خلال السنوات الأخيرة، باتت النتائج النهائية لامتحانات الباكالوريا تثير مفارقة تتمثل في التزايد المطّرد لنسبة الناجحين، في الوقت الذي تشهد فيه المنظومة التربوية المغربية تراجعا كبيرا يقرّ به الفاعلون الرسميون أنفسهم، ما يجعل بعض المتابعين للشأن التربوي يعزون السبب إلى "استسهال النجاح". بحسب أرقام الامتحان الوطني الموحد لنيل شهاد الباكالوريا، برسم سنة 2019، فقد بلغ عدد الناجحين 253808، أي بنسبة نجاح بلغت 77.96 في المئة، خلال الدورتين العادية والاستدراكية. الارتفاع المطرد للناجحين في امتحانات الباكالوريا يظهر جليا من خلال مقارنة نتائج السنة الجارية، مع نتائج السنوات الماضية؛ ففي الوقت الذي لامستْ فيه نسبة النجاح سقف 80 في المئة هذه السنة، فإنّ نسبة الناح في سنة 2018 لم تتجاوز 71،91 في المئة، وفي سنة 2017 لم تتعدّ النسبة 61.72 في المئة. الأرقام أعلاه تثير "مفارقة عجيبة من حيث الشكل"، يقول مصطفى تاج، الكاتب الوطني لجمعية الشبيبة المدرسية، لكنها في الجوهر، يضيف المتحدث، تكشف عن معطى مهم، وهو أنّ فشل المنظومة التربوية "لا يعني فشل التلميذ المغربي". وأوضح تاج، في حديث لهسبريس، أنّ ارتفاع نسبة الناجحين في الباكالوريا، رغم تراجع المدرسة المغربية، راجع إلى اعتماد التلاميذ على أنفسهم، وعلى الجهود التي تبذلها أسَرهم في الاستثمار فيهم، عبر تقوية مداركهم من خلال الساعات الإضافية في المؤسسات الخاصة، والمساعدة في البيت، والتوجيه... منظومة عرجاء وتلاميذُ نجباء اللافت للانتباه أيضا في نتائج اختبارات الباكالوريا، هو تزايد أعداد التلاميذ الناجحين الحاصلين على نقط مرتفعة. ويعزو مصطفى تاج سبب ذلك إلى أنّ الأسَر المغربية أصبحت تولي اهتماما كبيرا للاستثمار في أبنائها. ويرى المتحدث ذاته أنّ الوضعية المتردية التي توجد عليها المدرسة المغربية اليوم جعلت التلاميذ أمام تحدّييْن؛ الأول هو تجاوز وضعية المدرسة، وذلك بالاعتماد على النفس، والثاني هو إثبات الذات والبرهنة على القدرة على النجاح رغم أن البيئة التعليمية غير مساعدة. وجوابا على سؤال حول ما إذا كان للأمر ارتباط ب "النفخ في النقط"، خاصة بالنسبة لتلاميذ التعليم الخصوصي، قال تاج إنّ هذا الإشكال فعلا مطروح، لكنه قلّل من تأثيره، معتبرا أنّ ارتفاع نسبة التلاميذ الناجحين بمعدلات مرتفعة ليس من قبيل الصدفة، مرجعا إياه إلى اجتهاد التلاميذ. وعزز تاج رأيه بنماذج التلاميذ المغاربة من أبناء الجالية المغربية في الخارج، الذين يحصلون على نقاط عالية في امتحانات الباكالوريا في بلدان الإقامة، كما حصل هذه السنة، حيث حققت التلميذة المغربية جيهان واركزيز أعلى معدل في إيطاليا. ماذا بعد "الباك"؟ ارتفاع أعداد التلاميذ الحاصلين على شهاد الباكالوريا بميزات عالية يطرح سؤال مصير هؤلاء التلاميذ، في ظلّ محدودية مقاعد المعاهد العليا، وهو ما يراه مصطفى تاج إشكالا كبيرا ينبغي الانكباب على حلّه، حتى لا يضيع المغرب في تلاميذه النجباء. واعتبر المتحدث ذاته أنّ التلاميذ من أبناء الأسر الفقيرة الذين يحصلون على معدلات مرتفعة هم أول "ضحية" لغياب آفاق أخرى بعد نيل شهادة الباكالوريا؛ ذلك أنّ أبناء الميسورين الذين لم يفلحوا في ولوج المعاهد العليا، يتمّ إرسالهم إلى الخارج لمتابعة دراستهم، بينما يجد "التلاميذ الفقراء" أنفسهم مجبرين على متابعة دراستهم في الجامعات المغربية كحلّ أخير. ويرى تاج أنّ ضعف مستوى الجامعة المغربية "يجعل الطالب يُدفن في الشعبة التي يسجل فيها"، داعيا الدولة إلى إعادة النظر في مسألة مسارات التلاميذ المتفوقين بعد الباكالوريا، حيث يتّجه أبناء الميسورين إلى الخارج لإكمال دراستهم ولا يعودون، وبالتالي لا تستفيد منهم الدولة، في حين إن أبناء الأسر الفقيرة "يُدفنون في الجامعة"، مضيفا: "لن يتقدم المغرب أبدا إذا لم يستثمر في هؤلاء النوابغ".