التَّوَحُّدُ أو مرض التَّوَحُّدُ هو إحدى حالات الاعاقة التي تعوق من استيعاب المخ للمعلومات وكيفية معالجتها مؤدية إلى حدوث مشاكل لدى الطفل في كيفية الاتصال بمن حوله واضطرابات في اكتساب مهارات التعليم السلوكي والاجتماعي. و تكمن خطورته في أنه يستمر مدى الحياة، و تؤدي الإصابة بالتوحد إلى صعوبة في التواصل مع الآخرين وفي الارتباط بالعالم الخارجي. هذا عن التوحد البيولوجي، غير بعيد عن هذا، هناك التَّوَحُّدُ السياسي أو الإديلوجي و الذي يضرب الكيانات الفكرية الإديولوجية السياسية منها، و ربما أبرز مثال على الإصابة تظهر في اليسار الُمَتعسِّر المشارك في الحراك السياسي الاحتجاجي أو المُتَوَّحِد نسبة للتَّوَحُّد المرضي. و لعل أهم أعراض الإصابة بالمرض تتجلى في عدم قدرته على التواصل الفعلي و الحقيقي مع من حوله، أو في أقل الأحيان التواصل الاستعلائي! اليسار المُتَيسِّر واليسار الُمَتعسِّر إجمالا يمكن تقسيم اليسار بالمغرب إلى نوعين، يسار متيسر أي من التَّيْسير واليُسْر وبحبوبة العيش السياسي والحكومي، فبعد دخولهم إلى العمل الحكومي باسم قطار التناوب سنة 1998، أقسموا بأغلظ الأيمان أن لا ينزلوا من قطار الوزارة و المناصب إلا إلى مقبرة الشهداء بالرباط، لأن العيش خارج الحكومة كابوس لا يطاق و لا يتماشى تماما مع إيديولوجية اليسار المُتَيسِّر غير المتقشف، هذا اليسار يمثله الاتحاد الاشتراكي و الرفاق الشيوعيين سابقا المَشاريعِيِّين حاليا، و عدد من الرفاق الذين احتفظوا بالاسم و مذكرات السجون و النضال كأصل تجاري للذكرى وشم "ريحة الماضي التليد" ،الملتحقين بأقرب جرار أو منصب مُجَرْجَرٍ، في حين انتقل الشيوعي السابق إلى مشاريعي لاحق بورجوازي مخزني إلى النخاع يتفنن في تلميع واجهة المخزن! وبات للرفاق المتيسرين الميسورين الجدد مقرات حزبية فخمة بواجهات زجاجية تضاهي واجهات الشركات الكبرى! و حياة رغد و كأنهم ندموا على ما فاتهم زمن الشباب و المراهقة السياسية مصرين على الاستفادة و الاستماع إلى آخر رمق. وكأن لسان حالهم "هاذا جهدي عليك المهدي".و طبعا عندما يحمى الوطيس السياسي يرفع رفاق المهدي ورقة الإصلاحات الدستورية و التي أثبت أنها ورقة تؤجل الانفجار الداخلي و تنقد مؤتمرات الحزب الانشقاقية، جالبة لهم مقاعد وزراية و مناصب أخرى إضافية كلما لوح بها في وجه المخزن، و إلا بماذا نفسر تربع السيد عبد الواحد الراضي على رئاسة البرلمان المغربي و هو الذي ينحدر من الحزب المحتل للمرتبة الخامسة في انتخابات شتنبر 2007! و غير بعيد عن هذا كلما حَمُضَتْ الوضعية السياسية كرر الرفاق الشيوعيين السابقين أسطوانة الكتلة الديمقراطية رحمها الله و وسع لها في قبرها السياسي. أما النوع الثاني من اليسار، فهو اليسار الُمَتعسِّر، أي من العسر– المِيزِيرِيَة بعيد على السامعين- فلا هم في العير و لا هم في النفير، أي لا هم في الحكومة و المناصب ولهم بشعبية تضاهي شعبية الإسلاميين في الشارع المغربي، و لا هم أيضا برؤية واضحة قابلة للتنزيل من شأنها توحيد صفوفهم المبعثرة! فصائلا قِدَدا، كلما