الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    النقابة المستقلة للأطباء تمدد الاحتجاج    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    الإيليزيه: الحكومة الفرنسية الجديدة ستُعلن مساء اليوم الإثنين    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين نظرية المؤامرة ونظرية الحَلبة
نشر في هسبريس يوم 07 - 07 - 2019

في أكثر من موضع ينقل الأستاذ نبيل نايلي (باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي بجامعة باريس) هذه الجملة عن الجنرال المتقاعد ديفيد وارمزر (مستشار ومسؤول سابق عن قسم الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني): ''من ضمن خطتنا في المنطقة لا بد أن نجد إسطبلا من الإعلاميين العرب يُشبه سفينة نوح: الأحصنة في هذا الإسطبل وظيفتهم أن يقولوا دائما إن سوريا وإيران هما المشكلة، أما الحمير فهم من يصدّقوننا بأننا نريد الديمقراطية، أما حظيرة الخنازير الذين يقتاتون على فضلاتنا فمهمّتهم كلّما أعددنا مؤامرة أن يقولوا أين هي المؤامرة؟".
نعم، إنها المؤامرة أو نظرية المؤامرة، موضوع ما تابَ من سفْحِ المِداد وبحِّ الحناجر. ليبقى السؤال السرمدي منتصباً ِبِتحدٍّ: هل فِعلاً نتعرض كأُمّة للمؤامرة؟.
مغرور من يدَّعي امتلاك الجواب الشافي والكافي، فالأمر أعْقدُ وأعمق من أن يُحيط بخباياه فرد أو حتى جهةٌ بِعيْنها؛ ورغم ذلك، أو ربما من أجل ذلك، نُجيز لأنفسنا السباحة في شط هذا اليم.
ولكن ماذا لو طرحنا السؤال بِصيغة مختلفة: هل ما نتعرض له يعتبر مؤامرة؟.
قبل الاستطراد في الكلام، أودُّ الإشارة إلى رياضة لا أحبها كثيرا، لكنّي ارتأيْتها صالحة لمقاربة هذا الموضوع، وهي فنون القتال المختلطة Mixed Martial Arts ، والمعروفة اختصاراً بMMA. ذلك أن هذا النوع من القتال لائحة المحظورات فيه محدودة، ما يقلل من الاعتراضات ضد التحكيم؛ كما أنَّك لن تسمع عن لاعب منهزم يتهم خصمه بأنه كان ''يتآمر'' عليه طيلة شهور لكي يسقطه بالضربة القاضية.
لا بأس بعد ذلك من وجهة نظر مقتضبة للعلاقات الدولية، ففي اعتقادي أنّه إذا تجاوزنا الكلمات الرومانسية والوديعة من قِبَل السلام والوئام، رغم جمالها وأهميتها، سنجد العملة الرائجة في سوق العلاقات الدولية هي الأمن والقوّة بكل تجلياتها وتفرعاتها، وسنُلفي الشعارات الأكثر حضورا وتفعيلاً هي ''الدفاع عن المصالح'' و''الوطن أولا''. قلتُ شعارات؟ بل عقائد تُعتنَق، إنّها القناعات التي تؤطر كل أفعال وردود أفعال الدول، أو على الأقل الدول التي تحصر بوضوح مصالحها. وهذا هو المعطى الرئيس الذي ينشِّط التناكف والتدافع و''التجادل'' (من الجدلية) بين الأمم.
بيئة كهاته تستدعي منسوباً مرتفعاً من الأنانية وحدّاً أقصى من التفكير والتدبير، ولتفادي الارتجالية وتجنب المفاجآت يعمد الساسة إلى افتراض سيناريوهات وهندسة إستراتيجيات وابتكار مشاريع، ثمّ يحشدون كل الموارد للتعاطي معها. وإذا كانت جل هذه السِّياسات تتغيّى في المقام الأول مكاسب أَمْنية، اقتصادية أو جيوسياسية، فإن بعضها قد يستأنس بنداءات أخرى دينية، تاريخية أو غيرها.. نسْتحضر هنا الحملات الصليبية، حيث لعب الدين دورا هاماً، ونرصد نفس العامل حينما فضَّل اليهود الاستقرار في فلسطين مقابل بدائل أخرى كانت متاحة لهم. كما أن غَزْو القسطنطية (إسطنبول حالياً) من طرف محمد الفاتح كان مُحَفَّزاً بالوعد النبوي "لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".
