من بين حسنات 'العهد الجديد' أنه أوجد فصلا في القانون التنظيمي للبرلمان اسمه الفصل 14 ينص، حرفيا، على تتنافي العضوية في مجلس النواب مع صفة عضو في الحكومة وهذا، على المستوى النظري، يعتبر شيء جيد جدا بل منطقيا خاصة على المستوى التشريعي. لكن يبدوا أن هذه الحسنة قد تحولت، في أول جلسة للمجلس، إلى نقمة أدت إلى ما سماه رئيس فريق التجمع الدستوري الموحد "بالاضطراب الدستوري" الذي اشتعلت شرارته، كما يبدو، بمجرد أن أجمعت الأغلبية الحكومية على ترشيح وزير التجهيز والنقل كريم غلاب لترأس مجلس النواب والذي يعتبر منصبا بروتوكولي أكتر من أي شيء آخر في آخر المطاف. وبحسب المعارضة الجديدة فإنه لا يمكن، تطبيقا للدستور الجديد، أن يجمع رئيس مجلس النواب بين مهمته البرلمانية وكونه وزيرا في حكومة تصريف الأعمال الشيء الذي يجعله في حالة تناف واضحة وضوح الشمس، ويعتبر ذلك، بالتالي، "خرقا للدستور" بحسب تعبير الفريق الاتحادي في داخل قبة البرلمان الذي يجمع بين صفوف برلمانييه، هو أيضا، وزراء في حكومة تصريف الأعمال رفقة الوزير غلاب. لكن، في حقيقة الأمر، إذا كان ما اعتبره الإتحاد "خرقا للدستور" الذي تسبب فيه ترشيح-انتخاب غلاب رئيسا للبرلمان، أي حالة تنافي صفة رئيس البرلمان ووزير في حكومة تصريف الأعمال، صحيحا فإنه يعتبر، بديهيا، دليل واضح وأوتوماتيكي على أن الرفاق في البرلمان، إذ يناقشون حالة تنافي زميلهم الوزير كبرلمانيين، يشكلون، أنفسهم، خرقا للدستور بحكم أن فيهم وزراء في حكومة تصريف الأعمال. وفي هذا السياق يقول مقال نشر في هسبرس أن " الوزير الاتحادي إدريس لشكر لم يحترم ما تقتضيه منه سلطته كوزير مكلف بالعلاقة مع البرلمان، لتوضيح أسباب الخلاف، حيث حن إلى أيام المعارضة و"كشكش وأرغد وازبد"، الشيء الذي يعتبر من صميم عمل البرلماني وليس من عمل الوزير خاصة إذا كان هذا الوزير هو المكلف بالعلاقة مع البرلمان. ولعل أكبر خلل في الجلسة الأولى في البرلمان هو غياب الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان بشكل عملي، أما الأسوأ منه فهو تحول هذا الوزير الغائب عمليا إلى برلماني معارض. وربما تكون حالات التنافي هذه، من غلاب إلى لشكر مرورا بكل البرلمانيين/الوزراء البوليفالو ""polyvalents، حصرية في البرلمان المغربي بما بات يعرف في قاموس الدراما البرلمانية 'بالتنافي' التي ابتدأت مسلسلها مع 'الممثل' كريم غلاب وهي الحالة التي يتناولها هذا المقال بالنقاش. إن مسألة التنافي التي حدثت في حالة غلاب بجمعه بين منصبين أحدهما في الحكومة والآخر في البرلمان هي مسألة، ولو أن الدستور الجديد يمنعها حرفيا، تبقى مسألة، ربما، 'شكلية' لأن السيد غلاب وزير لم يبقى في عمر وزارته سوى بضع أيام قليلة وهو وزير في حكومة، عمليا، لم تعد لها صلاحيات. أكتر من هذا فبالرغم من أن غلاب يبقى المسئول الأول عن ذاك النقاش السطحي لعدم تقديمه استقالته كوزير ليتم انتخابه رئيسا للبرلمان بشكل هادئ (والله أعلم)، فإن المعارضة، وفيهم فقهاء في خبايا الدستور، يعلمون كل العلم أن مسألة التنافي في روح الدستور، عمليا، تقتضي الممارسة الفعلية لمسئوليتين إحداهما في البرلمان والأخرى في الحكومة، خاصة أن الرجل، أي غلاب، لديه ، دستوريا، مهلة كافية ليقدم استقالته كوزير بعد انتخابه رئيسا للبرلمان. بحسب الاستقلالي نور الدين مضيان، في مقال هسبرس المذكور، فالقانون الداخلي لمجلس النواب يعطي مهلة شهر بعد إعلان النتائج، الشيء الذي صرح به غلاب نفسه وعبر عن عزمه، بالتالي، الاستقالة مباشرة بعد أن ينتخب رئيسا للبرلمان (ربما بعد ما أن يتأكد من رئاسته للبرلمان) وفعلا ذاك ما كان. ولتبيان صحة هذا المعطى فحتى بعد معارضة إدريس لشكر، كبرلماني، القوية لترأس غلاب مجلس البرلمان نجده قد قدم استقالته من منصبه الوزاري بعد جلسة انتخاب غلاب رئيسا للبرلمان وليس قبلها ولم يعقب عليه لا المجلس الدستوري ولا حتى أي مواطن عادي بأنه خرق القانون، ولعل حالة لشكر بحسب المقال المذكور تعتبر حالة كاملة التنافي نظريا وممارسة. أبعد من هذا فبحسب لحسن الداودي، وهو تفعيل لمبدأ تحكيم الهيئات العليا المخول لها البت في القضايا المختلف عنها، أن الذي يريد أن يطعن عليه أن يذهب للمحكمة الدستورية، الشيء الذي قام به النائب/الوزير السيد لشكر نفسه مباشرة بعد جلسة انتخاب غلاب لكن للتساؤل عن حالة تنافيه هو وليس عن حالة غلاب الذي، نكرر على مسامع الجميع داخل وخارج البرلمان، قد قام بتقديم استقالته كوزير في حكومة تصريف الأعمال مباشرة بعد انتخابه رئيسا للبرلمان، فأين هو المشكل في المسألة برمتها إذن؟ -إن المشكلة، يا ممثلينا في البرلمان سواء في المعارضة أو حتى في الأغلبية، هو أن السبب الأساسي الذي يكاد يجمع المغاربة، خارج البرلمان، قاطبة عليه ليس هو حالة التنافي التي هي مرحلية ولم تقدم مصلحة أو تأخر مفسدة للشعب وإنما المشكل في اسم غلاب رئيسا للبرلمان هو، بصريح العبارة وبشكل بديهي، ورود ذات الاسم في شكاية تتهمه في 53 ملفا تسببت في ضياع الملايير والتي كان يمكن توفيرها للقيام بمشاريع تنموية. هذا بالإضافة إلى كون غلاب متهم من طرف جريدة الاتحاد الاشتراكي بالاستفادة من البقعة الأرضية في الملك العمومي البحري بشاطئ بوتي فال دور (سهب الذهب الصغير) بالقرب من تمارة بعد تكوين جمعية وهمية. ومصدر الشكاية يريد أن يطلع الرأي العام الوطني والدولي، من خلال شكايته، "على اللائحة الأولية لاستفادت غلاب من قطع أرضية وشقق أخرى وصلت مساحة الواحدة منها 2000 متر مربع وشقق فاخرة وصلت مساحة واحدة منها 290 متر. ". لو أن الشكاية ضد الوزير الحكومي (ورئيس مجلس يمثل المواطنين) كانت من مواطن عادي لكان لزاما انتظار كلمة القضاء قبل انتخابه رئيسا لمجلس يمثل الشعب، لكن، نقولها بكل حرقة ومرارة، فمصدر الشكاية ضد السيد كريم غلاب ليس مواطن عادي بل هي الجمعية الوطنية لحماية المال العام التي، كما جاء في رسالة رئيسها المفتوحة إلى غلاب، كان لها شرف اعتبارها نموذجا لمحاربة الفساد بشهادة المنظمة العربية لتنمية العلوم الإدارية التابعة للجامعة العربية. يضيف السيد الرئيس محمد طارق السباعي، "وكما لا يخفى عليكم فالهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب عضو بالائتلاف الدولي لمحاربة الفساد، ويشغل رئيسها الشبكة المغاربية لحماية المال العام"، والتي تقول 'أن الشكاية اشرف على تحريرها خبراء يرأسهم مهندس للقناطر والطرق وهو مستعد لمواجهة غلاب على الهواء وأمام الرأي العام الوطني والدولي. ويمكن العودة إلى رسالة الجمعية الوطنية لحماية المال العام المفتوحة إلى غلاب لمعرفة كل التفاصيل المحزنة. كنا نتمنى على المعارضة 'القوية' التي كان بعض نوابها غارقون في النوم، صراحة، أن يتحلوا بشجاعة أكبر وأن يعترضوا على رئاسة غلاب للبرلمان لأن هناك شكاية ضده من الجمعية الوطنية لحماية المال العام وبالتالي وجب، على الأقل، انتظار ما سيسفر عنه القضاء قبل انتخابه رئيسا للبرلمان. لقد كان حري على المعارضة أن تعترض على اسم رئيس البرلمان، ترشيحا وتصويتا، لأنه مدان، على الأقل إعلاميا، فلا يمكن، بالتالي، أن يكون، في دولة تحترم نفسها، رئيس البرلمان متهم في قضية مالية وليس فقط من أجل حالة التنافي. لقد كان على المعارضة (أو جزء منها) أن توجه سبب عربدتها و'كشكشتها' وانسحابها الجماعي من غرفة البرلمان (الغير مخطط له مسبقا!) إلى تهمة استيلاء رئيس البرلمان على بقعة أرضية إضافة إلى 53 ملفا لنهب المال العام الشيء الذي لا يتماشى مع وعود السيد رئيس الحكومة المنتخبة بمحاربة اقتصاد الريع واستغلال صفة وزير للحصول على امتيازات بدون وجه حق. ويبدو أن هدف المعارضة في أول جلسة في البرلمان، إذ عارضوا بدون التطرق إلى أمر الشكاية، كان هو فقط وضع العصا في العجلة ليس إلا. للتوضيح فلا أحد يحق له أن ينتقد ممارسة الحرية 'المصونة' لممثلي الأمة المعارضين في البرلمان لكن فقط، بعد إذن المعارضة، هناك إشارة بسيطة أتمنى من السادة البرلمانيين في المعارضة أن يتقبلوها بصدر رحب وهي أن طريقة اعتراضهم على وزير التجهيز والنقل السابق الاستقلالي كريم غلاب كانت صحيحة بل حازمة، والاسم المعترض عليه كان صحيحا بطبيعة الحال، لكن لم يكن سبب الاعتراض صحيحا. للأسف! *رئيس جمعية شباب بلا حدود للتنمية والتواصل-اليوسفية