انتقد عبد الرحيم شيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، ما قاله خالد الصمدي، كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في سياق مشاركته في برنامج "ضيف هسبريس"، الذي بُثَّ مباشرة على جريدة هسبريس الإلكترونية، وعلى موقِعَي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"يوتوب". وذكر شيخي أنّ "أوّل مغالطة" لكاتب الدولة هي قوله إنّ القانون الإطار المتعلّق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي أعطى تنزيل الهندسة اللغوية الجديدة أجلَ ستِّ سنوات، يتمّ تخصيصها لتأهيل التلاميذ أولا في اللغات، مستشهدا بقوله: "مَا يْتْصوّرش المشاهد بأنه غدا في الدخول المقبل غَايبْداوْ الناس يقْراوْ بالفرنسية، هذا انتحار في تقديري.. وأيضا لتأهيل المدرسين، لأن أي انتقال بشكل طفرة سيؤدي إلى تراجع رهيب جدا في مستوى المتعلّمين، وإلى انتكاسة حقيقية في أول خطوة من خطوات تطبيق هذا القانون". وتساءل شيخي هل الصمدي "ليس على علم ب"محاولات الانتحار التي كللت بالنجاح"، وب"التراجع الرهيب"، وب"الانتكاسة الحقيقية" التي أشرف عليها القطاع الوصي، وقامت بها الأكاديميات الجهوية، التي سارعت إلى تعميم تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، دون حاجة إلى انتظار قانون أو مرسوم؟". وأضاف شيخي أن هناك مذكرات أصدرتها الأكاديميات ومديريات الوزارة بهذا الصدد لفرض التدريس باللغة الفرنسية دون تحضير للأساتذة، ولا إعداد للكتبِ المدرسية، وفق مسطرة المصادقة المعمول بها منذ تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وزاد قائلا: "لقد ألزمت إحدى الأكاديميات في الموسم الدراسي الماضي الأساتذة والتلاميذ بالتحول إلى تدريس مواد علمية باللغة الفرنسية، بعد شهرين من التدريس باللغة العربية، مما تطلب من المتعلمين التخلّي عن المقررات بالعربية التي اقتَنوها، وشراء أخرى بالفرنسية". وأشار شيخي إلى أن حديث الصمدي عن كون تفاصيل "الهندسة اللغوية" ليست ضمن القانون، وأنها مفصلة في الرؤية الاستراتيجية، وأنها ستصدر بمرسوم، فيه ثقة تامة وطمأنة للمواطنين، وكأنها ستعتمد كما هي، مذكرا إياه ب"ما حدث لتعريف "التّناوب اللغوي" الوارد في الرؤية نفسها، والذي تم تجاوزه تعسّفا، وأصبح بعض المتحدّثين باسم الوزارة الوصية وبعض المسؤولين يتجاوزون ما تم التوافق حوله في الرؤية في تعريف التناوب اللغوي، ويقولون إن تعريفه كما هو "متعارف عليه دوليا" هو الذي يجب اعتماده، وأن ما ورد في الرؤية الاستراتيجية "رأي استشاري" و"ليس وحيا" لا يجوز تغييره، كما ذكر ذلك مدير البرامج والمناهج في أحد البرامج الحوارية". كما ذكّر رئيس حركة التوحيد والإصلاح كاتبَ الدّولةِ المكلّف بالتعليم العالي والبحث العلمي بما جاء في كلمة فريق العدالة والتنمية، خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع القانون الإطار، التي انعقدت بمجلس النواب يوم الاثنين 22 يوليوز 2019، والتي عبّر فيها الحزب عن "أسفه الشديد مما وقع من انزياح لأحد مبادئ الهندسة اللغوية عن البناء اللغوي العام الناظم لتلك الهندسة"، وإضافته أن "مبادئ الهندسة اللغوية نسق مترابطةٌ عناصره..، وأي خلل في إحداها قد يُفقد البنيان اتساق عناصره وانسجامها وتوازنها". وأضاف شيخي أنه ورد في كلمة الفريق نفسه أنّ "الخلل الذي أصاب "البناء اللُّغوي" أو ما يسمى ب"الهندسة اللغوية" في القانون، أصاب تحديدا مبدأ "التناوب اللغوي"، بعدما تحلَّلت الصيغة التعديلية للتعريف الواردة في "المادة 2" عمَّا ورد في الرؤية الاستراتيجية، التي تبناها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وضمَّنها في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي أقرها الملك، ودعا إلى تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانون إطار، يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع ويلتزم الجميع بتفعيل مقتضياته كما ورد في ديباجة المشروع"، مشيرا إلى أن المسار كان عاديا "لولا ما طرأ على المادة الثانية، وحادَ بها عن الصيغة الأصلية الموافقة للرؤية الاستراتيجية، فأدخل هذا الانزياحُ في مسارٍ كنا جميعا في غنى عنه". وأوضح