وأنا أقرأ تدوينات بعض الأقلام النافثة لسموم الأفاعي والمعبرة عن التشفي نتيجة ما آلت إليه الأوضاع في البيت الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة، ولو أن سم الأفاعي يكسب المناعة، انتابني شعور بالمرارة، وبالإحباط والحزن العميق، وشعور بثورة داخلية تجعلني أستنجد بأولي الألباب من حكماء الحزب وشبابه ونسائه لأن التباكي لا ينفع ما دامت المكائد والدسائس ونهش الأعراض أثرت سلبا على سمعة المناضلين وأحيانا عائلاتهم واعتبارهم، وخلقت شرخا وخندقا عريضا مستصعب الرأب لا ينفع معه مواصلة عمليات التراشق بالكلمات النابية والعبارات القدحية بقدر ما يستدعي استحضار قوة العقل والحكمة والاحتكام إلى الشرعية لتجاوز محطات وبلوغ محطات أخرى عبر القنوات القانونية والتنظيمية. لكن مهما احتدمت الصراعات بين مناضلي الحزب، فإن ذلك ليس بمقدره أن يمحي التاريخ بجرة قلم، والأزمات تبدع الحلول وتستنهض الهمم، لأن الإنسان مرتبط بماضيه، وهذا الماضي كان حافلا بمحطات وبمناضلين بذلوا مجهودات جبارة من أجل إشعاع الحزب وتقوية واجهاته البرلمانية والجهوية والجماعية، لم نكن نتوقع أن نصل إلى مرحلة طغت فيها المكائد وبلغ الاحتقان أشده إلى درجة قصف الأعراض وتحويل قنوات التواصل الاجتماعي إلى حلبة للنزاع والصراع يتقارع فيها المتصارعون بمختلف الوسائل الجارحة والنبش في الأعراض ومس العائلات والمحاسبة وإلصاق التهم من هذا الطرف أو ذاك دون التوفر على أدنى حجة أو دليل، وتقمص صفة مؤسسات المتابعة والمحاسبة لإصدار الأحكام على الأشخاص والتشهير بهم ضدا على المبادئ والقيم من جهة، والمقتضيات القانونية التي تجرم هذه الأفعال المسيئة من جهة أخرى. الأمر المحزن حقا أن تنخرط بعض المواقع الالكترونية والأقلام الموجهة من هذا الطرف أو ذاك في صب الزيت على النار من أجل تأجيج الأوضاع وإذكاء نار الفتنة، متناسية أن حزب الأصالة والمعاصرة يضم مناضلين أبانوا عن حنكة ونية صادقة من أجل تطبيق برنامج الحزب والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام بغض النظر عن الشكوك والانتهازية وتأليب زيد ضد عمر، وحتى إن أخطأ أحدهم أو أساء الفهم، فإن تقويم الاعوجاج من صلاحيات الهياكل الحزبية في إطار الاحترام والتوجيه بدل الإيلام والانتقام. الوطن ينتظر من الفاعلين السياسيين والمنتخبين إبداعا وعملا ومنجزات ملموسة كل حسب اختصاصه، الوطن لا حاجة له بالصراعات والمزايدات وتغول الأنا والعجرفة وتعظيم الذات، فليتواضع الجميع، الكل من منبره وموقعه لرأب الصدع والانتصار للشرعية والمؤسسة الحزبية في احترام تام للنظام الأساسي للحزب ومحطاته التاريخية، علما أن إقامة الحقوق على القوة قد يؤدي إلى الفوضى والانفلات. وفي هذا الصدد، يقول Jean Jacques Rousseau إذا كان الأقوى هو الحق فينبغي لنا أن نكون جميعا أقوياء، علما أن الصراعات الشخصية والسباق المحموم نحو الكراسي والتصدي ولو بالعنف والحيل لكل من حاول الاقتراب منها يجعل المواطن يستنتج أنه خارج أي مشروع يعنى به وما في ذلك إلا إثبات واقعة الاستماتة من أجل قضاء المصالح الخاصة، الشيء الذي يؤجج الاحتقان ويذكي نار الحقد والضغينة ويدفع المواطن إلى تبخيس كل ما له علاقة بالعمل السياسي والحزبي وما يستتبع ذلك من عزوف وتصويت عقابي في المحطات المقبلة. لذلك، فليتوقف الجميع لحظة تأمل، سواء من اعتبره البعض ظالما، ومن اعتبر نفسه مظلوما، من أجل محاسبة الذات، وإن اقتضى الأمر جلد الذات والجلوس إلى طاولة التفاوض والتحاور من أجل إعادة بناء صرح الأمجاد لأن الاتحاد قوة والتفرقة هي السبيل إلى الزوال والانقراض. وأختم بقول الشاعر الأعشى: كناطح صخرة يوما ليوهِنها فلم يضِرها وأوهى قرنه الوعِل