اتحد فصيل انقسم و تشرذم فصيل آخر، و كأن الزمن لا يزيدهم إلا تشتتا، أو بتعبير المغاربة "تَابْعَة" و لاحقتهم ! على الرغم من المحاولة الجادة النوعية لتحالف اليسار، و لكنها تبقى بعيدة على أرض الواقع و الممارسة السياسية، نتيجة تضارب البرامج و صراع التيارات الداخلية و التيه التنظيمي العام، و عوامل التعرية التنظيمية و أمراض الشيخوخة الفكرية. والحال أن مشكلة اليسار بالمغرب بنوعيه، قديمة وليست بالطارئة، سيما اليسار الُمَتعسِّر منه!فعلى الرغم من المنع و التضييق الشديد الذي كان له أثر في انحسار اليسار الُمَتعسِّر فإن هذا لا يفسر التقزم الشعبي له، و إلا لماذا تمكنت جماعة العدل و الإحسان التي تتعرض منذ نشأتها إلى تضييق و حصار لا يقل عما يتعرض له اليسار الُمَتعسِّر إن لم نقل أنه يفوقه من توسيع لقاعدتها الشعبية و مأسسة هياكلها الداخلية و استقطابها المتزايد لفئات شبابية و مجتمعية جديدة؟... ومهما يكن فلا يمكن لليسار الُمَتعسِّر بعد اعترافه بقواعد اللعبة و حيازته لأحزاب معترف بها و عدد من المقاعد اليتيمة داخل البرلمان أن يرمي بفشله الشعبي على المخزن الذي نشهد له بأنه المهندس الحقيقي لأي تأثيث سياسي أو كرنفال انتخابي...بيد أن المشكلة الجوهرية لليسار الُمَتعسِّر أنه أقرب منه إلى نقابة تنشط في الزمن الاحتجاجي لا غير، أبعد منها عن العمل السياسي الشعبي. لأنها تحمل إيديلولجية مذهبية ممثلة في اللادينية و سمو المواثيق البشرية الغربية على التعاليم الإسلامية مما يجعل مشروعهم المجتمعي –إن حدث و كان لهم مشروعا-يحكم عليه بالفشل الشعبي مسبقا. و ربما جزء منه راجع إلى سوء تقديرهم لحقيقة الدولة المخزنية بالمغرب إذ يعترونها دولة دينية، لذا يصرون على اللادينية قصد قطع جذور الدولة الدينية المخزنية في تصورهم! و الحال أن الدولة في المغرب لا هي دولة مدنية و لا دينية، بل هي دولة تاريخية توظف الدين و شعائره التعبدية الفردية من دون أن تعمل على تطبيق شرائعه التشريعية كالحدود و المعاملات الاقتصادية،و من جهة أخرى تستمد مشروعية الاستمرارية الحقيقية من المسلمات التاريخية المخزنية، تختمها بأطروحة موازية لأطروحة الأمريكي فوكوياما: المخزن نهاية التاريخ بالمغرب!.علما أن الإسلام نفسه لم ينشئ في يوم من الأيام دولة دينية على شاكلة الدول القروسطية في أوروبا. بل أرسى أسس دولة مدنية السلطة تتداول فيها بين الشعب لا بين العائلة. و الشعب فيها سيد القرار و الحاكم أولا و أخيرا مجرد أجير عند الأمة لها الحق في عزله و محاسبته في أي وقت و حين. الأستاذ الساسي نبي اليسار المُتَوَّحِد الُمَتعسِّر ومهما يكن الاختلاف و العتاب، فلا يمكن بأية حال من الأحوال التنكر لنضالات الحركة اليسارية بالمغرب منذ مطلع الاحتقلال بتعبير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله، مرورا إلى عهد السلطان الحسن الثاني الذي أبلى البلاء الحسن في ترصيص و تزمير المغرب أي عهدي الرصاص و تازمامارت. و وصولا للعهد الجديد حيث انحسرت الحياة السياسية و فقدت معنى الاستمرارية، و هجر الناس الصناديق و الانتخابات. و في المقابل، ارتفعت و تيرة الحركات الاحتجاجية الشعبية العارمة. و لعل أبرز الوجوه المناضلة اليسارية، المناضل الكبير الشريف سي بن سعيد آيت إيدر أطال الله في عمره، و تلميذه الاتحادي بالتبني السياسي الأستاذ محمد الساسي الذي يعد قيمة مضافة و نموذجا للسياسي المناضل المثقف الأكاديمي المغربي زمن الرخاوة السياسية.