بعد تقديم مخطط عمل ترشيح المغرب للحصول على وضع شريك الحوار القطاعي لرابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»،بداية العام الجاري، تكون المملكة قد عززت دبلوماسيتها في آسيا بمقاربة استباقية، بهدف التموقع ضمن هذا التجمع الإقليمي الرئيسي والكبير في القارة الأسيوية. وتأتي هذه الخطوة في إطار الجهود الدبلوماسية المتواصلة للمملكة، التي تعمل على تجسيد الإرادة التامة في الانفتاح، وتنويع الشركاء السياسيين والاقتصاديين، وفقا للرؤية الاستراتيجية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى تنويع شركاء المغرب، والتوجه نحو مجالات ومناطق جغرافية جديدة، ونشر قيم التسامح والسلام. إن الأمر يتعلق بنشاط دبلوماسي مكثف، ذلك أن المملكة واعية بالمؤهلات الاستراتيجية لهذا التموقع ،الذي يحمل مشروع شراكة رابح رابح في إطار تعاون جنوبجنوب،حيث يبرز المغرب كنموذج رائد على مستوى القارة الافريقية. وبالإضافة إلى إرادة التموقع ضمن تجمع اقتصادي ناهض وتعزيز حضوره الدبلوماسي،يقدم المغرب ،عبر هذه الشراكة، خبرته المتميزة في مجال التعاون جنوبجنوب،وريادته فيما يتعلق بالنهوض بالإسلام المعتدل وتجربته ومقاربته الفعالة في مجال محاربة التطرف والإرهاب. إن رابطة بلدان جنوب شرق آسيا، تأسست عام 1967 في بانكوك «التايلاند»، وتضم عشر دول، وهي اندونيسيا والفلبين والفيتنام ولاوس وكمبوديا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند وبرمانيا وبرونا. وقد وافق وزراء خارجية بلدان الرابطة، في عام 2016 بفيينتان بالاوس، على انضمام المغرب إلى معاهدة الصداقة والتعاون للرابطة. أما مفوضية نهر الميكونغ، فهي منظمة شبه إقليمية أحدثت في 5 أبريل سنة 1995 على أساس «لجنة ميكونغ» المتواجدة منذ عام 1957، وتضم رسميا أربع دول أعضاء، وهي: تايلاندوكمبوديا ولاوس والفيتنام، وهي دول أعضاء في رابطة الآسيان «وقد حصل المغرب على صفة شريك التنمية لهذه المفوضية في يونيو 2017». ويعد تقديم مخطط عمل ترشيح المغرب للحصول على صفة شريك الحوار القطاعي لدى رابطة الآسيان تقدما كبيرا في خطوة المملكة لدى هذا التجمع الإقليمي، وعبر هذا الترشيح ،فإن المملكة بموقعها الاستراتيجي ونموها المفتوح على القارتين الافريقية والأوروبية ،ستربح رهان ولوج سوق تمثل 650 مليون مستهلك «نحو 8.8 من الساكنة في العالم» مع ناتج داخلي خام يصل إلى 2600 مليار دولار،إضافة إلى أن منطقة الآسيان تعد قوة اقتصادية رئيسية وتسجل أعلى نسبة نمو في العالم بمعدل سنوي يتمحور حول نسبة 6 في المئة. ويعد «تجمع رابطة الآسيان» قوة اقتصادية إقليمية ذات مؤهلات كبيرة بعد أن أنشأ في 31 دجنبر 2015 مجموعة اقتصادية «آسيان الاقتصادية» بهدف إقامة سوق مشتركة ،على غرار النموذج الأوروبي، تتضمن التبادل الحر والتدفق الحر لرؤس الأموال والسلع والخدمات والاستثمار والعمالة الماهرة. وباعتبار المملكة، الدولة العربية والإفريقية، التي تحصل على صفة شريك لرابطة الآسيان، فإنها، بدون