أما العامل التاريخي فنجده وكأنّه يصنع ''مِسودّات'' مشاريع تنتظر أن تختمر وتتوفر لها الظروف لِتتبلوَر في شكلها النهائي، كاسترجاع الصين لهونكونغ وتوحُّد الألْمانيتين.
ولأننا نتكلم عن العلاقات الدولية، فالحالة غالبا لا تكون إلاّ معقدة ومركّبة، يعتمل في ثناياها أكثر من عنصر ويتدخل أكثر من فاعل، كما الصراع العربي الإسرائيلي، حيث التاريخ والبترول وكل الأديان وحتى اللَّاأديان...
لا أخالُني أضفتُ جديداً، ولا أنوي فعل ذلك، فإذا اتفقنا أن الدول تخطط لاعتبارات أمنية، اقتصادية، سياسية، دينية أو تاريخية، وإذا اتفقنا أننا جزء من هذا العالم، فالأكيد أننا سنكون في مرمى هذه التخطيطات. وتماشيا مع قوانين فنون القتال المختلطة MMA سيصير التباكي والادعاء بأننا نتعرض لمؤامرة أمراً مُضحكاً. كل ما هناك ''فقط'' مبارزٌ أو مبارزون كانوا ومازالوا يتدربون للفوز، سواء بالنقاط أو بالضربة القاضية.
إذا حاولنا بتركيز مُخلّ حصر ''الدّوْريات'' التي يشارك فيها ''المصارع العربي" سنجد اثنين؛ الأول هو البلقنة وإعادة رسم الخريطة، والثاني هو القضية الفلسطينية. وإن كان من الصعب الفصل بين هذين المحورين إلا أننا سنحاول ذلك من باب التفكيك من أجل إعادة تشكيل المشهد.
وعليه فبالنسبة للمشروع الأول، وحتى لا نتيه في التاريخ الاستعماري، سنعتبر أن نسخته الأخيرة ابتدأت مع موجة الاستقلال في الخمسينيات من القرن الماضي. ويبدو أن هذا الاستقلال ذاته حمل في طيّاته ألغاما، وجينات استعمار قادم، فما لبثت أن ظهرت بعض الخرائط التي ''تبشر'' العرب بكيانات عرقية ودينية جديدة. وقد صمدت من هذه الخرائط على الأقل اثنتان، واحدة معروفة بخريطة برنار لويس، فيما الثانية للجنرال رالف بيترز (صاحب سفينة نوح التي ابتدأنا بها). النتيجة الرسمية إلى حد الساعة هي دولة جنوب والسودان، تضاف إليها عملياً جمهورية أرض الصومال وكردستان العراق، زد على ذلك لُغمٌ اسمه الصحراء الغربية. وطبعا هناك أوراش مشتغلة/مشتعلة في سوريا وليبيا واليمن، ومشاريع قيد الدرس في ما تبقى من السودان.
أما بالنسبة للموضوع الفلسطيني فحتما لن نبدأه بعودة يوشع ابن نون بعد سنوات التيه، ولا حتى بالإسراء والمعراج. أعتقد أن البداية المنطقية يجب أن تكون من مؤتمر بازل 1847. وكوْن الأحداث في هذا المحور كانت كثيرة ومتسارعة، فسنطير نحن أيضا دون أن نحوم. طُرِحتْ الفكرة إذا في بازل، وتمَّ وضع الحجر الأساسي للمشروع بلندن سنة 1917 فيما سمي "وعد بلفور". تلا ذلك مؤتمر بازل (الثاني) 1946، فالنكبة 1948 ثم العدوان الثلاثي 1956 ثم النكسة 1967، ثم عملية الليطاني 1978 ثم قصف المفاعل العراقي (عملية أوبرا) 1981 ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 (عملية الصنوبر) فصبرا وشاتيلاّ، ثم قصف مقر منظمة التحرير في تونس (عملية الساق الخشبية) 1985، ثم سلسلة من الاغتيالات في مشارق الأرض ومغاربها، ثم اجتياحات لا تنتهي في غزة، أما الضِّفة فلا أراهم خرجوا منها أصلاً.
ولكن ماذا عن الطرف الآخر، أين يستعد للمباريات وكيف يتدرب وبماذا ينصحه مدربّه؟.
