل المنشآت المرينية كانت ذات طابع حضري، وهي المنشآت الدينية التي تختلف عن نظيرتها في العصر الموحدي من حيث الحجم ونوعية البلاطات والصحون والمنمنمات والنقوش وأشكال التزيين والاهتمام بالمحارب، وقد عزز كل تلك المرافق الدينية تأسيس مدارس العلم والفقه المالكي في كل من فاس كالعطارين والمدرسة البوعنانية والمصباحية أساسا، وفي كل من مكناسوسلاوتازة وأنفا وأزمور وأغمات والقصر الكبير والعباد بتلمسان. جاء بناء المدارس المرينية الثلاث بتازة عبر هذه الحركية العلمية والثقافية ولا سيما ضمن التوجه الأيديولوجي الرسمي الذي كانت الدولة المرينية في حاجة ماسة إليه بسبب عدم كفاية عنصري القوة والغلبة وفي محاولة لاجتثاث اختراقات التشيع والاعتزال ومختلف المشارب والمذاهب التي عرفها المغرب أثناء وبعد الفترة الموحدية إن لم نقل قبل ذلك، وإن قضى المرابطون قبل المرينيين على عدد من تلك النحل ناشرين ما اعتبروه إسلاما سنيا صحيحا بين قبائل المغرب ومناطقه منذ القرن الخامس الهجري، والأمراء والسلاطين المرينيون نهجوا في ذلك نفس مسلك السلاجقة الأتراك في الشرق وعلى عهد الوزير نظام الملك لدى السلطان ملكشاه السلجوقي، والذي أسس مدارس في كل من بغداد وأصفهان والموصل وبلخ والبصرة، وفي الغرب الإسلامي محو ما تبقى من عقيدة المهدي بن تومرت وتكوين إطارات الدولة وفتح التعليم وانتظامه ضمن نسقية معينة أمام الطلاب من مختلف أرجاء المغرب المريني ومن حيث مشروعية المشروع نفسه، لم يخرج المرينيون في بداية أمرهم عن الخط المرن الذي سطرته الحركة الحفصية ليتم تسخيرهم ضد الموحدين بعد أن انشقت عنها وحيث بلغت الخلافة الموحدية أوج تمزقها السياسي والمذهبي أواسط القرن السابع الهجري، فاتخذت تلك المدارس ضمن نظام تلقيني وتعليمي محدد يقوم على اقتران التعليم بالإيواء، بمعنى أن المؤسسة ذاتها تختزل وظائف التدريس والتلقين علاوة على إيواء الطلبة من خلال نظام المنحة المخصصة للطالب أو ما كان يسمى بالمُرَتَّب، وإطعامهم طيلة مدة إقامتهم بتلك المدارس والتي تصل إلى سبع سنوات، توازي على وجه التقريب فترتي التعليم الإعدادي والثانوي حاليا، في حين أن حلقات المساجد والجوامع وخاصة جامع القرويين كانت تمثل عموما التعليم العالي وضمن مسار تلك المعارف المعلومة وقتئذ، ولاشك أن هؤلاء الطلبة كانوا من مدينة تازة وأحوازها دفعهم غالبا حب العلم وضرورة الارتقاء الاجتماعي وعلى الأرجح أيضا الحصول على تلك المنحة المالية أي المرتب الذي كان يعينهم في حياتهم خاصة وأن أغلبهم كان من الشرائح الفقيرة، وتَشخَّصَ هدف المدارس المرينية أيضا عبر تكوين الطلبة في الفقه المالكي، وكذا توفير جو علمي لكل من الطلبة والأساتذة قصد العمل والإنتاج الفكري والديني، ثم لا ننسى نشر الفكر السني، وإذا كانت المقاربة الأيديولوجية والعقدية تضع هذا المذهب في خانة محافظة لا غبار عليها بالقياس إلى المذهب الحنفي مثلا أو المشارب المذهبية ذات الصيغ الشيعية الممزوجة بالفكر الاعتزالي، فإن المؤرخين والمناقبيين وأصحاب الحوليات يبرزون دور المذهب المالكي ومعه عقد الأشعري وتصوف الجنيد في توحيد المغاربة وتأسيس ودعم كيانهم السياسي عبر العصور التاريخية منذ المرابطين على الأقل. وبلغ من إجلال البعض لهذه المدارس أنهم اعتبروها من أبرز المنشآت العلمية