توطئة: أشكر أحد القراء الأفاضل الذي ذكرني بكلام،في العمق،للمرحوم محمد باهي:"في السياسة يجب أن تكون لنا أعناق جمال" ؛و أضيف ،من عندي :لو تأتت أعناق الزرافات لكان أفضل. لماذا؟ لأن السياسة – وان كانت علما بضوابط- لا تنضبط لأحد ؛منذ بركليس ،ومنذ أن اختار قدماء اليونان- لتأثيث باب مجلس الشعب- تمثال رجل سياسي مهموم ،لا تسعفه غير راحتيه لإراحة رأسه . لا شيء ثابتا حتى في السياسة الفاضلة ؛فبالأحرى السياسة السياسية. الاشتغال المغربي للملك: مثال عبد الواحد الراضي: في اللحظات التي كان الملك محمد السادس يعلن فيها عن قراره-من طرف واحد- القاضي بتعديل عميق للدستور(خطاب التاسع من مارس) ؛تهاوى" طابو" مخزني دستوري؛ صارم و جاثم، وان لم يكتب: مساطر وبروتوكولات -متعارف عليها بين المخزن والساسة- للتفكير الحزبي في تعديل الدستور. أما رفع المقترحات إلى الملك فحكاية أخرى؛ إذ يقتضي إقداما سياسيا ،أكثر من إقدام عبد الواحد الراضي،فارس بني حسن ؛الذي فضل ذات يوم الانقلاب على عقبيه ؛فأنسى حزبه في مذكرة تعديلية،ما فتئ رفاقه- وسيظلون- يتأسفون على تفويت فرصة استثمارها سياسيا، في ركوب حراك مغربي؛ عرف ملك المغرب- إذ مارس السياسة الفاضلة- كيف يصطفي لهذا المغرب المتحرك سياسته. طبعا لم يكن الراضي معترضا على تعديلات أجمع عليها المكتب السياسي؛ وإنما نبهته السياسة السياسية- وهي صماء ،بدون عواطف جياشة- إلى أن الظرف غير مناسب ؛ولو استفسر السياسة الفاضلة-أو المناضلة- لسار قدما إلى الديوان الملكي لا يلوي على شيء؛ولكان له فضل السبق إلى استنبات بعض زهور الربيع البهيج:زهور كانت ستعود عليه بمساحة برلمانية أكثر من مساحة"جلد الثور" التي تضيق عليه اليوم. هكذا ينجح ملك ويفشل زعيم حزب يساري عتيد؛لأن الملك فكر في المغرب؛ أما زعيم الحزب ففكر في الحزب فقط؛. ساس التدافع بين مصالح الأحزاب ؛ ولم يسس مصالح المغرب. لا دوام على حال في السياسة ؛كانت حواجب الاتحاد الاشتراكي مقطبة كحاجبي الراحل " بريجنيف" ولم يكن يتوقع منه غير صدق الرؤى والأفعال؛ فصار إلى ما صار إليه في أبراجه؛ تزري به السياسة السياسية ؛وإزاءه ملكية –طالما نحت لها تمثالا بأنياب في ذهن المغاربة- تتوالى ارتباطاتها بالخريطة وساكنتها. و"العشرة فتاشة" كما يقول المغاربة. هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان وتتوالى بنات الدهر على تمثال أثينا المهموم؛فحينما اختار أغلب الناخبين حزبا أقرب ما يكون للحراك الشعبي ؛إن لم يكن هو الحراك ذاته ،استيقظت مرة أخرى السياسة السياسية لدى اليسار لتختار المعارضة. أين مصلحة المغرب الجغرافي والتاريخي؟ يجيبنا الملك ؛ولم تتأهل الأحزاب بعد لتجيبنا . إذا كان اليسار العتيد مخيرا في هذا فعليه وزر خطأ واحد؛ وإذا كان مجبرا فعليه وزر خطأين. لايصدر حكمي هذا عن رؤية جملية ولا زرافية بل هي السياسة فقط ؛وهي غير منضبطة لأحد. مثال المستشار فؤاد علي الهمة: لنترك مقولة "الصداقة" في المحطة ،ونمضي مع قطار الملكية الهادر: كلنا نتخذ أصدقاء ،لكن نحافظ على تفردنا وخصوصياتنا ؛أستسمحكم في أن أضرب مثلا بنفسي؛مع استحضاري للفارق الكبير :لي أصدقاء كثر؛منهم أميون- وحتى متعلمون- ليست لهم أدنى فكرة عن نشاطي الصحفي الرقمي ؛ فلماذا نجعل صداقة الهمة للملك تداخل،بنسبة ولو محدودة،تدبير الملك للملكية؟