سجّل تقرير جديد أصدرتُه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنّ المغرب يعرفُ "ردة حقوقية، خاصة فيما يتعلّق بالاعتقالات والمتابعات والأحكام الجائرة والإفراط في استعمال القوة، ومخالفة الهيئات المختصة لوعودها فيما يخصُّ فتح التحقيقات القضائية اللازمة حول الوفيات في ظروف غامضة، سواء أماكن احتجاز أو خلال التظاهرات كحالة محسن فكري بالحسيمة التي فجرت حراكاً شعبياً خلف العديد من المعتقلين". وأشار التقرير السنوي للجمعية، الذي عرضته يوم أمس الجمعة بمقرها المركزي بالرباط، والذي يقع في 251 صفحة، إلى أنّ "الدّولة اعتادت على إبداء الاستغراب من حجم وقوة الانتقادات الموجهة إليها، وتصرّح دائما أنها حققت إنجازات كبيرة، وأن التقارير الدولية تشتم منها رائحة سياسية، حيث تعمد إلى التبخيس وإبراز السّلبيات وحجب الإنجازات الكبيرة والتنقيص منها". وكشف التقرير "ضعف التزامات الدولة ومؤسساتها في مكافحة التعذيب، خصوصا بعد تقرير الخبرة التي أُنْجِزت لفائدة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول ما تعرض له معتقلو حراك الريف من تعذيب ومعاملات أو عقوبات قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، وهو التقرير الذي ظل مصيره في حكم المجهول بعد أن أقبر، وتم استبعاده في جميع مراحل متابعة ومحاكمة هؤلاء المعتقلين رغم أنه صادر عن عمل مؤسسة رسمية". وكشف عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في الندوة الصحافية التي عرفت تقديم تقرير الجمعية حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2018، أنّ "وضعية حقوق الإنسان شهدت تراجعاً خطيراً، بل انقلبتْ من سَيّء إلى أسوأ". وأشار غالي إلى أنّ "الدّولة في تعاملها مع حقوق الإنسان تفتقد إلى الجرأة والشّجاعة في التعاطي مع التزاماتها الدّولية، وتجتر نفس الخطابات المناهضة لكل التقارير الدّولية والوطنية، وتتبجح بكونها سباقة إلى ما تسميه العدالة الانتقالية". وأبرز التقرير "استمرار الدولة في نهجها التحكمي عبر مقاربتها التسلطية لضرب المكتسبات في جميع المجالات، وعدم التزامها بالقانون، ويمكن اعتبار محاكمات نشطاء حراكي الريف وجرادة والأحكام الجائرة الصادرة في حقهم، عنوانا لحالة حقوق الإنسان في المغرب، ومؤشراً لقياسها". وأحصت الجمعية ما يزيد عن 125 حالة وفاة خلال سنة 2018، من بينها 7 حالات وفاة في مخافر الشّرطة أثناء الحراسة النظرية، وحالة وفاة واحدة ناتجة عن إطلاق الرصاص على المواطنين (حالة الشّابة حياة بلقاسم)، وحالة وفاة ناتجة عن تعنيف عناصر القوات المساعدة لوقفة احتجاجية، و7 حالات وفاة داخل السّجن، و20 حالة ناتجة عن حوادث الشّغل، و3 حالات بسبب الحكرة وحرق الذات". وسجّل التنظيم الحقوقي ذاته، حسب متابعته لقضايا الاعتقال السّياسي والتّعسفي، أنّ عدد المتابعين، بمن فيهم الذين أطلق سراحهم والمعتقلون السّياسيون ومعتقلو حرية الرّأي والتعبير، قد بلغ ما مجموعه 525 حالة اعتقال موزعة كما يلي: "317 معتقلاً من حراك الرّيف، و95 من حراك جرادة، و12 معتقلاً من احتجاجات تندرارا، و12 معتقلاً من سد تودغى، و33 معتقلاً صحراوياً، و11 معتقلاً من الطلبة وحركة 20 فبراير". وفيما يخصُّ حرية المعتقد، لم تسجّل الجمعية أيّ تعديل جوهري في مجال السياسة التشريعية للدولة المغربية لفائدة ضمان وحماية حرية المعتقد والحريات الفردية عموماً، "فمجمل المؤشرات التي حملها تقرير الجمعية لعام 2016 ولعام 2017 مازالت قائمة". كما توقّفت الجمعية عند استمرار منع الكتاب المقدس (الإنجيل) دون سند قانوني، وعدم وجود كنائس مغربية يرتادها المسيحيون المغاربة معترف بها من طرف السلطات، وإنما كنائس منزلية تمارس فيها الطقوس بشكل سري، وعدم وجود حسينيات خاصة بالمغاربة الشيعة، ولا حق لهم في ممارسة شعائرهم، واستمرار حملة التحريض ضد المغاربة الشيعة وضد المذهب الشيعي عموماً، بشكل متواتر على صفحات الجرائد وفي عدد من المواقع وخطابات شيوخ التكفير. وبخصوص وضعية السجون، سجلت الجمعية أن جل السجون تعرف اكتظاظا يفوق الخيال، حيث ينام السجناء في أوضاع لا إنسانية، مضغوطين مع بعضهم البعض، أو في الممرات أو حتى المراحيض الموجودة بالغرف، وذلك ما تؤكده الإحصائيات الرسمية للمندوبية العامة للسجون. أما بخصوص المجالات الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، فسجّلتْ الجمعية أنها تعرّضت للمزيد من الانتهاكات المتواصلة والإجهاز على المكتسبات، سواء تعلق الأمر بالحق في الشغل وما يرتبط به من حقوق شغيلة، أو الحق في الحماية الاجتماعية، أو الحق في التعليم بجميع أسلاكه، أو الحقوق الثقافية واللغوية، أو الحق في الصحة. وبالنّسبة للحق في الصحة، فقد تميزت سنة 2018، بحسبِ الجمعية، بتخلف وتراجع المنظومة الصحية، حتى أضحى التطبيب لمن له القدرة عل الدفع. وبالرغم من المجهودات المبذولة والتحسينات المسجلة على مستوى بعض المؤشرات الصحية والوبائية والديمغرافية والتخطيط العائلي، ما تزالُ هناك العديد من المعوقات في مجال تحقيق التغطية الصحية الشاملة.