إلا أن كل هذا لا يشفع للأستاذ الساسي خصوصا أو لغيره من الهامات المناضلة عندما تحيد عن خط الواقعية السياسية و احترام الآخر سواء كان الأخر تنظيما أو فردا مفكرا أو حتى مواطنا بسيطا يروم الكرامة و التحرر من قيود الوصاية السلطوية، سيما و أننا في معركة الكرامة و العدالة، إذ ليس من الكرامة في شيء أن ينصب الأستاذ الساسي سواء بطريقة التلميح أو التصريح فكره وصيا على حركة الشارع و صرخة 20 فبراير تحديدا. سيما بعد الظهور الإعلامي اللافت و المشروع للأستاذ الساسي ومحاولة أَيْقَنَتِه كناطق و منظر رسمي لليسار المُتَوَّحِد المُتَدَمَقْرِط، حتى أمسى كلامه يعلو و لا يعلى عليه، بل قد يعرض معارضيه للسخرية و التهكم! فأي كلام خارج الديمقراطية الساسية فهي إعادة فبركة لديمقراطية"فالصو" أو "ميتاسيون".و تزيد الطينة بلة عندما يصاب التيار بمرضي التَوَّحُّد و العقم السياسيين، فأما التوحد السياسي فقد ذكرناه و قد نفصل فيه، و أما العقم السياسي، فهو العجز و عدم القدرة عن إنتاج نخب سياسية جديدة حاملة للفكر الجديد، فمن المجاهد آيت إيدر الذي عاصر الملوك الثلاث، إلى الساسي الذي يمكن اعتباره بأنه من إنتاجات المرحلة السابقة، و إن سطع نجمه أكثر في مرحلة ما بعد الطلاق الاتحادي، و حتى إذا كانت 10 سنة من الطلاق الاتحادي و العهد المرمم دستوريا فإنها تبقى شبه كافية لإنتاج نخب سياسية على الأقل على المستوى الحزبي الداخلي! في خضم هذا الفراغ الفكري و القياداتي استطاع الساسي أن يملأ جزءا منه. ما جعله يرتقي من مرتبة الزعيم المنظر إلى مرتبة النبي الملهم المقنع عند البعض!و هو ما يدفعنا إلى تحليل الظاهرة، سيما بعد ظهور آخر نسخة منقحة فِرْسُيونْ ساسي2011 سوق الأربعاء! و التي فاجأت الكثير من محبيه و المعجبين بأفكاره! سيما و أننا اكتشفنا أن الفِرْسُيونْ الجديدة مزودة بأُبْسُيُون الاستعلاء و التهكم الشيء الذي يعد إضافة نوعية!و طبعا من دون إساءة أدب و لا انتقاص من الأستاذ و مدرسته المناضلة، و لكن صراحة لخيبتي الشخصية و خيبة الكثيرين من هذه الفِرْسُيونْ التي تسيء إلى مدرسته و إلى صورته و مساره النضالي الناصع!و إن كان البعض قد يرى أن هذا قد يشرذم الحركة الشعبية النضالية و يدخلها في عملية تصفية حسابات، و لكن عزاؤنا أنه ليس من الموضوعية النضالية و الفكرية التنديد بالاسبداد و التسلط و الاستعلاء المخزني و السكوت عن الاستعلاء الداخلي أو المنضوي في الحركات الداعمة لحركة 20 فبراير.