على بُعد كيلومترات من العاصمة اللبنانية وعلى مرتفع كيلومترات من على سطح الأرض تطل تلك السيدة، بكل هيبة وشموخ، يأتيها المسلمون والمسيحيون واليهود؛ منهم من يأتي طمعا في ممارسة عبادة، وآخر للاستمتاع بالمناظر الجميلة فيما آخرون يرغبون في إشباع فضولهم، إلا أن المكان لا بد من أن يجذب أولئك الذين يزورون لبنان للمرة الأولى. هي حريصة لبنان، أو سيدة لبنان، كما يناديها آخرون ب Notre dame de Liban تختلف الأسماء وتتنوع باختلاف الجنسيات التي تزورها؛ فهي قبلة المسيحيين عبر ربوع العالم، ومزار للعبادة وواحد من أبرز المعالم السياحية اللبنانية. رحلة التلفريك الطريق إلى "سيدة لبنان" مميزة، فالضريح يحتل مكانًا في أحراج صنوبر، يطل على خليج جونيه، فوق تلة جبلية تبعد نحو 26 كيلومترا عن العاصمة اللبنانيةبيروت، والوصول إليها يحتاج أن تمر عبر مرحلة "التلفريك" أو "القاطرة المعلقة"؛ وهو ما يزيد الرحلة إمتاعا، خاصة أنك تتمكن من رؤية لبنان من فوق، وتطل على جميع المعالم البيروتية المميزة. الرحلة تستغرق بضع دقائق، يقطع مسافة 1570 مترا من خليج جونية إلى مزار السيدة الحريصة، ويبلغ ارتفاعه عند أعلى نقطة 550 مترا، من هناك يمكن الاستمتاع بالطبيعة اللبنانية والإطلال على بحر البلاد، كما المرور عبر أشجار الصنوبر المميز للمنطقة. رحلة التلفريك، التي تكلف 11 ألف ليرة للشخص الواحد ذهابا وإيابا، تمكن الزائرين من التعرف على منطقة جونيه الطبيعية بشكل كامل؛ وهو ما يميز الرحلة إلى "حريصة"، وحوّلها إلى "مزار سياحي". أنشئت التلفريك بالمنطقة عام 1695 من قبل شباب كانوا في رحلة مدرسية إلى المزار، ليحملوا الفكرة إلى الحكومة اللبنانية التي قامت بتنفيذ الفكرة. تقول راوية، شابة لبنانية: "من أهم المناطق التي تميز السياحة بلبنان، هناك منطقة السيدة الحريصة، وحتى غير المسيحيين يزورونها من أجل رحلة التلفريك الممتعة جدا". السياحة الدينية منطقة "سيدة لبنان" توفر للبلاد نوعا من السياحة الدينية، فهي بمثابة حج للمسيحيين من مختلف دول العالم؛ وهو ما يمكن أن تستشفه من خلال زيارتك للمكان، إذ ترى أناس بأشكال وجنسيات مختلفة يأدون الصلاة ويشعلون الشموع ل"الحريصة". وحتى أولئك الذين لا يحملون الديانة المسيحية تجدهم منجذبين للمكان، يؤكدون أنه يحمل طاقة إيجابية جميلة، ويستمتعون بالمناظر الطبيعية التي تؤثث المكان. تقول خديجة، سائحة من المغرب: "أحسست، خلال زيارتي للمنطقة، براحة جميلة؛ فالمكان مليء بالشحنات الإيجابية. ومن أكثر ما أثارني، مستوى إيمان الأشخاص الذين يقبلون على الزيارة والصمت السائد بالمكان، احتراما لمن يقيمون الصلاة". أساطير حول "الحريصة" أكثر ما يميز منطقة المزار هو أنه يقع على ارتفاع كبير، يضم تمثالا كبيرا على القمة للسيدة العذراء "حريصة لبنان"، وهو التمثال الذي يبلغ وزنه 15 طنا، وتتنوع أساطير حول هذا المزار "المريمي"؛ وهو ما جعله من أشهر مزارات العالم. وتقول الأسطورة الأولى إن سكان منطقة "تنورين"، إحدى القرى اللبنانية، نزحوا عقب حرب ما إلى منطقة حريصا، حاملين معهم تمثالا خشبيا للسيدة العذراء وهناك أقاموا معبدا صغيرا، قبل أن يتحول المعبد إلى مزار عالمي بتدخل فرنسي. وتم بناء تمثال "سيدة لبنان" بتبرع من مؤمنة فرنسية، قررت تشييد التمثال من البرونز المسكوب بطول يقدر بثمانية أمتار ونصف المتر، فيما قاعدته مشيدة من الحجر بعلو عشرين مترا؛ وهو ما يجعل المزار عاليا جدا. ويقول سائح من أستوكهولم: "حقيقة مكان يستحق الزيارة عدة مرات، لأن المنظر هنا قمة في الروعة؛ لكن أحرص على أن يكون الطقس مشمساً وغير عاصف، الكثيرون يصلون إلى القمة لكن يفوته متعة الصعود إلى التمثال وتسلق الأدراج الدائرية ولمن لا يصعدها فقد فاتته نصف المتعة". مضيفا: "وكذلك الصور أجمل من أعلى.. وبعد الاستمتاع، هنا توجد مطاعم ذات طلة رائعة تستحق الزيارة، وإن كانت جودة ما يقدمون بمستوى المتوسط ".