خلّفت مبادرة إقامة نصب تذكاري للهولوكوست بنواحي مراكش الكثير من الجدل وسط النشطاء المغاربة، الأمر الذي دفع السلطات العمومية إلى هدم هذا المشروع الذي يعود إلى المنظمة الألمانية "بيكسل هيلبر". وسط هذا النقاش الحاد، بين المؤيدين لإقامة النصب التذكاري والمعارضين له، نُسلّط الضوء على الدور المفصلي الذي لعبه الملك محمد الخامس في حماية اليهود من الإجراءات التمييزية التي فرضتها حكومة "فيشي"، التي تعاونت مع نظام الحكم الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. فقد صرّح الملك محمد الخامس للسلطات الفرنسية، خلال تلك الفترة، قائلا: "لا يوجد يهود في المغرب، هنالك مغاربة فقط، وكلّهم من رعاياي"، لتُصبح الملحمة البطولية للملك الراحل قصة مشهورة في إسرائيل بعد ذلك، ويحتفل بها اليهود المغاربة في جميع أنحاء العالم، وفق ما تطرقت إليه صحيفة "هآرتس" العبرية. ويوضح الباحث الأنثروبولوجي المغربي-الأمريكي عمر بوم، وهو أستاذ في جامعة كاليفورنيا، أن قصة حماية الملك محمد الخامس لليهود المغاربة في منطقة الحماية الفرنسية آنذاك صارت رمزا للدلالة على انفتاح المغرب وتسامحه، معتبرا أن الملك قام بدور بطولي من خلال تحدي "نظام فيشي" بغية الدفاع عن يهود المملكة المغربية. ويرى صاحب المقال أن "حكومة فيشي" أنشأت عددا كبيرا من مراكز الاعتقال في مستعمراتها الإفريقية، بما فيها شمال إفريقيا، وعملت على احتجاز المنشقين السياسيين الأوروبيين واللاجئين، وكذلك اللاجئين اليهود الأوروبيين، "كما اعتقل بعض المسلمين واليهود الأصليين في شمال إفريقيا، لكنها تبقى حالات معزولة"، بتعبيره. "كان الملك محمد الخامس بالنسبة للمسلمين المغاربة واليهود الليبراليين، خصوصا في أمريكا، التوّاقين إلى تشجيع العيش المشترك بين الديانات، منارة أمل وسط الصراع المحتدم بين المسلمين واليهود في الشرق الأوسط"، يضيف الباحث عينه، مشيرا إلى كون الملك الراحل يعتبر رمزا للتعايش المشترك بين المسلمين واليهود، وهو ما تحقق من خلال إهدائه جائزة "مارتن لوثر كينغ أبراهام هيشل" من لدن معهد "كيفونيم" للدراسات اليهودية بنيويورك. واقعة النصب التذكاري للهولوكوست في مراكش سلطت الضوء من جديد على واقعة أخرى مشابهة، ويتعلق الأمر بإنشاء نصب تذكاري وسط "ساحة السلام" ب"عسقلان" على شرف الملك محمد الخامس في شتنبر 1986، عرفانا لجهوده لإنقاذ اليهود في الحرب العالمية الثانية، وهو ما تأتى من خلال الجهود التي بذلها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، بحيث جاءت هذه المبادرة أياما قليلة بعد الزيارة التي قام بها إلى المغرب ولقائه الحسن الثاني، في محاولة منه لتعزيز عملية السلام بالشرق الأوسط من خلال بوابة المغرب. النصب التذكاري الذي أقيم في ساحة أطلق عليها تسمية "ساحة السلام" أثار استحسان اليهود المغاربة، ليُوافق عليه مجلس مدينة "عسقلان"، ثم صار محمد الخامس يُلقب ب "صديق الشعب اليهودي"، لكن الأمر لم يرق لبعض القادة السياسيين في إسرائيل، تحديدا حزب "الليكود" الذي عارض فتح أي حوار مع دولة لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. تبعا لذلك، جرى تخريب اللوحة التذكارية لمحمد الخامس مرارا وتكرارا، لكن على ما يبدو كان ذلك من قبل أتباع الحاخام المتطرف مئير كاهانا، الذي أسس حركة "كاخ" التي طالبت بأن تكون إسرائيل خالصة لليهود، لكنها حظرت بسبب العنصرية سنة 1988. وبعد أسبوع واحد من التفاني في الدفاع عن النصب التذكاري، أقدم عمدة المدينة على إزالة اللوحة خوفا من تداعيات سياسية سلبية مع المغرب، وهو ما تسبب في غضب اليهود المغاربة.