و من جهة أخرى لأن الأصل في الناس و الفكر البشري و السياسي عموما هو الاختلاف و التعدد وليست الوحدة، أو التَوَّحِد لا قدر الله، طبعا أقصد مرض التَّوَحُّد السياسي و الاجتماعي. موسكو ثم الأرض الواسعة وصولا إلى سوق الأربعاء في ربيع سنة 2001 و أثناء المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي وفي خضم أزمة تنظيمية و فكرية داخلية أعلنها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي: أرض الله واسعة! و المقصود أنه على الذين لا يعجبهم تسيير اليوسفي و شلة النيو اتحاديين الُمَتَبَلِّصِين في الوزارات و قيادة الحزب فما عليهم إلا تغيير الوجهة و البحث لهم عن أرض جديدة. طالما أن أرض الله واسعة !و فعلا لبى النداء عدد من الرفاق منهم محمد الساسي و و صديقه و نائبة السرمدي الأستاذ محمد حفيظ والذين كانوا من أهم النخب الصاعدة و المزعجة داخل الحزب. خرج الساسي إلى أرض الواسعة و أسس حركة الوفاء للديمقراطية، في حين أسس كل خارج له حزبا سياسيا منفصلا تشتت بدوره بعد ذلك كتجربة المؤتمر الوطني الاتحادي، و قام الأستاذ الساسي بمحاولة لجمع ما يمكن جمعه من اليسار الُمَتعسِّر المتكسر و اتخذ من المناضل الكبير سي آيت إيدر شيخا و رمزا لليسار الجديد!علما بأن الأستاذ الساسي لام و يلوم على الآخرين المشيخة و المريدية بكل نزعاتها سواء صوفية أو تنظيمية.... يبد أن الضرورة الشعرية أرغمت الرفاق على ولوج التصوف السياسي حتى تستقيم القافية اليسارية الجديدة! و في شتنبر 2007 جرب الأستاذ حظه في أرض الواسعة بدائرته يعقوب المنصور و بكل شرف و نبل أخفق فيها، في انتخابات أقل ما يمكن وصفها به بأنها لا تتوفر على الشروط الدنيا للسلامة البيئية! فكانت انتخابات دابا خيبة2007، و التي بشر بضدها أستاذ الإشهار و التسويق السياسيين عيوش، و عاش و عَيَّشَ عيوشٌ معه من يهمهم الأمر حلم الوهم الوردي العيوشي على أن نسبة المشاركة لن تقل عن 80%أو85%!.و هو ما كان فعلا و لكن كنسبة للمقاطعة ! و عقب الإخفاق و بكل شجاعة و مسؤولية أعلن الأستاذ الساسي استقالته الحزبية كموقف نادر و وحيد في تاريخ العمل السياسي بالمغرب، ما جعله يحظى باحترام و تقدير مضاعفين. بيد أن الساسي عدل عن استقالته و خيب الآمال في نموذج سياسي يحترم و يلتزم بما يقول و لا يتعامل بعقلية:وا راهم زوكوا في و حشموني و جابوا لي العار باش نرجع"...لقد كان الساسي شديد الهجوم على رفيقه اليوسفي في مسألة ما عرف بقضية إرغام الحسن الثاني اليوسفي على قبوله تولي حكومة وزير داخليتها عدوهم القديم إدريس البصري! حيث جاء في رواية بأن اليوسفي حلف على المصحف الشريف، و في رواية ثانية بأن اليوسفي "حشم من الحسن".و يبدو أنه لا يمكن فهم العمل السياسي والتنظيمي بالمغرب من دون أن تفهم ما معنى عبارة "حْشَمْ" بمفهومها السياسي! الشيء نفسه فعله الأستاذ الساسي بعد عدوله عن الاستقالة، أي ما كان ينتقده بالأمس القريب أصبح اليوم مباحا!و الأكيد أنه في الديمقراطيات المتقدمة سواء كانت الأحزاب يسارية أو يمينية فالاستقالة هي الاستقالة، و إذا ما حدث و أعلن أحدهم الاستقالة فلا مجال للمزواكدة و للتَّحْشَام و الرْغِيب!هذا ناهيك على أننا لا نعرف ماذا كان يدور بين الأخ الساسي و ورجل الداخلية القوي حينئذ فؤاد عالي الهمة أثناء لقاءاتها من اجل التأشير للمولود الحزبي الجديد؟