شخصياً، أرى أن أهم حدثين وقعا في العالم العربي منذ أكثر من 50 سنة هو توحّد اليمنيْن وانهزام أول رئيس عربي في الانتخابات، وأعني السيد منصف المرزوقي.. للأسف كانت هناك مشاريع وحدة وتكتلات جهويّة كلها فاشلة، اللهم مجلس التعاون الخليجي، إذ رغم ''نخبويته'' إلّا أنّه كان نموذجاً ناجحاً...نعم كان. دون ذلك مقاومة، ممانعة، مناوشات وردود أفعال، حتّى ملحمة 1973 كانت رد فعل ولم تحقق كل ما أريد لها.
أهي عدَمية وسوداوية؟ إذا كنّا قد طربنا حين نال نجيب محفوظ جائزة نوبل للأدب، بل وانتشينا لِمُجرّد فوز قطر بكأس آسيا، أتُرانا نحرم أنفسنا الفرح بالأمّة ومع الأمة إن وجدنا ما يُفرح.
نعود للسؤال المحوري في هذه الدردشة: هل المصارع العربي يتعرض للمؤامرة؟.
يمكن أن نغامر فنقول على لسان مالك بن نبي إن حبينا المصارع قد تعرّض لفيروز ''القابلية'' للانهزام، ناهيك عن علاقته المتشنجة بجمهوره ومدرّبيه. الطرف الآخر يفضّل المدرب، أو المستشار، الذي يَعِدُه بالانتصار ويكره، وينبذ الذي يُعِدُّه للانتصار. ومن لطف الله به وبنا أن الخصم ينتصر علينا بالضربة القاضية وليس الضربة المميتة، والدليل على حياتنا هو كوننا نصرخ، نصرخ بأنا نتعرض للمؤامرة.
والذي يظهر، والله أعلم، أن مُصارعنا تتفلّتُ من إدراكه الكثير عن قواعد اللعبة، لذلك مافتئ يقترف الخطأ تلو الخطأ. ومن الأخطاء ما تكون في حقيقتها خطايا، وكم من خطيئة ألْقت بصاحبها في الجحيم.
في بداية القرن الثالث عشر ميلادي ابتلِيتْ الأمة الإسلامية بأشرس عدوان في تاريخها، إنهم المغول. سؤال: مَن عبث ب''عشِّ الدبابير''؟ خطأٌ ارتكبه أمير اسمه محمد خوازم شاه، إمبراطور آسيا الوسطى وإيران. كان جينكيز خان يفضِّل التحالف مع خوارزم شاه، لكن هذا الأخير تعالى وأمر بقتل بعض التجار المغول والاستيلاء على بضائعهم. ولمّا أدرك صاحبنا أنّ الحلبة باتت قدراً محتوماً استنصح ''مدرِّباً'' فاضلاً، اسمه الشهاب الخيوفي، فنصحه هذا الأخير بالتموقع مباشرة وراء إحدى الأنهار الكبيرة. و''طبعا'' (من طبيعة الحاكم المغرور) لم يعمل الملك بالنصيحة... ماذا ننتظر حين تتراكم الأخطاء والخطايا. كانت سنة 1219 وكان جينكيز خان يخطب في أهل بخارى: أنا عقاب الله على الأرض، لو أنكم لم تخطئوا لما أرسلني إليكم''، فيما الإمبراطور خوارزم هرب فاراً بحياته... فُتحت شهية التتار للالْتهام المزيد من بلاد المسلمين فكان سقوط بغداد سنة 1258 ... سالت الدماء وانتُهِكت الأعراض... وكان الجحيم.
بعد الفاجعة بِقرون، وبالضبط في 2 غشت 1990 سيُفكِّر صدام حسين بنُزهة في المحافظة 19. سواء كان القرار بإيعاز من السفيرة الأمريكية كلاسبي أو من الشيطان ذاته، الخطيئة قد اقترِفتْ وشروط قدوم التتار قد توفّرت، وحين يأتي التتار فلا بد من سقوط بغداد وإسالة الدماء وانتهاك الأعراض..ولا بد من الجحيم.
في مارس 2007 كشف ويسلي كلارك عن مراسلة داخلية في البنتاغون تشير إلى مشروع أمريكي للسيطرة على سبع دول، وهي: العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، وفي الأخير إيران. يقفز أحدنا في مكانه صارخاً ألم أقل لكم إنها مؤامرة...؟.
إن ويسلي كلارك جنرال وقائد سابق للناتو، والوثيقة التي تكلم عنها صدرت من البنتاغون سنة 2001، والبنتاغون ليس تينك تانك تصنع المؤامرات، بل وزارة دفاع تشرف على الحروب.
ثم توالت الأخطاء في سوريا وليبيا والسودان... وإذا كانت أخطاء الضعفاء تُجرِّئ عليهم اللاعبين الهُواة فكيف بمحترف متدرب، بل ويتحكم في دواليب رابطة UFC (Ultimate Fighting Championship)
عفواً سادتي، أين هي المؤامرة؟... ربما كانت في فترة ما. ثم ما هاته الأمّة التي تتعرّض للمؤامرة منذ أكثر من مائة سنة؟ هناك فرضيتان، إما أنها لازالت لم تستوعب كُنه ما تتعرض له والهوية الحقيقية للمتآمرين، فتلك مُصيبةٌ، وإما أنها لم تستطع إلى حد الساعة فك طلاسم هذه المؤامرة، وفي هذه الحالة هَلاّ منادٍ قبل التكبير: جنازة أمّة.
لماذا لم نستطع إقناع أنفسنا بأننا في حرب؟
ولكن ما الفرق بين الحرب والمؤامرة، ألا يعتبر الأمر مجرد ''لعب بالكلمات''؟.
هناك من يرى أن الشيطان يسكن في التفاصيل، وأنا أعتقد أنه رابض في التعريفات؛ فلا غَروَ أن تجد من يستطيع تعريف النار بأنها إحدى تجليات الماء، يكفي أن تكون حاذقاً في ''اللعب بالكلمات''. لذلك وتجنباً لوساوس الشيطان لن أخوض كثيرا في تعريف المؤامرة، سأقتصر على مرادفتها بالدسيسة، شيء سري، يُدبَّر ليلاً كما يقولون، ويحرص المتآمرون ألا يُكشف... أمَّا أن يقول رئيس أكبر دولة في العالم إن ما يقوم به هي حرب صليبية، أمّا أن يعلن ترامب أن مشكلته مع الإسلام، وحينما ''يصحح'' المُحاور ويقول له: تعني مع المسلمين، يؤكد ترامب أن مشكلته مع الإسلام. أمّا أن تُعلَن لائحة الدول المستهدفة ثم ترى الأولى تسقط تليها الأخرى فالثالثة... أليس لنا الحق أن نفاجأ ممن تفاجأ ونستغرب ممن يستغرب، ونمتعض ممن لازال يعتقد أنها مؤامرة؟.
لا جرم أن هناك تداخلا بين المؤامرة والحرب، وقد تَستعمل إحداهما الأخرى، كما أن النتيجة قد تكون نفسها. إذ لا فرق بين جوهر دوداييف ومحمد مرسي، أحدهما قتلته الحرب والثاني اغتالته المؤامرة، ولكن متى كانت المحطة الأخيرة تعني تطابق السبُل؟.
الأمة حينما تدرك أنها في حرب فقد حددت أوّلاً عدوَّها وما عليها إلا أن تتحمل مسؤوليتها؛ كما أن التعبئة لهذه الحرب تكون نسبياً سهلة. أما المؤامرة فتتسم غالباً بنوع من الهلامية والضبابية، ونادرا ما تُحِيل إلى كيان بعينه. والطامة الكبرى أن القادة لا يستعصي عليهم حينها لعب دور الضحية وإلقاء كل الّلوْم تارة على المتآمرين الأشرار، خفافيش الظلام، وتارة أخرى على الإمبريالية والاستكبار العالمي أو الصهيونية والماسونية..ولك أن تحشد الهِمَم لمواجهة هذه الأشباح...
وحين نقول الحرب فحتماً لا نحصرها في العمل العسكري. معتوه من يطالب في هذه الظروف بإعلان الحرب رسمياً على أيٍ كان. الحرب التي نطالب بها الآن هي ضد السلبية، كل أنواع السلبية بما فيها فوبيا المؤامرة. نطالب بتنظيف أدبياتنا من هذه الكلمة واستنبات بديل لها وهي الحرب، طبعا روح الحرب وليس جوّ الحرب؛ فالحرب تخلق مقاتلين والمؤامرة تولِّد مرضى نفسانيين. المُحارب مرابط في الثغور كيفما كان نوعها، والمتوجس من المؤامرة ما برِح يقدم رجلا يؤخر أخرى أو بالعكس تراه متحمساً لضربة استباقية، في زعمه.
نطالب بِحرب دون حرب، أتُرانا نبايع الدون كيخوطي ونسْتَنُّ بتابعه الأكثر خبلا سانشو بانثاّ؟ أم تُرانا نطالب بحالة استثناء لمدة ثلاثين سنة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا معركة...؟ نطالب فقط أن نعيش كبقية خلق الله، ندرُس، نبْني ونحرث، نُحبّ ونُغنِّي... ومُجنَّدين في أوطاننا...
جميل ذلك الاسم الذي تطلقه حماس على أبنائها حين يموتون أثناء حفر الأنفاق، فَهمْ عندها ''شهداء الإعداد والتجهيز''. ماذا لو أشَعْنا ثقافة الشهادة. إذن كل موتانا هم بإذن الله ''شهداء الإعداد والتجهيز''، عامل النظافة، المعلم، الطبيبة، الصحافية، الفلاّح…وامرأة مُحتسبة وهبت عمرها لتربية جيل جديد من الشهداء...شهداء تحرير الإرادة، وربما شهداء الحفاظ على الوجود.
في شتنبر 1260 انتصر المظفر قطز على التتار، كانت موقعة عين جالوت الخالدة أول معركة ينهزم فيها التتار، علماً أنّ مصر لم تكن يومها أحسن حالا من الدول الأخرى التي اجتاحها تسونامي هولاكو. حتما لم يغْتمّ قطز بمؤامرات التتار، لأنه بكل بساطة لم تكن هناك مؤامرة، ولو أنه قدّم حينها شكوى لمجلس الأمن لبَقيت المسألة عالقة إلى حد الساعة.
وفي 6 أكتوبر 2018 انتصر الداغستاني حبيب نورماجوميدوف على الإرلندي كونور ماكجريجور الذي كان يوصف بالوحش. ومرة أخرى ورغم تحرشات كونور وتجاوزاته قبل المباراة لم تكن الشكوى بوجود مؤامرة ضمن برامج حبيب، بل كان الاستعداد للنزال. كما أنّ كونور مع كل الفجور الذي مظْهَره قبل اللقاء، إلا أنه قبِل بالهزيمة ولم يخطر بباله أن يتكلم عن مؤامرة ما، لأنه مُحترف عليم بقواعد اللعبة.
قد يقول القائل إن المقارنة بين دنيا السياسة وعالم الحلبة فيها مبالغة، والدليل دولٌ تعيش في أمْن وأمان وليست مضطرة للمرور عبر حلبتك المشؤومة.
طبعا هناك مبالغة، وددت لو أصف العالم لبني جلدتي، خاصة شبابهم، بأقسى من ذلك، ليس حباً في أفلام الرعب إنما أريدها إنذارا. وحُقَّ لِلإنذار أن يكون فيه شيء من المبالغة، أن يكون مُزعجا جرْسه ومستفزا إيقاعه، علّه يرجُّنا رجّاً فنستفيق مما نحن فيه. دون ذلك سيمفونية رخيمة حالمة تُحيلنا على المدرب الذي يعِدُ ولا يُعِدّ.
أما بالنسبة للدول المعفية من النِّزالات، فيمكن القول إن هناك مَن تدفع إتاوات بصيغة أو أخرى نظير الحماية. أما سمعتَ مؤخرا عن أحد أمراء الحلبة وهوَ يمْتنَّ على البعض ويطالب المزيد من البعض؟ كما أننا سبق وأشرنا إلى عوامل أُخرى تؤثر في ''رُزنامة المنافسة''، كالدين والتاريخ، ورغم كل ذلك نستطيع الجزم ألاَّ أحد معفي بصفة مطلقة من المبارزة. نذكِّر بأن دولة مُسالمة كالنرويج أحصت 9500 ضحية خلال الحرب العالمية الثانية، فيما بلغ القتلى السويديين 600 فرد.
على العموم، سواء تعلق الأمر بالحلبة أو بالغابة، أو بِدول فوق الخارطة، فإن نواميس التاريخ وسنن الجغرافيا لا تُشفِقُ على المُتأففين من المؤامرات ولا تدِين إلا للمجندين المستنفرين...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.