بخلاف الهالة الإعلامية التي تُخصّص للصناعة العسكرية الجزائرية على الدوام، فإن وسائل الإعلام في الجارة الشرقية لم تتحدث هذه المرة نهائيا عن إقدام بلد "المليون شهيد" على تصنيع وتطوير الصواريخ الحربية، لتنضم بذلك الجمهورية الجزائرية إلى نادي الجيوش التي تمتلك برامج صناعة الصواريخ، وفق ما أفاد به الموقع الفرنسي "مينا ديفانس"، المتخصص في الصناعة الحربية والإنتاج العسكري. الصواريخ الحربية اعتزام "بلد الجنرالات" دخول غمار تصنيع الصواريخ الحربية لم يتم الكشف عنه من قبل المؤسسات العسكرية الجزائرية، لاسيما مديرية الصناعات العسكرية وإدارة الدفاع الوطني، لكنه ورد في آخر عدد من الجريدة الرسمية الجزائرية، ولو بطريقة مبطّنة، بحيث يكشف المرسوم الرئاسي رقم 19-200 عن إحداث مؤسسة تطوير المنظومات التقنية ذات طابع صناعي تابعة للقطاع الاقتصادي للجيش الوطني الشعبي. المؤسسة سالفة الذكر وضعت تحت وصاية وزير الدفاع الوطني، وتعهد إليها مهمة وضع التصاميم وهندسة المشاريع وصناعة أنظمة الأسلحة الخاصة والذخائر الخاصة، ومن ثمة تسهر المؤسسة العسكرية على عمليات البيع والشراء والاستيراد والتصدير في مختلف التجهيزات الحربية. كما تتشكل المؤسسة من مجموعة من الهياكل؛ من بينها مديرية الصناعات العسكرية والمديرية المركزية للعتاد وأركان الجيش الوطني الشعبي ومديرية المصالح المالية، وغيرها. الغايات الفعلية للمؤسسة الجديدة، التي أحدثت بمرسوم رئاسي، يمكن استيعابها من خلال طبيعة المساهمين فيها وشركائها الدوليين، يوضح الموقع المتخصص في الشؤون العسكرية، لافتا الانتباه إلى كون الجيش الوطني الشعبي يعد أبرز فاعل تقليدي، إلى جانب المديرية المركزية للصناعة العسكرية ومديرية المؤن داخل وزارة الدفاع الوطني، فضلا عن المديرية المركزية لأمن الجيش لأركان الجيش الوطني الشعبي. شركاء أجانب مختار سعيد مديوني، عقيد جزائري متقاعد، أبرز أن "روسيا تضطلع بدور محوري في كل ما يتعلق بالتسليح الجزائري، بحيث تسعى البلاد إلى تطوير صناعتها العسكرية في المستقبل، من خلال إدراج التقنيات المتقدمة في المجال العسكري"، مؤكدا أن "الجيش الوطني لا يريد استخدام الأجهزة الحربية فقط، وإنما يودّ أيضا فهم الأنظمة العسكرية". وفي حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أوضح العقيد الجزائري أن "الجزائر تسعى إلى فهم الأنظمة التكنولوجية المتقدمة وإتقانها، ما من شأنه تطوير صناعة خاصة، بناء على مواردها الذاتية، بحيث يريد الجيش الوطني الحصول على هذه التقنيات وجعلها أكثر فاعلية"، مردفا أن المجالات التي يرغب الجيش في تطويرها هي "المركبات العسكرية والطائرات بدون طيار والمروحيات، فضلا عن إطلاق مراكز البحوث التقنية". كما سيكون ضمن شركاء المؤسسة العسكرية، وفق المصدر عينه، الشركة المشتركة الجزائرية لصناعة الأنظمة الإلكترونية للجيش؛ وهي شركة متخصصة في صناعة رادارات مراقبة الحدود ومختلف أنظمة الاتصال الإلكتروني، وكذلك المركب الصناعي لإنتاج المواد المتفجرة، ثم المكتب الوطني للمتفجرات التابع للدفاع الوطني، مشيرا إلى كون هذه المؤسسات تمتلك شبكة واسعة من الشركاء الأجانب في المجال الحربي؛ من قبيل الصين وألمانيا وصربيا، واللائحة طويلة. تسلح جنوني في هذا الصدد، قال عبد الرحمان مكاوي، خبير مغربي في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، إن "مؤسسة مينا للدفاع تحدثت عن إقدام الجزائر على التخطيط لمشروع صناعة صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، تحديدا في منطقة الرويبة والشلف بالجزائر، على أساس أنها (الجزائر) تتوفر على