و على أي شيء قد يكون حَلف الأخ الساسي، إسوة برفيقه الأسبق عبد الرحمان اليوسفي من أجل نيل الاعتراف بالمولود الجديد؟ما يعني أن الأستاذ الساسي ينتقد اليوسفي و لكن يسير على خطاه! ثم عقب حراك العشرين من فبراير و التحاق اليسار الُمَتعسِّر بالركب الشعبي الشبابي، سطع نجم الأستاذ الساسي بمحاضراته و ندواته و مقالاته و تحليلاته الرصينة، و التي قد نميزها إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: و كان الأستاذ الساسي يعلل فيها الحراك الشعبي لحركية 20 فبراير، أي محاولة للتحليل و تفكيك الحدث من منطلق حزبي أولا، ثم من منطلق داعم للحركة و شريك في الميدان. فكان أن انتعش اليسار الُمَتعسِّر عموما، و فتح الحزب مقراته للجموع العامة لحركة 20 فبراير، سيما بعض أن حاول المخزن القيام بدور النظام صاحب القشابة الواسعة! و هكذا سمح لعدد من الوجوه من الظهور الإعلامي مثل الأستاذ عبد الله الحريف نفسه. طبعا مع إبقاء الحظر الإعلامي على جماعة العدل و الإحسان. المرحلة الثانية : و هي مرحلة السجال الدستوري، و فيها فكك الأستاذ الساسي الدستور المنوني المقترح المصوت عليه بنسبة 88.5% أي تقريبا 100% إلا خوشيبة و نص!على أن يتم تداركها في قابل الأيام حتى تأتي النتائج قَرْطَة ب100%، الدستور الذي قاطعه الحزب سواء أثناء المناقشة الرسمية مع المستشار المعتصم أو أثناء التصويت. الرحلة الثالثة : مرحلة غِيرْ شَدُّوِني و لاَ نْطِيحْ! أوالوحم السياسي، حيث ظهر تيار الأستاذ كتلك المرأة الحاملة المتقلبة المزاج التي تريد أن تفرض رأيها و رأيها فقط؟ و تتوحم على زوجها! مع استعلاء ظاهر غير مبرر، و طرحه أي الساسي لأسئلة أقل ما يمكن وصفها به بأنها تحرض على قمع و ضرب الحركة صراحة! حين يصف أن هدفه هو مجرد ملكية برلمانية تنهي في رحلة سوق الأربعاء !بينما الذين يريدون التغيير الشامل فما عليهم إلا الاستمرار في نفس الكار إلى مدينة طنجة! و قبلها كان الأستاذ الساسي يلوح أنه يمثل التيار الواعي المنطقي المنظم الداعي إلى ملكية برلمانية و الآن، مع إيحاء ضمني إلى أنه هناك من لهم طموحات أكثر من ملكية برلمانية في إشارة واضحة لجماعة العدل و الإحسان و النهج الديمقراطي و عدد من المستقلين و من الشباب المتأثرين بالربيع التونسي و المصري... صحيح أن حزب الأستاذ و تيار اليسار الُمَتعسِّر هم أحزاب قانونية تساند الحراك الشعبي من داخل تنسيقيات الدعم على الرغم من التصارع و التضارب الذي يمكن لمسه أثناء المسالة الدستورية، حيث نفس المقاطعين و الداعمين لحركة 20 فبراير ،تجد البعض منهم يشارك في جلسات الدردشة الدستورية و ارتشاف كوب الشاي المنعنع مع المعتصم !بينما الآخر يقاطع جلسة الشاي من الأول، لمعرفته أنها غادي تخرج منو طول و عرض! و لكن الأوكد من هذا، أن اليسار الُمَتعسِّر لا يملك قاعدة شعبية قوية داخل 20 فبراير حتى يمكنه الاستعلاء و التَّوَحُم السياسي على باقي المشاركين خصوصا جماعة العدل و الإحسان التي يبدو أنها بالغت في خصلة التواضع و خفض الجناح و إنكار الذات!