شيخي أن "المغالطة الثانية" التي ذكرها خالد الصمدي "تتعلّق بالمكانة المهمة للغة العربية، وفشل سياسة التعريب"، مضيفا أن الاستنتاج الذي يتبادر إلى ذهن المشاهد والمتتبع للحوار هو أنه "كان بإمكاننا أن نُنْجحَ سياسة التّعريب لو توافرت الإرادة لدى المؤسسات المعنيّة، وتحمّلت الحكومة مثلا مسؤوليتها وقامت بإيصالها إلى الجامعة". واستحضر رئيس الحركة ما قاله كاتب الدّولة حول "عدم خلطه بين اللغة العربية وسياسة التعريب، لأن هناك فرقا كبيرا بينهما"، وكون "اللغة العربية لغة قادرة وأثبتت جدارتها في المجالات الفكرية والعلمية والطبية، وهناك تجارب ناجحة كبيرة وكبيرة جدا"، وهو ما ردَّ عليه شيخي بالقول: "أليس هذا ما ردده الكثير من الخبراء والمختصين والفاعلين، أفرادا وهيئات، ودافعوا عنه إلى أن بُحّت أصواتهم، وأشاروا إلى التجارب الناجحة، ودعوا إلى النسج على منوالها بنَفَس تجديدي معاصر من شأنه أن يحفظ، حقيقة، لِلغتين الرسميتين مكانَتَهُما الدستورية؟". وبينما يرى الصمدي الحل فيما جاء به مشروع القانون الإطار في التعليم العالي، لأنه "يمكن أن يحقق مكاسب أكبر بكثير من السابق في مكانة اللغة العربية.. بإمكانية فتحِه مسالك للتّدريس بأربع لغات، أولاها اللغة العربية"، تساءل شيخي "كيف يستقيم في الذهن أن التلاميذ الذين سوف يدرسون المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية طيلة مسارهم الدراسي، سيختارُون مسالك التدريس باللغة العربية بالجامعة إن وُجدت، مع ما يعلمه الجميع من الجهد المطلوب لذلك، والمشقة التي يجب أن يتحملها المتعلم في التأقلم مع لغة تدريس جديدة بالنسبة إليه، ولو كانت هي العربية؟". واستفسر شيخي عما إذا لم تكن هذه الصيغة فقط "صيغة مقلوبة لما نحن عليه اليوم من مسار دراسي يعتمد التدريس بالعربية إلى حدود البكالوريا وبالفرنسية في الجامعة"، مستغرِبا "التّبشير بأنها ستنجح مقلوبة بعدما أُفْشلت وهي مستوية مستقيمة". كما تطرق شيخي إلى "الصّدمة القويّة" التي يُصدم بها المتتبِّعُ، الذي يظنّ أنّ هذه المسالك بالجامعة، خاصة التي يمكن أن يكون التدريس فيها باللغة العربية، ستتحمل الحكومات المتعاقبة أو الدولة مسؤولية إخراجها إلى حيز الوجود، عندما يسمع كاتب الدّولة يقول إن "الرهان عند أساتذة التعليم العالي"، الذين يرغبون في فتح تلك المسالك. وعلّق شيخي على هذا المعطى قائلا إنّ "المسؤولية تُلقى مرّة أخرى على كاهل الأساتذة، أو المدافعين عن اللغة العربية، ليفتحوا المسالك ويتحمّلوا جهود الترجمة، وغيرها من المستلزمات العلمية والبيداغوجية، وربما اللوجستيكية، التي هي في الأصل مسؤولية الدولة، التي يُحمّلها الدستور واجب العناية والحماية والتطوير للّغتين الرسميتين"، مضيفا أن "الرهان يوجد عند الدولة والحكومات المتعاقبة، التي تُشَكَّل من أحزاب تخوض الانتخابات، ويَنتظِر منها المواطن أن تحلَّ مشاكله، لا أن تُلقي عليه باللّائمة لأنها فتحت الباب، لكنه عجز عن دخوله". وختم رئيس حركة التوحيد والإصلاح مقاله، مذكّرا كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي بما جاء في كلمة فريق حزبه، التي أكّدت عدم نجاح مخالفيهم في إقناعهم بالصيغ التي يقترِحونها للمادتين موضوعَي الخلاف، وعدم تمكن الحزب من إقناع المكونات الأخرى بالتزام الصيغة الأصلية الواردة في النص المحال على البرلمان. واستحضر شيخي قول فريق العدالة والتنمية، في وقت سابق، إن الصيغة الأصلية هي "الأنسبُ والأصوبُ، بالنّظر لانسجامها مع المقتضيات الدستورية أولا، ومع التّوصيات الواردة في الرؤية الاستراتيجية ثانيا، التي أقرّها الملك بعد مسار تشاوري واسع شاركت فيه كل مكونات المجتمع.. فضلا عن توافقها مع كل المستمسكات العلمية والأكاديمية ذات الصِّلة، وتطابق مضمونها مع الممارسات الفضلى والتجارب الدولية الناجحة"، إذ "لا توجد دولة من الدول التي حقّقت تقدما في نظامها التعليمي، بالاعتماد على لغات غير لغاتها الرسمية في التدريس"، مذكّرا بتمييز الكلمة بين "لغات التدريس وتدريس اللغات، الذي تدعو… إلى تقويته وتطوير مقارباتِه وطرائقه البيداغوجية، من أجل تمكين أبناء المغاربة من إتقان اللغات الأكثر تداولا في العالم".