ما إن تطأ قدمك مركز جماعة تنجداد، الواقعة بالنفوذ الترابي لإقليم الرشيدية، حتى تبوح لك بمشاكلها المتعددة، إذ يمكن أن تلاحظ أن التنمية بها ما زالت متعثرة، وأن الفقر والهشاشة والبطالة ورداءة البنيات التحتية من أبرز السمات العامة لهذه الجماعة التي أنجبت أطرا وكفاءات عديدة. هنا، في أحضان "مدينة" تنجداد، حيث ألفت ساكنتها ويلات الإهمال والتهميش و"السياسة الإقصائية" الممنهجة من قبل بعض المسؤولين، الذين قالت الساكنة المحلية في تصريحات متطابقة "إنهم لا يستطيعون تحريك عجلة التنمية، ولم يستطيعوا تغيير ملامح هذه المدينة الصغيرة، وإصلاح أزقتها وشوارعها". ويرى صالح الغاشي، فاعل جمعوي بتنجداد، أن الأزمة التنموية التي تعرفها الجماعة بمختلف المجالات ترجع بالأساس إلى "الأزمة التدبيرية للهيئات السياسية الممثلة في المجالس المتعاقبة على تسيير شؤون هذه المدينة، مشددا على أن تنجداد تعاني من غياب واضح وصريح لمخططات تنموية تجابه الصعوبات والإكراهات لمعالجة المشاكل التي تتخبط فيها المدينة والتي قلصت من فرص تنمية المنطقة. مدينة "العقول والنضال" وتعرف هذه المدينة، إلى جانب جارتها مدينة كلميمة، بكونها أنجبت عددا مهما من الأطر العليا بمختلف التخصصات: أساتذة جامعيون وباحثون يدرسون بالجامعات المغربية، والجامعات الأوروبية والأسيوية، فضلا عن كون الجيل الأول يشتغل معظمهم في مناصب سامية بالمؤسسات العمومية والأمنية. كما تعرف ساكنة هذه المدينة، في تاريخ الجنوب الشرقي، بمعارك نضالية من أجل منطقتهم؛ إلا أنها لم تستفيد من هؤلاء الأطر، لتحقيق إقلاع تنموي واقتصادي. كما أن المتعاقبين على تدبير شؤون الجماعة غير مهتمين بتنميتها، ولا يتوفرون على إرادة حقيقية لتنزيل برامج تنموية، يقول عبد المجيد أكرام، من ساكنة هذه الجماعة. وأضاف متحدث جريدة هسبريس الإلكترونية أنه بالرغم من كثرة الأطر التي أنجبتها تنجداد، فإن هذه المدينة لم تستفد من خدماتهم أسوة بأقرانهم في المدن الأخرى، من حيث الأفكار والتجارب والاقتراحات، وظلت علاقتهم بها تقتصر على زيارات الاستجمام أو صلة الرحم. حليمة أوعدجو، فاعلة جمعوي بالمنطقة، قالت إن تنجداد هي قصة أخرى لفشل المقاربات التنموية التي تساوي السهول بالجبال، مشيرة إلى أن عددا من سكان البلدة يتجرعون مرارة الحياة، إذ لم ينالوا حقهم من التنمية بعد؛ فهم يعيشون تحت وطأة التهميش، ويكابدون مظاهر البؤس والحرمان نتيجة غياب أدنى متطلبات الحياة، وفق تعبيرها. شمس التنمية لم تشرق بعد لا يختلف اثنان، داخل جماعة تنجداد، في أن هذه الجماعة تبقى بعيدة عن شعار التنمية المنشود؛ فلا مرافق عمومية، ولا مساحات خضراء، ولا ملاعب رياضية، أما شبابها فيعانون من عطالة دائمة. وفي هذا الإطار، أكد حميد التكراتي، فاعل حقوقي بتنجداد، إن هذه الأخيرة تعيش ركودا تنمويا خطيرا، في عدة مجالات أسهمت فيها عدة عوامل؛ وهو ما يتضح من خلال هشاشة البنيات التحتية الأساسية بمختلف الأحياء، حيث ما زالت بعض الأزقة والشوارع بالمركز توصف لدى الساكنة والزوار ب"الكارثية"، مشيرا إلى أن الوضع بات ينغص حياتهم اليومية في جميع الأوقات. من جهته، أرجع محمد الطالب، فاعل جمعوي بمدينة تنجداد، سبب انعدام التنمية بالمنطقة إلى غياب الترافع من طرف ممثلي المجالس المنتخبة الحالية والمتعاقبة على تسيير شؤون الجماعة الترابية لتنجداد، مشيرا إلى أن المسؤولين المنتخبين "راكموا سنوات في التسيير بدون فائدة وحصيلة خاوية الوفاض، وبدون منجزات التي لم تحقق على أرض الواقع". وأضاف الجمعوي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "لوحظ مؤخرا تحرك شبابي من أجل نهضة تنموية