التعليمية لحد الآن، ولئن كان ملوك بني مرين قد قصروا في حماية الفلسفة باعتبار الطابع الأيديولوجي المحافظ الذي تبنوه وكذلك استنكفوا عن مد اليد إلى علماء الطبيعيات كما فعل الموحدون، فإن المرينيين ناصروا الفنون الجميلة لما اتصف به سلاطينهم من ذوق رفيع نشأ عن تأثير الفن الأندلسي، وبهذا عُرفت مساجدهم ومدارسهم ومارستاناتهم وزواياهم وربطهم ومختلف منشآتهم العمرانية والثقافية والدينية، ونخص هنا فن العمارة والنقش والزخرفة وهي الفنون التي ازدهرت خلال هذا العصر. وكان أول من أسس المدارس من سلاطين بني مرين يعقوب بن عبد الحق أو بالأحرى حاول ذلك التأسيس سنة 675 ه أي بعد أن اختط البلد الجديد أو فاس الجديد وقد كانت كلها تحت إشراف الدولة، فهي التي تؤمن للطلبة سبل الإقامة وللأساتيذ أقواتهم وأجورهم عن طريق الأوقاف وما ينفقه السلطان خاصة عليها، ومن أبرز مدارس فاس المرينية : مدرسة الحلفاويين. ومدرسة العطارين ومدرسة الصهريج بناها أبو سعيد وبها البيلة المجلوبة من المرية بالأندلس. ومدرسة الرخام بناها أبو الحسن المريني ونقل إليها بيلة من المرية سنة 725 وتسمى المصباحية. ولم يتجاوز العدد الإجمالي للمدارس المرينية في المغرب الأقصى 18 مدرسة إذا ما قارناه بالأعداد الكبيرة في المشرق العربي وانتهى مسلسل بناء المدارس هذا سنة 756ه أي على مدى ست وثلاثين سنة مع تسجيل فترات انقطاعات محددة، وكان السلطان أبو الحسن أكثر سلاطين بني مرين بناء لتلك المدارس. أما مواد التلقين في المدارس المرينية فكانت المنطق والقرآن والعلوم الشرعية والعروض وعلوم اللغة ثم الطب والفلك والرياضيات والتاريخ وقد قسم عبد الله كنون تلك العلوم إلى شرعية وأدبية وكونية. على غرار باقي المدن والحواضر المرينية عرفت تازة بثلاث مدارس من ذلك النوع وإن كانت الأولى مُتحَقَّقٌ منها وهي المدرسة الحسنية بمشور تازة أو زنقة سيدي علي الدرار وتسمى أيضا مدرسة سيدي علي الدرار أو مدرسة المشور والثانية عليها علامات استفهام حيث روج البعض بأنها المدرسة المرينية خارج الأسوار شرق تازة العتيقة والمواجهة مباشرة مع الهضبة التي توجد عليها تلك الحاضرة، ويسمونها مدرسة أنملي رغم أن المدارس المرينية عموما كانت تقع داخل أسوار المدن باعتبار طبيعتها، ويجب في الواقع أن نفرق بين مدرسة أنملي هذه وزاوية أنملي التي أشارت إليها معلمة المغرب، ويوجد حاليا في حيزها الواسع نسبيا فندق إفريواطو، أما المدرسة الثالثة والتي نعتقد أيضا أنها تعود للعصر المريني فهي مدرسة المسجد الأعظم ويجزم بعضهم أنها من تأسيس السلطان المريني أبي يعقوب يوسف الشيء غير المثبوت تاريخيا، ونعتقد أنها مجرد عملية إسقاطية على هذا السلطان الذي ينسب له توسعة الجامع الأعظم ووضع الثريا الشهيرة سنة 694 ه وبناء القصر السلطاني بجانب المسجد الأعظم وهو القصر السلطاني الذي لم يصمد منه شيء يذكر اللهم إلا بقايا إفريز ذي طابع مريني، ويفترض أن يكون السلطان م إسماعيل والسلطان محمد بن عبد الله ( حكم بين 1758 و1790) قد جددا تلك المدرسة المواجهة للمسجد الأعظم، بشهادة مفرطة في العمومية لمظان ومصادر هذه الفترة من تاريخ المغرب ( القرن الثامن عشر ) ولكنها في الواقع وطبقا لأطلالها الحالية والتي لجأت الجهات المعنية إلى وضع أعمدة لأسوارها لا تعمد شيئا بل شوهت