بخطوات ثابتة يسير المغرب على درب التنمية الاقتصادية؛ فبعد اعتماده الكلّي على الاقتصاد الأوروبي منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، شرع في الانفتاح على مجموعة من الأسواق الجديدة، بعدما أرخت الأزمة الاقتصادية لسنة 2007 التي شهدها التكتل الاقتصادي بظلالها على النمو الوطني، ليعمد بعدها إلى تنويع شراكاته التجارية مع بلدان القارة الآسيوية، إلى جانب المنافع الاقتصادية التي ترتبت عن "اختراق" أسواق القارة السمراء. وتعتبر السوق الآسيوية خيارا ناجحا بالنسبة للمملكة، لاسيما في مجالات الصناعة التقليدية وصناعة السيارات والأنظمة الإلكترونية والبرمجة والمعلوميات، فضلا عن تبادل الخبرات والمعارف التقنية، وكذلك ما يتعلق بتعزيز التعاون العسكري، خصوصا بعد تغيّر موازين القوى الدولية؛ بحيث أضحت كل من الهند والصين وباكستان قوى صاعدة لا يُستهان بها. هذه الرغبة المتبادلة في تعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية يعكسها التصريح الذي أدلى به السفير المغربي في باكستان لوكالة الأنباء الباكستانية الرسمية، اليوم الاثنين، والذي قال فيه: "يجب بذل المزيد من الجهود على مستوى القطاعين العام والخاص، سواء تعلق الأمر بالمملكة أو باكستان، بغية الدفع قدما بالاستثمار والتجارة البينية بالنظر إلى الإمكانات الاقتصادية للبلدين". وأضاف محمد كرمون، سفير المملكة المغربية المعتمد لدى جمهورية باكستان الإسلامية، قائلا: "لست سعيدا بخصوص الاستثمار والتجارة البينية في الوقت الحالي، الأمر الذي يستدعي تسريع وتيرة التعاون الاقتصادي من كلا البلدين"، داعيا إلى بذل المزيد من الجهود المعمقة للوصول إلى المستوى المطلوب من التعاون الثنائي. وتستورد باكستان ما يقارب 250 مليون دولار من الفوسفاط من المغرب، لاسيما أنها دولة فلاحية بالدرجة الأولى، مقابل تصدير منتجات النسيج إلى المملكة، على أساس أن صناعة النسيج الباكستانية تشكل سبعين في المائة من صادراتها الوطنية، لكن العلاقات التجارية بين البلدين مازالت في حاجة إلى دفعة جديدة لإعطائها نجاعة أفضل. وتستدعي التطورات الأخيرة بالمملكة تسليط الضوء على المقاربة الاقتصادية التي باتت تنهجها خلال السنوات الأخيرة، تحديدا منذ الأزمة الاقتصادية لسنة 2007، التي شكلت منعطفا جديدا في طبيعة العلاقات التجارية التي تجمع المملكة بشركائها الاقتصاديين؛ حيث انفتحت على أسواق جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، مع الاحتفاظ بالعلاقات التقليدية مع التكتل الأوروبي. المهدي الفقير، باحث في الشؤون الاقتصادية، قال إن "عقيدة المنظور الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة تعتمد على الانفتاح على الخارج، ما يجعل الاقتصاد المغربي منفتحاً، وهو ما يتجسد في الاتفاقيات الدولية التي عقدها المغرب في الفترة الأخيرة، المتعلقة أساسا باتفاقيات التجارة الحرة وتعزيز المبادلات التجارية، حيث بدأ في الاعتماد الكلي على الاتحاد الأوروبي في تسعينيات القرن الماضي، لكنه شرع في الانفتاح بدءا من الألفية الثالثة". وأضاف الفقير، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الاختلال برز بشكل جلي في الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2007، نتيجة التبعية للشريكين الأوروبي والأمريكي، وبشكل أخص أوروبا، ما استدعى تنويع الشركاء التجاريين، لاسيما بعد تغيّر موازين القوى الاقتصادية، حيث برزت قوى جديدة لها من الوزن والقوة ما يستدعي أخذها بعين الاعتبار". وأوضح الخبير المحاسباتي أن "المارد الصيني والعملاق الهندي صارا يحتلان الواجهة، مع بروز قوى إقليمية صاعدة أخرى مثل تركيا وجنوب إفريقيا، ومن ثمة صارت مسألة تنويع الشراكة الاقتصادية حيوية ومصيرية، ما أدى إلى تنويع السياسات النقدية للدولة، بحيث أعيد النظر في سلة العملات الأجنبية سنة 2015، فقد كانت قيمة الدرهم تحدد سابقا بنسبة 80 في المائة على أساس قيمة اليورو، و10 في المائة بالنسبة للدولار، بينما تغيرت الأمور إلى 60 في المائة لليورو و40 في المائة للدولار الأمريكي". وبخصوص الشراكة التجارية المغربية الآسيوية، أكد الخبير الاقتصادي أنها "شراكة قديمة ومتجذرة، لاسيما ما يتعلق بالهندوباكستان، حيث جمعتنا علاقات اقتصادية بخصوص الفوسفاط، ومن ثمة نحن لا نسعى حاليا إلى اكتشاف هذه الأسواق، لأننا نعرفها مسبقا، لكن هذه الدول الآسيوية بنفسها تسعى إلى تنويع شركائها التجاريين، على أساس أن المغرب تتوفر فيه ظروف الاستثمار والاشتغال ولو كنّا بعيدين جغرافيا، دون إغفال أيضا العلاقات بين المغرب ودولة البنغلاديش في مجالات البرمجة والمعلوميات وتبادل الخبرات". أما السوق الإفريقية، بحسب المتحدث ذاته، فإنها عبارة عن "خيار استراتيجي للمغرب بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي، حيث سعى إلى الانخراط في التكتلات الجهوية في غرب إفريقيا، وكذلك التوقيع على الشراكة التجارية في المنطقة الإفريقية الحرة، لاسيما في ظل الغموض بخصوص مستقبل الاتحاد الأوروبي مع خروج بريطانيا، ما يفرض على المملكة حماية اقتصادها الوطني وتعزيز تنافسيته".