في أفق إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، مشيرا أن "التنمية لا تتحقق بالجلوس بل بتضافر الجهود". بنية تحتية هشة تبقى مدينة تنجداد، الواقعة بالنفوذ الترابي لجهة درعة تافيلالت، مثلها مثل باقي القرى والمداشر النائية تعاني من مختلف مظاهر الحرمان والعزلة بجميع أشكالها، خاصة في المجالات الحيوية، على الرغم من أنها تحتل موقعا جغرافيا مهما، وتزخر بثروة فلاحية مهمة وتاريخية وثقافية واقتصادية، فإنها لم تلق أي اهتمام من لدن الجهات المسؤولة محليا وجهويا ومركزيا. وتعاني البنية التحية بهذه المدينة من عدة مشاكل، أهمها غياب برامج ومخطط خاص بإصلاح وتأهيل الأزقة والشوارع الرئيسية، وإحداث مرافق اجتماعية ومساحات خضراء للمواطنين؛ وهو ما جعلها تشبه قرية صغيرة توجد وراء الجبال المنسية، وفق تعبير عائشة أزواوي، أستاذة بتنجداد. وأضافت المتحدثة ذاتها، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "مسؤولية تدهور البنية التحتية لا تتحملها الجماعة وحدها بل هناك قطاعات حكومية متدخلة أخرى كوزارة السكنى وسياسة المدينة والمجلس الإقليمي والجهة"، مشيرة إلى أن المدينة لم تنل نصيبها الذي تستحقه من التنمية بعد، وعلى الساكنة أن يدافعوا عن حقوقهم"، وفق تعبيرها. وكشف محمد الطالب، فاعل جمعوي، أن البنية التحتية بهذه المدينة جد هشة و"نستطيع أن نقول منعدمة"، مشيرا إلى أن خير دليل على ذلك هو الشارع الرئيسي الذي يمر وسط المدينة الذي يوجد في حالة يرثى لها، ونسجل غياب أي تحرك من قبل المسؤولين"، وفق تعبيره. الصحة والبطالة تكاد المرافق العمومية بهذه الجماعة، التي لا تزال ترتدي جلبابها القروي، تكون منعدمة، وحتى إن وجدت فهي في عطالة مستمرة، ما إن تلج المستوصف المحلي حتى تجده فارغا وبدون معدات طبية، وبدون أدوية كافية، وغياب أطر كافية لتقديم خدمات طبية في المستوى للساكنة المحلية. عدد من المواطنين والفاعلين الجمعويين ممن تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أثناء إعدادها لهذا الربورتاج، أجمعوا على نقص الخدمات الصحية وقلة الموارد البشرية ونقص الأدوية، ومعاناة المواطنين مع نقل مرضى الحالات الاستعجالية نحو المستشفى الجهوي مولاي علي الشريف بالرشيدية أو إلى مدينة كلميمة. وفي هذا الإطار، قال محمد الطالب إن قطاع الصحة في مدينة تنجداد، التي تتوفر على مستوصف وحيد، جد كارثي، مشيرا إلى أن المستوصف الوحيد لا يتوفر على أدنى شروط التغطية الصحية، مبرزا أن ذلك راجع إلى قلة الأطر الطبية وغياب التجهيزات اللازمة في أفق إحداث مستشفى يليق بساكنة تنجداد. معاناة ساكنة تنجداد لا تقتصر على غياب المرافق الاجتماعية وغيرها، بل تتجاوزها إلى غياب فرص شغل لفائدة شبابها،؛ وهو ما جعل الشباب بهذه المنطقة يعانون الأمرين، ويفكرون في الهجرة نحو أوروبا. وقال حسن اعزيف، من الشباب العاطلين بتنجداد، إن أغلب الشباب يفكرون في "الحريك" نحو الضفة الأوروبية، مشيرا إلى أن الشباب "ضايعين فهاد البلاد لا خدمة لا صحة"، مشددا على أن "الدولة يجب أن توفر للشباب مرافق للتكوين لولوج سوق الشغل من أجل تكوينهم"، وفق تعبيره. وأضاف متحدث هسبريس أن "البطالة متفشية وتعاني منها فئة الشباب بصفة عامة، وحاملي الشواهد بالخصوص"، موضحا أن "غياب فرص الشغل أزم الوضع؛ وهو ما اضطر ببعض أبناء تنجداد إلى الهجرة نحو المدن الكبرى، وهناك من هاجر في قوارب الموت، لكسب قوت يومه وبلوغ "النعيم""، وفق تعبيره. وحاول جريدة هسبريس، منذ يوم مساء الاثنين، الاتصال برئيس جماعة تنجداد، من أجل نيل تعليقه على هذا الروبورتاج؛ إلا أن الهاتف، الذي نتوفر عليه، ظل خارج التغطية.