قد يبدو من الغريب ونحن في القرن الواحد والعشرين أن نسمع عن أطفال مدينة سيدي سليمان وشبابها يرتمون في أحضان البرك المائية والسواقي والمستنقعات، بحثا عن لحظة انتعاش في مياهها الباردة بسبب الشمس الحارقة وموجات الحر المرتفعة التي تجتاح المدينة مع كل فصل صيف. الساقية تعد المتنفس الوحيد والملاذ الأفضل لهؤلاء الشباب في غياب مرافق للترفيه والتسلية وغلاء تذكرة المسبح الوحيد المتواجد بالمدينة لقضاء بضع سويعات من أيام صيف قائظ تفوق فيه الحرارة في المنطقة كل التوقعات. أخطار متعددة يخيل لزائر سيدي سليمان في وقت الظهيرة من أحد أيام الصيف الحار أنها مدينة مهجورة من ساكنتها، حيث وجهة الشباب والأطفال إلى جماعة أولاد بن حمادي المتواجدة على بعد سبعة كيلومترات شرق المدينة، حيث تنتصب ساقية تستهوي العشرات من شبابها وأطفالها وساكنة الدواوير المجاورة لها، تعرف ب"ساقية الوفاق"؛ ورغم تكرار قصص الغرق التي يعاينونها عن كثب وخطورة العوم بها على صحتهم وحياتهم، إلا أنهم يصرون على الغطس في مياهها لتخفيف وطأة الحر الذي يضجرهم وثقل الفراغ الذي ينتابهم، غير مبالين بتواجد علامات تشير إلى منع السباحة بهذا المكان. "لا بديل لنا عن هذه الساقية لتلبية رغبتنا في العوم، رغم أن مياهها متسخة وخطر الغرق يبقى محدقا بنا في كل وقت وحين. نحن مضطرون للسباحة هنا لأن سعر تذكرة المسبح البلدي بسيدي سليمان ليست في متناول الجميع"، يقول سعيد الرملي، من أبناء المنطقة، لهسبريس الإلكترونية، متحدثا عن دوافع السباحة في الساقية، ثم يضيف: "فرص الشغل هنا قليلة، وأغلب شباب المنطقة عاطلون، وليس في استطاعتهم توفير ثمن تذكرة المسبح المرتفعة، أو تكبد مشاق السفر إلى شاطئ المهدية بالقنيطرة الذي يبعد عنا بأكثر من 70 كيلومترا، لاسيما أن فرص السفر تبقى ضئيلة، والاستفادة من برنامج العطلة للجميع تكاد تكون منعدمة". من جهته قال رشيد رمزي في تصريح للجريدة إن "شباب المنطقة يخاطرون بأرواحهم في سبيل تحقيق رغبة ليس لهم مكان لممارستها سوى هذه الساقية". وأضاف رمزي، وهو أب لثلاثة أطفال: "إذا أردتُ الذهاب رفقة أبنائي إلى المسبح البلدي بسيدي سليمان علي أداء مبلغ 42 درهما عن نفسي، و22 درهما عن كل طفل يقل عمره عن 10 سنوات، وهي أثمان مبالغ فيها مقارنة مع جودة الخدمات المقدمة هناك"، مشيرا إلى أن "هذه الأثمان المرتفعة هي السبب الرئيسي في عزوف الشباب والأطفال عن ارتياد هذا المرفق الترفيهي". وذكَّر المتحدث نفسه بثمن الدخول إلى المسبح الكبير الذي افتتح مؤخرا بمدينة الرباط قائلا: "على المسؤولين هنا أن يأخذوا العبرة من ثمن الولوج إلى المسبح الكبير في الرباط، والمحدد في 10 دراهم طيلة اليوم، من العاشرة صباحا وحتى الثامنة مساء، وهو ثمن في متناول الجميع؛ في حين أن توقيت الاستجمام بالمسبح البلدي بسيدي سليمان يبتدئ من الساعة العاشرة صباحا وينتهي على الساعة الثالثة بعد الزوال بالنسبة للفوج الأول، أما الفوج الثاني فتبتدئ فترته من الساعة الرابعة إلى الساعة السادسة مساء، وهي فترة تبقى قصيرة إذا قارناها مع ثمن التذكرة