المشهد تماما، قلت هي في الواقع كانت مأوى للطلبة الذين يتابعون دراستهم في حلقات المسجد الأعظم المجاور لها على يد بعض شيوخ العلم المعروف وقتذاك، أكثر من كونها مدرسة بالمعنى الذي أشرنا إليه، والسبب أبسط من أن نحدده فهي مجاورة للمسجد الأعظم حيث كانت الحلقات الفقهية والعلمية المعروفة تاريخيا، وفي حقيقة الأمر لم تورد المصادر المرينية ولا التي جاءت بعدها شيئا عن تأسيس أبي يعقوب هذا لمدرسة مرينية بتازة، لأن العمل المؤكد هو ما أنجزه الأمير أبو الحسن والمتمثل في بناء المدرسة التي نسبها ابن مرزوق إليه أي المدرسة الحسنية أو مدرسة المشور. تبقى المدرسة الحسنية إذن والكائنة غرب حي المشور سيدي علي الدرار هي التي حافظت عموما على شكلها كمدرسة مرينية خاصة في الطابق السفلي الموجود لحد الآن، وقد أسسها أبو الحسن يوم أن كان أميرا وفي عهد والده السلطان أبي سعيد وذلك سنة 724 ه أي في نفس مرحلة بناء مدرستي العطارين والرخام بفاس، وهو ما يؤكده ابن مرزوق التلمساني بقوله عن أبي الحسن المريني " فأنشأ بمدينة تازا – قديما – مدرستها الحسنة أو الحسنية " وفي هذا المقبوس إشارة إلى أنه أسسها وهو ولي للعهد في زمن أبيه السلطان أبي سعيد عثمان من خلال كلمة" قديما "، ونستشهد على ذلك بلوحة خشبية منقوش عليها بالخط المريني المغربي هاذين البيتين : لعمرك ما مثلي بشرق ومغرب.....يفوق المباني حسن منظري الحسن بناني لدرس العلم مبتغيا به.....ثوابا من الله الأمير أبو الحسن ومن المثير أن هذه الأبيات تشبه تماما قصيدة الثريا الشهيرة في أسلوبها وطريقة نظمها فالمدرسة هنا تتحدث عن نفسها مثلما تتحدث ثريا المسجد الأعظم عن نفسها أيضا : ياناظرا في جمالي حقق النظرا....ومتع الطرف في حسني الذي بهرا أنا الثريا التي تازا بي افتخرت....على البلاد فما مثلي الزمان يرى ومن المثير أيضا أن البيتين الآنفين يقدمان المدرسة في حلة حسنة جميلة حتى أن حسنها يفوق باقي المباني شرقا وغربا، وهذه نقطة تستوجب بعض التأمل، لأنه لا شك أن المدرسة في أصل بنائها كانت تتسم ببعض ذلك الحسن والجمال من حيث النقوش والمنمنمات والأقواس وذلك كسائر مدارس بني مرين...إلخ، غير أن وضعها الحالي عادي جدا بكل وضوح، بل إن أعمال الترميم والإصلاح التي شهدتها ألحقت بها تغييرات أساسية غطت بعض الشيء على طابعها المريني وخاصة القبة والنوافذ الملحقة وتغييرات أخرى همت قاعة الوضوء وغيرها. مما يرجح أن نفس الشاعر الذي نظم قصيدة الثريا هو الذي وضع هذين البيتين، ويبقى هذا في عداد الاحتمالات المؤسسة تاريخيا وأدبيا فالفترة التي تفصل وضع الثريا عن بناء المدرسة هي ثلاثون سنة بين 694 ه و724 ه وهي بالكاد تستغرق جيلا بشريا واحدا. المدرسة المرينية بمشور تازة مصممة حسب حجم الطلاب والحاضرة نفسها إذ هي متوسطة الكبر إن لم نقل إنها أصغر حجما بكثير من المدارس المماثلة بالمدن الأخرى كفاسومكناسوسلا، وتبلغ مساحة المدرسة الحسنية بمشور تازة 368 م مربع، لها مدخل أو بوابة على المقاس يعلوها إفريز على النمط المريني كتبت أسفله آية قرآنية ثم البيتين الشعريين الآنفي الذكر، أما سكنى الطلبة وحلقتها المشرعة على السماء فقد أصبحت كلها أثرا بعد عين تبعا لأعمال الترميم والإصلاح في الأصل والتي لم تأخذ مسارها الصحيح وفقا للمعايير العمرانية التي ميزت