حتى أصبحت المسيرات تفوح برائحة العلمانية و اللادينية علانية! فلا تكبير و لا شعار فيه اللهم إن هذا منكر و لا هم يحزنون!و كأن كل من يكبر أو يردد شعارا يذكر فيه الله عوض تشي فارا و كارل بن ماركس هو تلقائيا من العدل و الإحسان! و كأن الجماعة هي التي أدخلت الإسلام إلى المغرب بزعم و رؤية اليسار الُمَتعسِّر الضيقة ! و عليه فلا يمكن للمخزن و لا لغيره سواء من المتعسرين أو من المُيَسَّرين أو المُسَيَّرين تجاوز الجماعة رغم إصرارها على التواضع المبالغ فيه!و هي التي كانت أول من أعلنت تلبيتها لنداء الخروج يوم 20 فبراير، حين كان الدعوة مجرد حلم فايس بوكي في أعالي النت. ولقد تأسفت كثيرا للنرجسية الكبيرة التي ما كنتها قد أصابت الأستاذ الساسي الذي كان مشهود له بالتواضع و لين العريكة، و لكن ربما سحر الأريكة قد صَلَّبَ من العريكة و أخاف عليه أن يغير وجهة الكَارْ هذه المرة إلى أوريكا! مشكلة الساسي مع الإسلاميين أم مع الإسلام ؟ الأستاذ محمد الساسي بوصفه الزعيم الروحي و الخطابي الجديد لليسار الُمَتعسِّر لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويعلن فيها عن سمو المواثيق الدولية على المحلية و سمو الديمقراطية بفلسفتها الغربية و لا أقول الكونية- لأن الإسلام نفسه دن كوني- على ما سواها و ما سواها هو الإسلام؟ و للأمانة فالأستاذ الساسي لا يدعو إلى لادينية شاملة -على الأقل ظاهريا-أي الحرب و القطيعة مع الإسلام صراحة، و لكنه يدعو إلى بقاء الإسلام كدين فردي فولكلوري لا يخص المجتمع بقدر ما يخص الأفراد. كما هو الشان حاليا في المغرب، حيث المخزن يضمن للأفراد ممارسة شعائرهم الفردية، غير شعيرة الاعتكاف التي يبدو أنها لا تعد من الشعائر الفردية، لأنه منع عددا من المعتكفين من القيام بهذه الشعيرة، كما حدث في العيون و زايو... بشكل يتنافى مع الشرع و مع المواثيق الدولية و الدستورية؟ بل لا أن يوجد نص تشريعي صريح صراحة الشمس في ضحاها ينص على أن الإسلام هو المصدر الأول للتشريع أو أن يتم مثلا مثلا تطبيق حدود الله المعطلة! و هو ما يظهر أن مشكلة الساسي الأساسية هي مع الإسلام نفسه كإيديولوجية و منظومة شاملة أكثر منه كدين للتعبد الفردي. و حتى دعوته للعلمنة و اللادينية قد يكون شيئا مفهوما من الناحية العقلية على اعتبار أنه يدعو لاستنساخ النموذج الغربي الأوربي على شاكلة طه حسين. لكن الذي من الصعب تفهمه أن يلزم المغاربة بهذا بحيث يجعل اللادينية بوابة للديمقراطية! فإما ديمقراطية مبنية على اللادينية و إما لاشيء؟ و هذا شيء مرفوض جملة و تفصيلا شعبيا و تاريخيا.و حتى لو كانت الانتخابات في المغرب أنظف من نظيرتها في فرنسا و ألمانيا فلا أمل لليسار الُمَتعسِّر في كسبها بهذا الخطاب و التوجه!و الأكثر من ذلك فالأستاذ الساسي يتهم الإسلاميين بأنهم قد يرتدون على الأخت الديمقراطية و يجعلونها فقط مطية للصعود من أجل قتلها و اجتثاتها و إقصاء الآخر باسم الإسلام !