العديد من الصواريخ القديمة التي يصل مداها إلى 200 كيلومتر، اشترتها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من الاتحاد السوفياتي وبعض الدول الاشتراكية". وأضاف مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الجزائر بصدد صناعة صاروخية بتمويل أجنبي وخبرة ألمانية، لكن لم تكشف مديرية الصناعة الحربية بالجزائر، التي يرأسها الجنرال رشيد شواكي، عن أية تفاصيل بخصوص هذه الصناعة"، مؤكدا أن "أغلب الدول تهتم، الآن، بنوعين من الأسلحة هي الصواريخ والطائرات المُسيّرة (طائرات بدون طيار)"، مشيرا إلى "السباق الجنوني نحو الإنتاج الحربي بالجزائر". مجمعات سرية العدد الأخير من مجلة "الجيش"، التي يصدرها الجيش الوطني الشعبي، سلّط الضوء على "حمى التسلح" لدى الجزائر، بحيث تضمن العديد من الزيارات العسكرية التي قامت بها الوفود الأجنبية إلى الجمهورية خلال شهر يوليوز، على رأسها الوفد الصيني الذي اطلع على الهياكل البيداغوجية التي تزخر بها المدرسة العسكرية متعددة التقنيات، وكذلك الوفد الصربي الذي حلّ بمقر قيادة الحرس الجمهوري، إلى جانب وفود البرتغال ومصر والولايات المتحدةالأمريكية. وشدد مكاوي على أن "الجزائر تحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي، خلال نهاية هذه السنة، من ناحية الذخيرة، لاسيما الأسلحة الخفيفة والمقذوفات من عيار 106 مليمتر و120 مليمتر، التي تخص الدبابات وبعض المدافع، بحيث يُلاحظ وجود أربع مجمعات عسكرية منتشرة في الجزائر، بعضها معروف، سواء تعلق الأمر بطبيعة الشركاء أو التمويلات، بينما تبقى مجمعات أخرى سرية، بخبرات قد تكون من كوريا الشمالية أو إيران". حرب مستبعدة يرى الخبير العسكري ذاته أن "الكل أصبح يعتبر أن الصواريخ والطائرات بدون طيار سوف تكون الأسلحة الفتاكة في أي صراع عسكري بين الدول، رغم أن الحرب مستبعدة في المنطقة خلال الوضعية الراهنة، بسبب المشاكل الداخلية التي تشهدها الجزائر، وكذلك نتيجة الانفجار الحاصل في ليبيا ودول الساحل". وسبق أن أشارت تقارير عسكرية أجنبية، خلال السنوات الماضية، إلى كون المملكة المغربية تعتزم أيضا صناعة الصواريخ الحربية، من خلال إجراء مفاوضات مع شركات فرنسية وإسبانية وبريطانية وأمريكية، لكن التكتّم يظل سائدا على الدوام بخصوص الإنتاج الحربي المغربي؛ وهي سياسة تعتمدها القوات المسلحة الملكية منذ تأسيسها، بخلاف الجمهورية الجزائرية التي تروج للأجهزة الحربية التي تقوم باقتنائها بين الفينة والأخرى. مقاربتان متضادتان وعن مدى شروع المغرب في صناعة الأسلحة، أكد مكاوي أنه لا يتوفر على معلومات دقيقة حول الإنتاج العسكري أو صناعة الدفاع بالمغرب، "لأن كل المعلومات تأتينا من مراكز الدراسات العسكرية الأجنبية؛ الأمريكية والكندية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية، وكذلك من خلال مركبات الصناعات الحربية التي تعلن عن إبرام اتفاقيات التصنيع أو شراء بعض الأسلحة، لكن التكتم الشديد والسرية الكاملة يطبعان الموضوع في المغرب". واعتبر مكاوي أن ذلك "يدخل في إطار استراتيجية الاحتفاظ بالمعلومة العسكرية، عكس ما تذهب إليه الجزائر من خلال الضجيج الإعلامي الذي تشهده هذه الصناعات الحربية، خاصة ما يتعلق بالتصريحات التي يدلي بها الجنرال رشيد شواكي، مدير الصناعة الحربية في الجزائر، بينما ينهج المغرب سياسة مختلفة أساسها السرية التامة بخصوص الموضوع، ما يضعنا أمام مقاربتين متضادتين، رغم أن الجزائر تحتفظ لنفسها ببعض الصناعات العسكرية التي لا تُشهرها، مثل تعاونها مع جنوب إفريقيا وإيرانوكوريا الشمالية، بحسب الدراسات الأجنبية".