كل المدارس المرينية إذ أقيمت قبة بالنوافذ وتم تسقيف المدرسة على هذا النحو الشيء الذي لم يكن موجودا في الأصل ومنذ العصر المريني، فإننا نجد المدرسة المرينية محاطة في طابقها الأول أي الصحن بشبه رواق مع الحجرات وقاعة الصلاة حيث المحراب الموجه نحو القبلة، أما في الطابق العلوي فكانت توجد غرف الطلبة المصطفة أفقيا وعموديا كما نلحظ ذلك بوضوح في المدرسة الحسنية ( نسبة إلى أبي الحسن المريني الذي يعود له بناؤها ) بطالعة سلا والتي تأسست سنة 742 ه/ 1341 م، وتتوسط كل المدارس المرينية على قاعدة المعمار المغربي الأندلسي نافورة أو صهريج مياه ( خصة ) يتفاوت حجما ورونقا حسب حجم المدرسة. والواقع أن هذه المدرسة كانت أوسع من حيث المساحة فإن دار القرآن الحالية ( وقبل أن تكون دار القرآن كانت مدرسة للبنات وأصبحت ملحقة للمدرسة الحرة ثم لثانوية سيدي عزوز) قلت إن دار القرآن كانت تشكل حديقة خلفية للمدرسة مع جزء من السور التاريخي المريني، وفيها كان الطلبة يأخذون استراحتهم ويعيدون محو أو كتابة ألواحهم بالصمغ طبعا، ويجهل تماما تاريخ فصل المجالين بسور ممتد بحيث تقلصت المساحة الأصل للمدرسة المرينية، ثم بنيت حديقتها وفقا للمراحل التي ذكرناها سابقا. لابد من التذكير بحقيقة تاريخية هامة وهي أنه مع تلك المدارس التي تمثل صروحا حضارية ودينية كبيرة في هذا العصر، فإن المصادر ووثائق الفترة تخبر بتعثرها في تحقيق أهدافها التعليمية وحتى السياسية الإيديولوجية من حلال النقد الذي وجهه الآبلي لها ومعه المقري الجد، باعتبار دخول من لا علم له على الخط وتهافت الطلبة من أجل المرتبات وهو ما يعكس وجها من وجوه أزمة هذه المدارس الرسمية والهوة التي كانت تفصلها عن ما يمكن وصفه بالتعليم العالي الذي كانت تمثله حلقات المساجد وإلى حد ما بدايات الزوايا الصوفية، واعتبارا من القرن الرابع عشر انتشرت تلك الزوايا والاتجاهات الصوفية التي حملت معها تصورات مختلفة حول علاقة الشيخ بالمريد وحلقات الدروس وطبيعة التنشئة التي يجب أن يكون عليها طالب العلم، وهي الظواهر التي زادت في الاتساع والانتشار بتأثير الشاذلية والجزولية معاوما عرفه مجتمع الغرب الإسلامي من تحولات عميقة نتجت عن احتلال الشواطئ المغربية واتساع ظواهر البدع والتفسيرات الخرافية القيامية للتاريخ، ولكن مع ذلك ولتنسيب الأمور ووضعها في سياقها الصحيح، نقول أنه رغم الإقرار بهذه الحقيقة التاريخية تبقى لتلك المدارس أهمية كبيرة في التراث المغربي على وجه العموم وتراث العصر المريني خصوصا، لأنها تمثل مشهدا حول الازدهار الثقافي والتأنق العمراني والحضاري المستمد من التقاليد المغربية الأندلسية والمشرقية جميعا ومن ثمة فهي مفصل أساسي للتراث المادي واللامادي اللذين ميزا الحضارة المغربية في العصر الوسيط على وجه العموم. إن الوضع القانوني الحالي للمدرسة المرينية بمشور تازة يتسم بالالتباس، ففي الوقت الذي نجد كل المدارس بالمدن العتيقة الأخرى هي ملك عمومي تابع إما للجماعات المنتخبة أو لوزارة الثقافة الوصي الأساس على المآثر التاريخية في البلاد، فإننا نجد الشيء نفسه لا ينطبق على مدرسة تازة للأسف مما يطرح السؤال كبيرا على كل الجهات المعنية بالرأسمال الرمزي والتاريخي في المغرب. *رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث