حوالي 95 في المائة من الأراضي الواقعة بالنفوذ الترابي لإقليم زاكورة هي أراض سلالية تتقاسمها المئات من القبائل، الأمر الذي يدفع بأفراد من هذه القبائل إلى الترامي عن أراضي غيرهم، بحجة أن ملكيتها تعود لأجدادهم أو أنهم يملكون وثائق بشأنها تعود لمئات السنين. ويرى عدد من المهتمين بموضوع أراضي الجموع أن من بين الأسباب التي جعلت صراعات القبائل حول هذه الأراضي السلالية تعمر طويلا هو غياب تدخل سلطات الوصاية لتحديد هذه الأراضي أو "تقسيمها" بين القبائل، من أجل وضع حد لهذه النزاعات والصراعات القبلية التي تندلع شرارتها كل مرة في منطقة من المناطق. وزارة الداخلية التي أشرفت على إخراج قانون التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية قامت، منذ بداية السنة الماضية، بوضع مخطط لإحصاء ذوي الحقوق بجميع الجماعات السلالية، بتنسيق مع الجماعات السلالية ونواب أراضي الجموع والسلطة المحلية، من خلال تقديم لوائح أفراد ذوي الحقوق، قصد تحديد هذه الأراضي وتمليكها لأصحابها. وبمجرد انتهاء السلطات المحلية من إعداد لوائح ذوي الحقوق، انطلقت بعدد من مناطق إقليم زاكورة، على غرار باقي أقاليم الجنوب الشرقي للمغرب، مسطرة تحديد الأراضي، مما جعل العديد من القبائل تدخل في صراعات فيما بينها حول تلك الأراضي والذهاب إلى مكان التحديدات، مما ينذر بوقوع مواجهات دامية بينها، خصوصا في حالة ما إذا لم تتدخل وزارة الداخلية لتوعيتها بما لها وما عليها. أراضي الجموع رهان التنمية عبد الحكيم محداش، طالب باحث في سلك الماستر ينحدر من دائرة أكدز، أكد أن إقليم زاكورة عبارة عن وعاء عقاري تابع للجماعات السلالية، باستثناء ما تم تحفيظه من طرف مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن "هذه الأراضي التي أصبحت اليوم قنابل موقوتة تهدد السلم الاجتماعي بين القبائل يمكن أن تلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لو تم التخطيط لذلك بجدية"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية أن "الدولة يجب عليها تعبئة هذه الأراضي للاستثمار لخلق فرص الشغل للشباب، من خلال تسيير جزء من ممتلكاتها عن طريق الكراء أو التفويت، وكذا الاستغلال الفلاحي للمساهمة في إنجاز مشاريع تدخل ضمن مخطط المغرب الأخضر، والاستغلال الغابوي والنباتات العطرية، والاستغلال لأغراض تجارية وصناعية وسياحية"، على حد قوله. وأوضح محداش أن فكرة التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية التي تباشرها وزارة الداخلية وشركاؤها في الوقت الحالي "فكرة خائطة يمكن أن تحمل عواقب وخيمة، خصوصا أنه كان يجب أن تأتي بعد عقد مجموعة من اللقاءات مع ممثلي القبائل ليفهموا أولا معنى التحديد الإداري"، مشيرا إلى أن "أغلب هذه القبائل لا تفقه شيئا في هذه القوانين ولا يمكن أن توافق عليها"، وفق تعبيره. صراعات ونزاعات في الوقت الذي تراهن فيه وزارة الداخلية على وضع نهاية للمشاكل التي تعرفها الأراضي السلالية من خلال تحديدها، عرفت عدد من مناطق إقليم زاكورة اندلاع صراعات بين بعض القبائل حول هذه الأراضي، كل قبيلة ترفض تحديد أراضيها لصالح القبيلة الأخرى، وهو ما ينذر بحدوث مواجهات بينها. جمال ايت علي، فاعل جمعوي بمنطق تزارين، قال إن "وزارة الداخلية هي التي تلعب بالنار في مسألة تحديد الأراضي"، مشيرا إلى أن "القبائل التي مازالت تحكمها الأعراف لا يمكن أن تتنازل عن شبر من أراضيها، فهي يمكن أن تتخلى عن كل شيء إلا الأرض". وشدد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، على أن هذه الأراضي تعتبر من "القنابل التي تنتظر أي لحظة لتنفجر"، داعيا وزارة الداخلية إلى القيام بدراسة للوضع قبل اتخاذ أي قرار قد