يواجه بابا الفاتيكان فرنسيس الأول مرة أخرى رد فعل عنيفا من التيار المحافظ؛ وذلك في وقت يستعد لاستضافة قمة تستمر ثلاثة أسابيع حول منطقة الأمازون مع أساقفة من المنطقة. وجاءت الدعوة إلى الاجتماع الذي يبدأ بعد غد الأحد وحتى 27 الشهر الجاري، والذي يعرف باسم "المجمع الكنسي"، بهدف التصدي لقضايا محددة تواجه المنطقة، وبينها توافر القساوسة والتصحر، ولكنه قد يخلف تأثيرا على إجمالي 3،1 مليارات كاثوليكي في أنحاء العالم. ويصور منتقدو فرنسيس البارزين، مثل الكاردينال الألماني فالتر براندمولر، والكاردينال الأمريكي ريموند ليو بورك، الاجتماع على أنه درب من "الهرطقة". ويدور معظم الجدل بشأن مقترحات لمعالجة مشكلة المجتمعات الكاثوليكية المنعزلة في عمق غابات الأمازون، التي لا تستطيع أبدا حضور قداس بسبب عدم وجود قساوسة مقيمين. واقترحت وثيقة عمل "المجمع الكنسي"، التي نشِرتْ في يونيو الماضي، السماح بترسيم كبار السن الذين يتمتعون بالاحترام في تلك المجتمعات قساوسة، "حتى لو كانت لديهم عائلة قائمة ومستقرة". واقترحت وثيقة العمل أيضا "تحديد نوع الكهنوت الرسمي الذي يمكن منحه للنساء"، وهي مدونة ممكنة للسماح للمرأة بأن تصبح شماسة أو كاهنة مساعدة. ومن المتوقع أن يناقش الأساقفة المشاركون في الاجتماع التغييرات المقترحة، وأن يجروا تصويتا عليها، لكن القرار النهائي بشأن تطبيقها يعود إلى البابا. وتنطبق الإصلاحات فقط على منطقة الأمازون. وفي الماضي، عارض فرنسيس بقوة إصلاحات كنسية بشأن العزوبية وترسيم النساء قسيسات في أنحاء العالم. وقال الخبير ماسيمو فاجيولي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه لن يكون هناك "إلغاء لعزوبية الكهنة، والتي ستظل بالتأكيد جزءا من تقاليد الكنيسة الكاثوليكية". وقال فاجيولي، الذي يُدرِس علم اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة فيلانوفا بالولايات المتحدة، إن التغييرات ستكون "مهمة للغاية"، وأضاف أن ترسيم الرجال المتزوجين قساوسة، حتى في ظروف خاصة فقط، سيكون "نهاية لوضع العزوبية بوصفه الشرط الأكثر أهمية، على الأقل من الناحية الرمزية، لترسيم الكاهن الكاثوليكي". ويعتبر التقليديون هذا الأمر لعنة، ويشعرون على نطاق أوسع بالقلق بشأن "المجمع الكنسي" الذي يقود الكنيسة الكاثوليكية إلى ما يعتبرونه سياسة راديكالية. ويرى براندمولر خطر "التدمير الذاتي للكنيسة أو تحولها من الكيان الروحاني للمسيح إلى منظمة علمانية غير حكومية ذات تفويض إيكولوجي - اجتماعي – نفسي". وكتب الكاردينال في يونيو: "يسأل المرء نفسه: ما علاقة البيئة والاقتصاد والسياسة بمهمة الكنيسة ورسالتها؟". ويعد الاستغلال البيئي والاقتصادي من الموضوعات الرئيسية لاجتماع الفاتيكان بشأن الأمازون، والذي يأتي في أعقاب الحرائق الضخمة والمدمرة في غابات الأمازون بالبرازيل، والتي تردد أنه تم إشعالها عمدا بهدف التخلص من الأشجار، لأغراض التعدين والزراعة، بشكل غير قانوني. وتدعو وثيقة عمل الأساقفة الكنيسة إلى "الانضمام إلى الحركات الاجتماعية الشعبية والإعلان عن أجندة للعدالة الاجتماعية (...) والزراعة العضوية وزراعة الغابات"، وتقول إنه يجب الدفاع عن "الأرض الأم" ضد "نموذج اقتصادي للتنمية المفترسة والمخربة للبيئة (...) التي تقتل وتدمر وتطرد وتتجاهل". وجعل البابا فرنسيس، وهو أول بابا للكنيسة الكاثوليكية من أمريكا اللاتينية، من التغير المناخي والعدالة الاجتماعية قضيتين رئيسيتين منذ تولى منصبه. ويصر البابا على أن اهتمامه بالبيئة ومظاهر الخلل الاجتماعي والاقتصادي يتوافق تماما مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. وقال البابا في مؤتمر صحافي عقد في سبتمبر الماضي: "الأمور الاجتماعية التي أتحدث عنها هي نفس الأمور التي رددها (البابا الراحل) يوحنا بولس الثاني، نفس الأشياء! أقدم نسخة منها. لكنهم يقولون: إن البابا شيوعي". ومع ذلك، ازداد الصدع بين فرنسيس وخصومه المحافظين، خاصة بعد قرار البابا عام 2016 تخفيف الحظر على منح القربان المقدس للكاثوليك الذين يتزوجون مجددا بعد الانفصال. وفي ظل الإصلاحات الجديدة المطروحة على الطاولة، قد يؤدي سينودس الأمازون إلى تفاقم الانقسامات العميقة داخل الكنيسة الكاثوليكية بشأن دورها في العالم الحديث. ويريد التقليديون أن تلتزم الكنيسة بمبادئها، حتى في ظل وجود خطر فقدان التواصل مع العديد من الناس العاديين. وقال ايكوبو سكاراموزي، وهو صحافي وكاتب متخصص في شؤون الفاتيكان، لوكالة الأنباء الألمانية: "إنهم يخشون العدوى، والحداثة، واحتمال تغير الأمور"، وأضاف: "يبدو لي كما لو أن هؤلاء الناس يفضلون أن يفصلوا أنفسهم عن العالم الحقيقي". وبدلا من ذلك، فإن فرنسيس، الذي يصف نفسه بأنه "كاهن الأحياء الفقيرة"، يريد كنيسة لا تستبد بالعقيدة، وتتكيف مع الظروف المحلية، وترحب حتى بأولئك الذين لا يتوافقون تماما مع تعاليمها. يشار إلى أن معارضي البابا غالبا ما يشكلون أقلية يقودها أمريكيون، لكنهم يزدادون صخبا على نحو متزايد، إلى درجة إثارة البعض لفكرة الانشقاق، أي إنشاء كنيسة انفصالية من جانب المنشقين. ويظل مثل هذا الخيار الراديكالي بعيد المنال، لكن عندما سُئل البابا فرنسيس عن ذلك في مؤتمره الصحافي، قال: "أدعو الرب ألا يحدث الانشقاق، لكنني لا أخاف منهم". *د.ب.أ