المرتفع". جودة منعدمة جولة سريعة قادت هسبريس لزيارة المسبح البلدي رصدت من خلالها الحالة المزرية التي أصبحت عليها فضاءاته، بينما من يزور هذه المنشأة لأول مرة يستغرب ثمن الولوج إليها مع ما يقدم داخلها من خدمات ضعيفة. "لم أزر هذا المسبح منذ ثلاث سنوات، لكنني اليوم تفاجأت بالحالة المتردية التي وجدته عليها؛ كراس مهترئة، وشمسيات ممزقة، وموسيقى صاخبة ومطعم مهجور"، تقول سعيدة العامري، وهي مغربية مهاجرة بالديار الإيطالية وحالة الأسى والأسف بادية على محياها، ثم تضيف: "كنت أحرص على اصطحاب أبنائي إلى المسبح البلدي في كل مرة أزور فيها مسقط رأسي بسيدي سليمان، وكنا نستمتع بحلاوة المكان. رغم ثمن التذكرة المرتفع، إلا أن الخدمات كانت جيدة هنا؛ لكن الأجواء هذه السنة مختلفة، ولم تعد مشجعة لحضور العائلات رفقة أبنائها وبناتها". وأكدت سعيدة في حديثها لهسبريس أن زيارتها ستكون الأخيرة لهذا المكان، "بعدما كان الملاذ الوحيد لها ولأبنائها في غياب فضاءات الترفيه والاستجمام بالمدينة ككل". مسؤولية مشتركة عبد الله هدا، عن جمعية حماية وتوجيه المستهلك فرع سيدي سليمان، نبه إلى خطورة السباحة في السواقي وقنوات الري المنتشرة في ضواحي المدينة، قائلا: "هذه السواقي تشكل خطرا حقيقيا على شباب المنطقة..السباحة في الساقية، المخصصة أساسا لعملية السقي، تكبد الأسر خسائر فادحة كل سنة، إذ تتسبب في إزهاق العديد من الأرواح البشرية أو تعرض أبناءها لاعتداءات جسدية، كالذي حدث في رمضان الماضي بعد تعرض مجموعة من الشباب الهاربين من حرارة الشمس الملتهبة لسلب ممتلكاتهم من طرف عصابة مدججة بالأسلحة البيضاء والكلاب". وطالب رئيس جمعية مدينتي للثقافة والتنمية المجلس الجماعي الحالي ب"مراجعة أثمان الدخول إلى المسبح البلدي بسيدي سليمان، لأنها تبقى مرتفعة مقارنة مع الدخل الفردي للمواطن السليماني الذي يعتبر من الطبقة المتوسطة وذات الدخل المحدود"، موردا أن "جودة الخدمات التي تقدم لا تتماشى والثمن المفروض". من جهته قال عزيز نجد، وهو عضو بالمجلس الجماعي لسيدي سليمان، إن "المجلس السابق هو الذي حدد هذا الثمن المرتفع عن طريق التصويت عليه في دورة عادية من أجل رفع سومة كراء المسبح التي تبلغ 74 مليون سنتيم سنويا"، مشيرا إلى أنه "طالب بتحديد 20 درهما للكبار و10 دراهم للأطفال الصغار، لكن طلبه قوبل بالرفض". وأكد العضو نفسه في اتصال مع جريدة هسبريس أن "دفتر تحملات المسبح لا ينص على تخصيص فترتين في اليوم، بل فترة واحدة حتى يتمكن الزوار من الاستمتاع أكثر بهذا المرفق الحيوي". ومع استمرار الغلاء في تذكرة المسبح بسيدي سليمان، وفي ظل غياب متنفس أو فضاء بمواصفات قانونية وصحية يمارسون فيه السباحة ويفجرون فيه طاقاتهم الرياضية، يبقى الشباب والأطفال يعانقون مخاطر العوم بالقنوات المائية، كما يظل لغياب مراقبة الجهات المسؤولة لهذه السواقي وكذا مراقبة الأسر لأبنائها دور في ما يلحق بهم من أخطار. وفي ظل كل هذه المعطيات تستمر الأحداث المأساوية وتواصل السواقي حصد أرواح الأبرياء الذين لم يجدوا بديلا لها.