شك، تثير اهتمام هذا التجمع الأسيوي كونها شريكا يتمتع بموقع استراتيجي بين قارتين، أوروبا وإفريقيا، وملتقى للطرق البحرية الكبرى للتجارة الدولية. وبنسجه علاقات اقتصادية وتجارية مع هذه الرابطة ،فإن المغرب تتاح له فرصة ثمينة لزيادة تنافسية اقتصاده الوطني في السلسلة العامة لإنتاج السلع الوسيطة والخدمات. وفي السياق ذاته، تشكل المزايا النسبية للمملكة قوة جذب حاسمة بالنسبة للشركات الأسيوية، متعددة الجنسيات العاملة بالخصوص في قطاعات النسيج وصناعة السيارات والطيران والصناعة الصيدلانية والتكنولوجيا الحديثة والصناعات الكيماوية والسياحة والبنوك والتأمينات، وهي قطاعات نجح المغرب في ترسيخ ريادته فيها على صعيد القارة الافريقية. كما أن سرعة نمو الشحن البحري وخصوصا النقل بالحاويات، سيقوي الانتشار الجيواستراتيجي العريق للموانىء والمضايق بالنسبة لبلدان رابطة الآسيان. ومن ثمة، فإن المغرب مدعو أكثر من أي وقت مضى لتسخير مؤهلاته الاستراتيجية في إطار النمو السريع للتجارة البحرية، وبالتالي التموقع ضمن الإطار الجديد الجيوسياسي للمحيطات. إن المغرب،الذي يوجد في ملتقى بحرين، وفي مفترق طرق أوروبا وأامريكا وافريقيا والعالم العربي، مدعو للعب ورقته كمنصة تنافسية ومحور رئيسي للتدفقات التجارية عبر منصته المينائية طنجة المتوسط. ومن هذا المنظور، وبإدماج الأفق الاستراتيجي التجاري للآسيان بالنسبة لهذه المنطقة ،فإن ميناء طنجة المتوسط ،بفضل موقعه الاستراتيجي، مرشح ليشكل ملتقى للتجارة الشاملة للتدفقات القادمة من آسيا في اتجاه افريقيا وأوروبا. وفي إطار هذا الأفق،فإن التعاون المغربي يعطي أهمية خاصة للجنة نهر ميكونغ، التي تعد بوابة الدخول إلى فضاء منطقة الآسيان. فمنذ حصوله على صفة شريك التنمية لمفوضية نهر ميكونغ، قدم المغرب مبادرات عدة، تتمثل في مشاريع للتعاون تهم قطاعات حيوية تسترعي اهتمام هذا التجمع الاقليمي. وفي هذا الاطار، تاتي مبادرة التعاون التقني للمغرب مع بلدان مفوضية نهر ميكونغ في مجال تدبير المياه والتنمية البشرية وحماية البيئة. وبفضل هذه الدبلوماسية النشطة ومشاريع التعاون التقني، التي بدأت مع بلدان لجنة نهر ميكونغ المهتمة بالخبرة المغربية في ميادين من قبيل تدبير الموارد المائية والطاقات المتجددة ،لقي ترشيح المغرب للحصول على وضع شريك الحوار القطاعي، ترحيب عدة بلدان من رابطة الآسيان ،بحيث عبرت كل من كمبوديا وميانمار ولاوس عن دعمها لترشيح المملكة. وكان المغرب قد شارك في القمة الثالثة للجنة نهر ميكونغ التي انعقدت في مارس الماضي في سيام ريب بكمبوديا، ليكون بذلك أول بلد عربي إفريقي يشارك في مثل هذه القمة التي يحضرها رؤساء حكومات هذا التجمع الاقليمي. ومن المتوقع أن يحصل المغرب على وضع شريك الحوار القطاعي خلال قمة رابطة الآسيان عام 2019 في تايلاند ،التي تجمعها مع المملكة علاقات متميزة ، وبالتالي إرساء شراكة استراتيجية مع هذا التجمع الإقليمي للاقتصادات الناهضة في جنوب شرق آسيا.