يكون في صالح المنطقة أو ضدها، واستحضار التوازنات القائمة في أعراف هذه القبائل والسعي نحو السلم الاجتماعي، معتبرا أن "الخطوة التي أقدمت عليها الوزارة الوصية على هذه الأراضي خطوة حميدة لحماية أراضي القبائل من الترامي والتملك غير الشرعي، إلا أن ذلك يجب أن يأتي بعد توعية المواطنين بأهميتها"، وفق تعبيره. من جهته، أورد حسن جمال الدين، من قيادة النقوب، أن الصراعات القبلية حول الأراضي ستعود مجددا إلى هذا الإقليم، قائلا: "بعد صراع قبائل أعريب والمهازيل، هناك حروب كلامية بدأت بين قبيلة المشان نعبدي وايت تنومريت حول التحديد الإداري، وهناك مجموعة من القبائل الأخرى التي تستعد للتعرض على أي تحديد مرتقب"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث ذاته، ضمن تصريح أدلى به لهسبريس، أنه لم يتم تحديد أغلب هذه الأراضي بشكل طبيعي أو سلمي، مبرزا وجود احتمال أن تقع المواجهات والصراعات بين القبائل حولها، مطالبا الدولة بأن "تتحمل مسؤوليتها في هذا الإطار، وأن تحمي أراضي المواطنين من أي ترام، وفي الوقت نفسه أن تحافظ على السلم الاجتماعي"، وفق تعبيره. التحديدات مصلحة الجميع مصدر من داخل عمالة إقليم زاكورة أكد في معرض حديثه عن التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية بالإقليم أن التحديدات سيتم القيام بها طبقا للقانون، من أجل حماية أراضي الجموع من الترامي والتملك غير الشرعي، مشيرا إلى أن هناك مساطر خاصة بمثل هذه التحديدات سيتم العمل عليها لحماية أراضي المواطنين. وشدد المصدر ذاته، في اتصال بهسبريس، على أن هذه التحديدات الإدارية هي في الأخير تصب في مصلحة القبائل وليس العكس، موضحا أن "من شأن هذه التحديدات أن تنهي الصراعات والنزاعات طويلة الأمد بين هذه القبيلة وتلك"، مضيفا أن "الجمعيات المدنية ونواب أراضي الجموع يجب أن يساهموا، كل من موقعه، لتوعية المواطنين بأهمية هذه الخطوة للحفاظ على الأراضي وحمايتها"، وفق تعبيره. وذكر المتحدث نفسه أنه من حق القبائل، بعد تحديد الأراضي، أن تقوم بكرائها أو تفويتها للمستثمرين، أو تقسيمها في ما بين أفرادها من أجل إنجاز مشاريع تنموية، اقتصادية واجتماعية قادرة على خلق فرص الشغل وتقليص نسبة البطالة في صفوف الشباب، معتبرا أن "هذه التحديدات لها فوائد كثيرة ستعود بالنفع على أصحابها"، وفق تعبيره. وبخصوص الصراعات والنزاعات التي تؤدي في غالب الأحيان إلى مواجهات بين القبائل، قال المصدر ذاته إن القانون واضح في مثل هذه الأمور، لافتا إلى أن "السلطات يمكن أن تلتجئ إلى المساطر القانونية في حق المشاغبين والمخربين ولا يمكنها التساهل مع من خالف القانون"، وفق تعبيره. قبائل تعترف بالأعراف بعض القبائل بإقليم زاكورة، وكباقي القبائل بالأقاليم المجاورة، ما تزال تحكمها الأعراف في كل شيء، بما في ذلك الأراضي، حيث هناك بعض القبائل التي تتشبث بملكية الأرض لأن أجدادها ربما كانوا يرعون فيها، وهناك من يمتلك وثائق تعود إلى ما قبل عهد الاستعمار. وفي هذا الإطار، قال أحمد بناصر، شيخ يبلغ من العمر 85 سنة وينحدر من جماعة تزارين، إن القبائل كانت قديما تعرف حدود أراضيها ولا أحد يستطيع أن يترامى على ملك الغير، مضيفا أن "القبائل لا تتساهل مع أي قبيلة كيفما كانت إذا ما حاولت أن تترامى على أرض قبيلة أخرى، والجميع كان يعلم حدود أرضه، والكل يعيش في سلام"، وفق تعبيره. ويرجع ذلك، وفق ما أكده المتحدث لهسبريس، إلى تطبيق "ازرف أمازيغ" في حق كل من تطاول على ملك الغير وسيادة الأعراف والتقاليد كقانون، مشيرا إلى أن "القانون الحالي هو الذي تسبب في هذه المشاكل التي تتخبط فيها القبائل اليوم، وهو الذي ساهم في هذه الصراعات والمواجهات"، وفق تعبيره.