بينما الأستاذ يمارس الشيء نفسه و لكن بطريقة ذكية بحيث يقدم نفسه على أنه الوصي الشرعي للديمقراطية و للدولة المدنية الموعودة، علما أن الدولة المدنية لا تعني بالضرورة دولة لادينية! و باختصار فالساسي يقول انتخبوننا كحزب سياسي لا لنطبق برنامجا سياسيا و اقتصاديا و لكن لنقدم و نطبق برنامجا إيديولوجيا يقوم على أساس الدولة اللادينية المتخفية وراء الدولة الديمقراطية، و هو ما يجعلنا نجيبه على طريقة بيضاوة "حدك تم المعلم". وواضح من خلال تتبع الندوات التي جمع الأستاذ الساسي و مع الإسلاميين على اختلاف مشاربهم أنه يقدم نفسه كوصي شرعي على السيدة الديمقراطية ناهيك عن علامات الأستاذية و التعالي التي ما عهدناها منه، أو على الأقل لم يكتب لنا أن اكتشفناها فيه من ذي قبل! ربما لأنها كانت حبيسة الاجتماعات الداخلية المغلقة، حيث كان الأستاذ الساسي في دور الشيخ و باقي الرفاق مريدين ولكن بربطات عنق و سيجارة عوض سبحة في اليد! و إلا فكيف يتهكم الرجل على الإسلاميين و من قبله على 20 فبراير نفسها في خرجة الكار الماشي لطنجة بينما الساسي يريد أن لا يكمل السفر و أن ينزل فقط في سوق الأربعاء؟ و كأني بالزمن يعيد نفسه! و بالساسي الشاب الذي ركب قطار موسكو أواسط السبعينات يجد نفسه في سواحل ميامي بعد تجرد الرفاق من تبعات موسكو وفقرها المدقع و إديولجيتها المفلسة و ارتموا في الإديولوجية الاستهلاكية الأمريكية و المناصب الوتيرة والسيجار الفخم القادم من هافانا ضيعة عائلة كاستور فيديل و خلفه رَاوُول كاستور. و هو ما يظهر أن للأستاذ الساسي مشكلا حقيقيا مع الكيران و القطارات. ففي كل مرة يركب القطار و الكار تجده لا يكمل الرحلة! فإما يفرض عليه النزول القسري كما حدث في الرباط 2001 أو يختار وجهة غير وجهة الكار كما هو الشأن في محطة سوق الأربعاء2011! سوق الاربعاء ابْقَاتْ بْلاَصَة! إن أزمة اليسار المغربي الُمَتعسِّر خصوصا أنه يعمل بعقيلة النقابي لا بعقلية السياسي، لذا فهو في أفضل الحالات نقابة متسيسة لا تنشط إلا في الزمن النقابي الاحتجاجي، أما العمل الحزبي فلا بد له من شروط أولية. و هي التي تنعدم تماما في بلد ما تزال الانتخابات تدار فيه بعقلية الشيخ و المقدم و القايد و الباشا، وصاية مباشرة و فعلية لوزارة الداخلية و ما أدراك ما وزراة الداخلية! و سطوة مطلقة للأعيان، فضلا عن خلطه بين الإسلام كمنظومة متكاملة و بين الإسلام الطقوسي المخزني و التوظيف له على شكل دولة تتدثر بردائه!،و كذا عدم قدرته على التمييز بين المغاربة المسلمين و المغاربة الإسلاميين الحاملين لبرنامج سياسي مبني على مرجعية إسلامية.هذا ، ناهيك عن مشكلة الساعة المعطلة التي ما تزال تشير إلى توقيت الستينات و السبعينات من القرن الماضي ما يجعلهم يخلفون القطار و الكار في كل مرة !و إذا ما حدث و ركبوا فإنهم سيكتشفون بأنه متوجه بهم إلى وجهة غير وجهتهم المرغوبة!كما حدث مع الأستاذ الساسي الذي خرج من يعقوب المنصور معتقدا أنه يستقل كار سوق الأربعاء ليجد نفسه في سوق علق بالبرنوصي ! و اسألوا أهل البرنوصي عن سوق علق و من علقها؟ و تلك حكاية أخرى. [email protected]