بعد أقل من شهر على هدم نصبه التذكاري للهولوكوست، بضواحي مراكش، تحدٍّ آخر للسلطات المغربية من طرف المواطن الألماني «أوليفر بينكوفسكي»، الذي شرع، مؤخرا، في بناء نصب تذكاري جديد على أنقاض المشروع السابق بقرية «آيت فاسكا»، بإقليم الحوز، للاحتفاء، هذه المرّة، ب «ضحايا مخيمات العمل القسري لبناء خط السكك الحديدية بالصحراء المغربية خلال الحرب العالمية الثانية»، فقد نشر بينكوفسكي على صفحته بالفايسبوك، أول أمس، صورا للأشغال بورش تشييد النصب الجديد، وكتب معلقا: «يحتاج المغرب إلى نصب تذكاري للآلاف من اليهود والجمهوريين الإسبان الذين ماتوا في بناء سكة حديد عبر الصحراء المغربية في ظل حكومة فيشي. المغاربة يقولون إن الأشخاص الذين لقوا حتفهم في هذه المخيمات ليسوا يهودا مغاربة، بل يهودا أجانب فقط. فهمت الآن لماذا دمرت الجرافات نصبنا التذكاري للهولوكوست.. لطمس قصة المخيمات». ونشر بينكوفسكي، الذي سبق له أن تحدّى قرارا رسميا بأمره بمغادرة التراب الوطني في ظرف ثلاثة أيام بسبب «إقامته غير الشرعية في المغرب»، (نشر) أيضا، رابطا لمقال مطوّل منشور بالموقع الإلكتروني لجريدة «هآريتس» الإسرائيلية بعنوان: «لماذا دمر المغرب نصب الهولوكوست؟»، وهو المقال الذي استعرض ما اعتبره «أسبابا» دفعت بوزارة الداخلية المغربية لإصدار قرار هدم النصب التذكاري، بتاريخ 27 غشت المنصرم، رغم أن كاتبي المقال قالا إن النصب، الذي يعتبر الأول من نوعه في شمال إفريقيا، تم تصميمه وتخطيطه وبناؤه تحت مراقبة الهيئات الرسمية للدولة. واستنادا إلى المقال، فإن الخطأ القاتل الذي ارتكبه بينكوفسكي هو تشكيكه في الرواية الوطنية المغربية المؤيدة من طرف اليهود المغاربة في جميع أنحاء العالم، الذين يشيدون بالدور البطولي للملك الراحل محمد الخامس، الذي يعتبر رمزا للتعايش بين المسلمين واليهود، في حماية حوالي 240 ألف يهودي مغربي، والذي أنقذ اليهود المغاربة من الإجراءات التمييزية المعادية للسامية التي فرضتها حكومة فيشي الموالية للنازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وصرّح بوضوح أمام السلطات الاستعمارية الفرنسية: «لا يوجد يهود في المغرب، فقط مغاربة وكلهم من رعاياي». ومضى المقال في توضيح هذا «الخطأ الحاسم»، معتبرا بأنه إذا كانت الإشادة بالدور التاريخي للملك محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة تعد شرطا لا غنى عنه لإحياء ذكرى الهولوكوست في المغرب، فإن بينكوفسكي كان له رأي آخر مخالف، إذ أوضح المقال بأنه يزعم بأن الملك محمد الخامس أصدر مراسيم معادية لليهود طردتهم من نظام التعليم العام، وحظرت عليهم الانخراط في مهن مثل المالية والإعلام، وأجبرتهم على مغادرة منازلهم للعيش في أحياء يهودية مكتظة، أو ما يُعرف بالملاح، قبل أن يخلص إلى أن «التاريخ يحتاج إلى أماكن للذاكرة وليس للحكايات الخرافية .. محمد الخامس لم يحم اليهود». أكثر من ذلك، فبعد هدم نصبه التذكاري، أطلق منشورات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على تاريخ معسكرات العمل القسري في حقبة فيشي بشمال إفريقيا، معلنا: «لأن اليهود الأجانب ماتوا في المغرب، فنحن بحاجة إلى ذكرى المحرقة»، في إشارة إلى «معسكرات العقاب والعمل القسري لنظام فيشي في في مستعمراته الأفريقية وفي شمال أفريقيا، التي احتجزت فيها المنشقين السياسيين الأوروبيين واللاجئين الأجانب والجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، وفي حالات قليلة فقط، المسلمون واليهود من شمال إفريقيا» يقول المقال، الذي أشار إلى أن بينكوفسكي كتب في منشوراته بمواقع التواصل الاجتماعي بأن «للمغرب أيضا قصة محرقة.. تسمى معسكر بوعرفة». أسباب أخرى كانت وراء قرار هدم النصب، حسب مقال الصحيفة الإسرائيلبة، من قبيل أن المشروع تم بدون ترخيص رسمي أو موافقة قادة الطائفة اليهودية المغربية، فضلا عن المعارضة الشديدة التي عبّر عنها معارضو التطبيع مع إسرائيل، كما أن الاحتفال بذكرى الضحايا المثليين الأوروبيين في السجون النازية أثارت حفيظة معارضي إقامة النصب، خاصة وأن المثلية الجنسية معاقب عليها قانونيا في المغرب. وختم مقال هآريتس بأن وراء قضية النصب التذكاري تلوح في الأفق قضية أكبر بكثير، وتتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وصنع السلام وسياسات الهوية العرقية، لافتا إلى أنه بالنسبة للمسلمين المغاربة واليهود الليبراليين، خصوصا في أمريكا، الذين يتوقون إلى تشجيع الحوار والتفاهم بين الأديان، فإن الدور البطولي للملك المسلم محمد الخامس في إنقاذ اليهود خلال الهولوكوست هو منارة الأمل وسط الصراع المستمر بين المسلمين واليهود في الشرق الأوسط. وذكّر المقال بأن الملك محمد الخامس حصل بعد وفاته على جائزة مارتن لوثر كينغ جونيور – أبراهام هيشل، لمقاومته الشجاعة للتدابير المعادية لليهود النازية التي نفذتها الحكومة الاستعمارية الفرنسية في المغرب، وذلك في احتفال شهده كنيس بنعشورون بمدينة نيويورك، في دجنبر من 2015.