لو سلمنا بهذا، وجعلنا لكل صديق من أصدقاء الملك مدخلا مماثلا في تدبير الملكية لانتهى ملك المغرب ،المحبوب من طرف الجميع،إلى أن يكون ملكا لأصدقائه فقط. حتى وقد ارتقى إلى صديق مستشار ؛يقتضي المنطق أن تظل الصداقة الشخصية جزيرة غير موصولة بأرخبيل الملكية الشاسع ؛حيث ،وحدها المشورة – المطلوبة رسميا- تجد لها موطئ قدم ضمن مواطئ أخرى لمستشارين آخرين.الصداقة مرفأ إنساني ،والاستشارة مرفق مؤسسي. أتذكر هنا كلاما قرأته لصديق لصدام حسين ،وهو فرنسي ؛ تعرف عليه الرئيس ذات جولة له : وجده منهمكا في ممارسة هوايته: صيد السمك ؛وكانت دردشة خفيفة،بينهما، كافية لتجعل من رئيس العراق- في أوج عزه- هاويا لصيد السمك ؛يستضيف المواطن الفرنسي،ويطلب منه أن يأتيه بكل اللوازم من فرنسا ؛فجرت بينهما الصداقة كمجرى الماء في الفرات. فهل كان لهذا الصديق شأن ما في سياسة العراق؟ طبعا لا ،ولم يدع شيئا من هذا القبيل في ما قاله. ولم يكن حظ هذا الفرنسي كحظ أعرابي ؛إذ احتاط منه –توقيرا- أحد الخلفاء؛وهو يلاعب وزيره الشطرنج، في خلاء البادية: جمع شمل رجليه،وسوى جلسته، ثم طلب من وزيره أن يخفي اللعبة ،وطفق يسأل الوافد: هل تحفظ القرآن؟هل تحفظ الحديث؟هل تحفظ بعض أشعار العرب وأقوالهم؟ ولما كان الجواب بالنفي دائما،مد رجليه، والتفت إلى وزيره و صديقه قائلا: مد رجليك و أطلق اللعبة فليس معنا أحد...هكذا الأرواح قد تتآلف وقد تتنافر. إن تعيين السيد الهمة مستشارا أثار الكثير من المخاوف ؛حتى بدا للبعض انقلابا على نتائج الانتخابات ؛وشفرة حلاقة للحية بن كيران. تأسست هذه المخاوف على مسار الرجل القوي ؛وقد قد من صخور الرحامنة ،ولم يستقدم من بطحاء فاس : الداخلية،الحركة والبرلمان ،الحزب المرتجل والحارث؛كمعلقة الحارث بن حلزة ،المرتجلة ،بدورها ،في حضرة ملك الحيرة عمرو بن هند: إن إخواننا الأراقم يغلون علينا وفي قيلهم احفاء يخلطون البريء منا بذي الذنب ولا ينفع الخلي الخلاء زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا وأنا الولاء أجمعوا أمرهم عشاء فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء من مناد ومن مجيب ومن تصهال خيل خلال ذاك رغاء أيها الناطق المرقش عنا عند عمرو وهل لذاك بقاء ما أشبه هذا المضمون بالتنادي لحزب الأصالة والمعاصرة ؛ليس من الجن ،كما قلت في موضوع سابق؛بل من طرف نخب حزبية وغير حزبية. قبلنا أم رفضنا ،لم يزد الهمة على كونه أهدى للساحة السياسوية عيوبها ،وانصرف؟ التدافع محسوب على المسار السياسي للرجل ،مصيبا ومخطئا. لا دخل لتدبير الملكية به ؛إذ كان بوسعها ،وسيظل بوسعها، أن تحله حيث تشاء من أمور الشأن العام ؛دون الاستعادة- المزعومة- للحظة جبهة اكديرة لحماية المؤسسات الدستورية ؛لأن الملكية المواطنة ،مع الحفيد- كما هو الشأن مع الجد- تربأ بنفسها عن استشعار ضرورة الحماية ،والشعب كله يحبها ،تحميه ويحميها. رجاء كفانا من مثل هذه النمطية ،والفتاوى السياسوية الجاهزة؛إن المغاربة نضجوا بما فيه الكفاية ليمحصوا الصحيح من الزائف. متى سيتحرك الاشتغال المغربي للملك ،في موضوع الهمة؟ حينما بدا له أن مصلحة المغرب ،في الموسم السياسي الحالي- والسياسة مواسم- تقتضي أن يزال من طريق الحكومة كل ما يمكن أن يشوش على مهمتها الظرفية =تنزيل الدستور الجديد؛ وباقي مهامها الاعتيادية . لم يكن واردا أن يشوش الهمة –كحزب وكشخص- على حكومة يعلق عليها المغاربة ،وملك المغرب واسع الآمال ؛وإذا كان ولا بد أن نتمسك بالصداقة-مجاراة للشائع- أليست للملك حتى هذه الدالة التي توجب نصرة صديقه له؟ لماذا يوظف الاحتراف السياسي المسألة في ما يخدم مصالحه فقط؟ كان واردا- حسب رأيي - أن يلتبس أمر المعارضة ؛خصوصا إذا تواصل التنادي وتقوت أكثر من اللازم؛ربما استرضاء ،فقط، للرجل ،وقد أراد له مخيال سياسي شعبوي،واحترافي، أن يظل الماسك بالخيوط المخفية كلها. هذا المخيال هو الذي أدى بالحراك الشبابي- مدفوعا من طرف ديناصورات السياسة السياسية- إلى أن يطالب برحيل الرجل ؛وهو لم بسير حكومة،ولا تصرف في قطاع من القطاعات " المنتجة" حسب عبارة السيد بن كيران. الذين تصرفوا في القطاعات المنتجة عاودوا-دون خجل- المطالبة بها ؛بعد أن اشتغل الملك مغربيا ؛وامتص حبه غضب الحراك. تحركت كتائب الحب الملكية، وحولت الطاقة الشبابية إلى استكمال بناء دولة المؤسسات – بزخم جديد- ،في الوقت الذي اختفت الحكومة والأحزاب تماما ؛ولم تجرؤ حتى على النظر من الشرفات. هكذا يتأكد أن الملك يشتغل للمغرب ؛في الوقت الذي تتعلم فيه الحكومة- دون أن توفق دائما- كيف تشتغل للمغاربة أولا. الاشتغال المغربي للملك رفع الالتباس ،وأصبح الهمة مستشارا ملكيا يعلن جهارا-للأتباع وأتباعهم والراغبين في القرب- أنه استقال من حزبه ليقدم الخدمة المطلوبة للملك ؛حينما يشتغل مغربيا؛في الوقت الذي يجاهر ساسة حزبيون أنهم يفضلون الاشتغال في ترميم أحزابهم أولا. إذا لم يستقم هذا التحليل أمن المنطقي أن نقول بفتح الذرائع لرئيس الحكومة ؛حتى يبرر أخطاءه غدا ،لا قدر الله، بتدخل هذا المستشار أو ذاك؟ إن الرجلين –بن كيران والهمة- واعيان بالحقيقة ؛وإلا ما كان الأول ليسارع إلى التهنئة؛وما كان الثاني ليطلب إرجاع العداد إلى الصفر لتبدأ علاقة أخرى ؛تصب في خدمة المغرب والمغاربة،على السواء. ومن أراد أن يتفرج على مصارعة الثيران فعليه باسبانيا. حكومة للمغاربة: فعلا "مغربها " بن كيران بكيفية غير مسبوقة ؛فقد وفق في جعلها هما مغربيا يشارك الجميع في مفاوضات تشكيلها ؛ضدا على رجل الثلج عباس الفاسي ،الذي قد يكون أخفى أمرها حتى على شيوخه ؛أعضاء مجلس الرئاسة. لم يفتأ خضار الحي يسألني ،قبل أن أسأله عن الطماطم الجديدة المخفية:"قل لي بعدا فين وصل بن كيران؟"أجيبه بمثل مزحه:" راها حاصلة في الطالعة الكبيرة". يضحكني وهو يرد:" واش بغاو يدخلوا بن كيران في حزب الاستقلال بزز؟" فعلا هو سيرك يا بيد الله ،؛لكن المغاربة كانوا يتفرجون فيه على ديناصورات السياسة السياسوية ؛ويضحكون من استهداف ألسنتها الطويلة ،تارة لوزارة الداخلية ،وطورا لوزارة التجهيز؛ورضي الله على بن كيران إذ أمتعنا بمفاوضاته التي لم تستر طامعا ،ولا وصوليا ،ولا متزلفا. "هاؤم اقرؤوا كتابيه" . بل أطمعنا حتى في نكت يتسع لها صدر ملك البلاد؛حينما يعجم بعض الرؤساء عيدانهم لمزيد من منازلة شعوبهم؛دما بدم. في مقابل هذا كانت الديمقراطية الداخلية لحزب العدالة والتنمية تواصل اكتساحها لقلوب المغاربة ؛ولو أعيدت الانتخابات لأدهشت نتائجها الجميع. ديمقراطية زادت من " سخونية الفرجة" على رجال الثلج؛ وكثيرا ما هم. ولعل هذا ما فطن له رجل ثلجي آخر ففضل أن ينتبذ بنفسه مكانا قصيا. إنها حكومة للمغاربة ؛انتخبوا رئيسها ،وشاركوا في مفاوضاتها ؛وحتى حينما يتدخل الملك –مزكيا أو معترضا- فليجعل منها حكومة جديرة بالمغرب ،تاريخا وجغرافية ؛وهذا بعد يسموا- حاليا- على الأحزاب. يبقى أن يتفرج المغاربة على هذه الحكومة ،وهي تشتغل بكل إخلاص وشفافية؛كما لم يتفرجوا من قبل ؛ وكما لم يشاركوا. لقد كان الشأن الحكومي يكاد لا يعنيهم ؛وكأنه شأن من شؤون الجيران ؛إلى أن صار ما صار فدخل الجميع سيرك بيد الله. وكل شيء بيد الله. [email protected]